عاجل/بعد التحقيق معهما: هذا ما تقرر في حق الصحفية خلود المبروك والممثل القانوني ل"IFM"..    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لهذه الأمراض بسبب لسعة بعوض.. علماء يحذرون    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    قفصة: عمّال بشركة نقل المواد المنجمية يعلقون إضراب الجوع    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    هام/ الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة بداية من الغد    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    عاجل/ الاحتفاظ بأحد الاطراف الرئيسية الضالعة في احداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    رئيس الحكومة يدعو لمتابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    السيطرة على إصابات مرض الجرب المسجلة في صفوف تلامذة المدرسة الإعدادية الفجوح والمدرسة الابتدائية ام البشنة بمعتمدية فرنانة    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة مفتوحة إلى النهضة : يبدو أنك نسيت روح وجوهر الإسلام
نشر في الخبير يوم 22 - 12 - 2011

هذه الرسالة موجّهة إلى حزب النهضة وبالأخص إلى السيدين راشد الغنوشي وسمير ديلو العضوان من هذا الحزب اللذان يبدوان...
أكثر تفتحا من غيرهما لعلّي أجد أذن صاغية تستجيب إلى كلّ ما هو مصلحة للبلاد التونسيّة بعيدة عن المصالح الشخصيّة والحزبيّة الضيّقة. أعضاء حزب النهضة وكذلك أنصاره والمنتمين إليه ليسوا بمتجانسين لا سياسيا ولا فهما بالدّين الإسلامي الحنيف. فهنالك المعتدل والنيّر وهنالك المتصلب والمتعصب. هنا تكمن خطورة هذا الحزب على المسار الديمقراطي لتونس.
غداة إعلان نتائج انتخابات 23 أكتوبر تقبلت فوز النهضة الساحق بشيء من التحفّظ ولكن بإيجابيّة بالرّغم من أنّ معظم الأطراف السياسيّة تتكلّم عن ازدواجيّة في خطابها :
الامتثال إلى لعبة الديمقراطية واحترام اختيار أغلبيّة الشعب تقتضي ذلك.
خطاب أعضاء حزب النهضة كان مطمئنا إلى حدّ بعيد وكان أيضا متفتحا ومسؤولا وقال بالحرف الواحد أنّنا لن نغتر بفوزنا وواعون بصعوبة المرحلة القادمة وأيدينا مفتوحة للجميع، حتى للأحزاب التي لم تفز ولو بمقعد واحد، لنبني جميعا مستقبل تونس.
كذلك قالت النهضة إنها لا تدعي البتة أنّها تمثل الدّين الإسلامي وبالتالي ليطمئن الجميع أنّ حزبها بالأساس مدني وليس ديني.
الوعي بأنّ الشعب التونسي يقظ ولن يسمح لأيّ كان أن يرجعنا إلى نقطة الصّفر (نظام الاستبداد) تحت أيّ شعار جذّاب أو أيّ غطاء ولو كان ديني.
لكن يبدو أنّ خطاب النهضة في واد والممارسة الفعلية للسياسة في واد آخر وأنّها بارعة في المراوغة والمغالطة معتمدة على الخلط في المصطلحات والأفكار وتملّكها في فنون الخطابة وفهمها الجيّد لنفسيّة كلّ شرائح المجتمع التونسي حتى تنجح في تمرير مشروعها الحقيقي البعيد عن مشروعها المعلن. على كلّ حال أتمنّى أن أكون مخطأ في تقديراتي وأنّ النهضة لا تملك سوى مشروع واحد وهو المطابق لما هو معلن.
المتتبّع في شكل ومضمون المفاوضات التي أجرتها مع الأطراف السياسية الأخرى قبيل انعقاد أوّل جلسة للمجلس التأسيسي وفي مضمون النصوص التي تقدّمها للمناقشة وللتّصويت في مداولات المجلس التأسيسي يفهم جيّدا أنّ همّها الكبير هو الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من السلطة، خاصّة السيادية منها. في هذا المجال النهضة لا تختلف كثيرا علن الأحزاب الأخرى في تهافتها على اقتسام الكعكة وما "اليد الممدودة إلى الجميع" إلاّ وسيلة ذكيّة لتهدأة الخواطر ولتمرّ العاصفة بسلام لأنّها تعرف مسبّقا أنّ الأحزاب العلمانيّة وكذلك طيف كبير من المجتمع المدني لم يستسغ بالمرّة فوزها الساحق. صحيح أنّ الأحزاب الكبيرة التي لم تحصل على المقاعد بالعدد المرتقب رفضت هذه اليد الممدودة واختارت دور المعارضة. لكنّ النهضة كانت تستطيع مدّ يدها للأحزاب الشابّة والحديثة ذات البرامج القيّمة والتخلّي عن فكرة الاستحواذ على السّلط السيادية ليكون توزيع المناصب حسب مبدأ الرّجل المناسب في المكان المناسب عوض عن مبدأ تقسيم الكعكة لما هو خير لتونس.
لكن أخشى ما أخشاه أنّ الأخطر من كلّ هذا التوجّه (الاستحواذ على السلطة) هو ليس مجرّد أنّ أعضاء النّهضة ككل السياسيّين تقريبا تاستهويهم السلطة، وإنّها أيضا، وهذا يخصّ النهضة بالذّات، يتماشى مع مشروعهم الخفيّ ألا وهو إرساء على المدى الطّويل وبالتدرّج مجتمع إسلامي حسب مفهومهم للدّين الإسلامي من خلال سنّ قوانين تستمدّ من الشريعة الإسلاميّة. إن كان تصوّري صحيح، فإنّ ادّعائهم بأنّ حزبهم مدني وبأنّهم لا يمثلون الدين الإسلامي سوى دهاء ومغالطة ووسيلة حتى يصلوا إلى الحكم الشبه المطلق ويضمنوا النجاعة لمشروعهم بلا اصطدام حاد واعتراض شديد من غالبيّة الشعب.
هم واثقون من فوزهم في الانتخابات القادمة لأنّهم مدركين بأنّ لهم أسبقيّة على الأحزاب الأخرى ليس لقيمة برامجهم السياسيّة ولكن لأنّ نسبة محترمة من الشّعب التونسي، خاصّة المتديّن منه، يعتقد أنّ حزب النّهضة يمثل الدّين الإسلامي، أو على الأقلّ يناصره، وبالتالي، وجب عليه ومن مصلحته أن يصوّت له ففوز النهضة في الانتخابات يعتبر نصر للدّين. هذا الخلط سببه السياسة العدوانيّة المتبعة من الغرب تجاه الدّين الإسلامي والذي اتّبع أيضا من نظام بن علي وكذلك بسبب نوعية الحملات الانتخابيّة التي قادتها معظم الأحزاب والمركّزة على خطاب المزدوج للنهضة وعدم حرفية وحياد وسائل الإعلام (خاصّة قناة نسمة) بصفة جعلت هذه الفئة من الشعب تعتقد خطأ أنّ كلّ من تهجم على النهضة هو تهجّم على الدّين الإسلامي. الدّليل أنّ كلّ الأحزاب التي تهجّمت على النهضة، حتى الكبيرة منها، خسرت في الانتخابات. هذه الأسبقيّة تعطيهم أريحيّة في تمرير مشروعهم بالنّجاعة المرجوة. وما تشبثهم بالنظام البرلماني وبالوزارات السيادية كالعدل والداخلية وبالوزارات المرتبطة بالعقل البشري كالتربية والثقافة والاجتماع إلاّ دليل على هذا التوجّه. بالطبع هم يقدمون النظام البرلماني في أبهى مظاهره. فهو البديل الأنسب للنّظام الرئاسي الذي ابتلع السلطة في شخص واحد (وهو الرئيس) بما أنّه (النظام البديل) يدع السلطة للشعب وبذلك تنزل السلطة من الأعلى إلى أسفل أي إلى قاعدة الشعب ممثلة في البرلمان.
كلّ هذا جميل وبرّاق وجذّاب ولكنّه كلّه مغالطات من خلال خلط في الأفكار والمصطلحات:
أوّلا، وقبل كلّ شيء النظام المقترح هو بديل للنظام الرئاسوي وليس الرئاسي. صحيح أنّ النظام الرئاسي ليس فيه توازن نسبي بين السلط ولكن ليس إلى الحدّ أن الرئيس يبتلع كلّ السلط والرّئيس منتخب من الشعب وليس بمفروض على الشعب.
ثانيا، النظام البديل والمقترح هو نظام يبتلع كل السلط. إذن التغيير يكمن في استبدال الذي يمتلك السلطة المطلقة وليس القضاء على الاستبداد. فمن استبداد الشخص الواحد نمرّ إلى استبداد المجموعة (الفائزة بأغلبيّة المقاعد في الانتخابات). هذا النّظام المقترح من النهضة لا يدع السلطة للشعب. صحيح أنّ المجموعة الفائزة هي منتخبة من الشعب وليست بمفروضة وبالتالي لها الحقّ أن تختار أعضاء الحكومة وأن تراقب عمل الحكومة. هنا أفتح قوسا لأقول للمعارضة كفانا حجج واهية كالأقلّية لها نفس الحظوظ في الحكم أو أنّ النهضة لم تفز في الانتخابات لأنّ ما يقارب النصف من لهم الحق في التصويت امتنعوا عن حقهم (من قال لكم أنّهم كلهم ضدّ النهضة !؟). هذه الحجج لا تزيدكم إلاّ ضعفا أمام الأحزاب الفائزة وأمام الرّأي العام كذلك. أغلق القوس لأقول للنّهضة : ولكن ليس لكي الحقّ أن تحكمي كما تشائين أنت كحزب إسلامي (مقدم على أنّه مدني) على عكس إرادة الشعب التونسي. صحيح أنّ الانتخابات وجه من وجوه الديمقراطيّة وهي ضرورية لكنها ليست بكافية حتى تتحقّق الديمقراطية. الواضح أنك بهذا المشروع تقدّم لتونس نظاما ديكتاتوريا (بفكر وحيد ومستبد) تحت غلاف الشرعيّة الانتخابيّة.
ثالثا، الذي يريد أن ينزل فعلا بالسلطة من الأعلى إلى أسفل أي إلى قاعدة الشعب يجب أن يخاطب الشّعب مباشرة ويسأله عن حاجياته ومشاغله وأوّلياته ويستمع إليه ويستجيب له ولا أن يتصرّف بعقليّة نخبوية فوقية بأنّه يعرف أكثر من الشعب نفسه ما هو صالح له وما هو ضار له وأن يستبدّ بفكره الأوحد تحت غطاء الشرعية الانتخابية.
علاوة على الانتخابات، الديمقراطية الحق تكمن خاصّة في أنّ الحاكم المنتخب يكون أوّل مدافع وأوّل ساهر على تحقيق كلّ أهداف ومصالح الشعب بأكمله وليس بالفئة التي صوّتت له. وحتى الفئة التي صوّتت لكي هي اختارتك لأنّها تصوّرت بالأساس أنّه بالأنجع أن تؤتمن على حقوقها، خاصّة الديمقراطية والكرامة، من سياسيين يخافون الله أكثر من غيرهم ويلتزمون بالأخلاق النّبيلة التي يتحلّى بها ديننا الحنيف. هي لم تصوّت للنّهضة لأنّ نظامها السياسي المقترح هو النّظام البرلماني. فقبيل الانتخابات، معظم شرائح الشعب التونسي لا يميّز بين النظم السياسيّة، فحتّى قادة بعض الأحزاب الحديثة والقوائم المستقلّة لا تعرف ما معنى النظام السياسي. هذا النقص لا يتحمّله الشعب بل الأحزاب، خاصّة المعارضة، والأعلام خاصّة التلفزة الوسيلة الإعلاميّة الأكثر تأثيرا وتتبّعا، التي ركّزت على هويّة الشعب وعلى التهجّم على النهضة عوض على البرامج والنظم السياسيّة المقترحة.
من بين الذّرائع الأخرى المقدّمة من النهضة حتى تثبت أنّ نظامها ديمقراطي وليس أبدا استبدادي كما يبدو للكثير أذكر خاصّة :
إننا أخذنا بالاعتبار رأي النوّاب وعدلنا بعض الفصول في النص المقترح فيما يخصّ النظام والقانون المؤقت للسلط العمومية.
هنالك بلدان متقدمة ولها تقاليد في ممارسة الديمقراطية الحقة لها أنظمة برلمانية.
الدّين الإسلامي لا يتعارض أبدا مع الدّيمقراطية بل هو يدعو إليها وبشدّة.
صحيح أنّ الأخذ برأي النوّاب، حتى ولو لم يمثّلوا إلاّ الأقلّية، هو وجه من وجوه الديمقراطيّة. ولكن ما الفائدة المرجوة من التعديل من النصّ إذ كان الأصل (أو القاعدة) القابل للترقيع هو بالأساس مستبدّ وحكم مطلق للمجموعة الفائزة بالانتخابات. تقديمكم لنصّ يدعو إلى الحكم المطلق والقابل إلى التعديل ما هو إلاّ حلقة أولى ولبنة تبنى في فترة عمل المجلس التأسيسي لإرساء مشروعكم المستساغ على الأمد الطّويل وبالتدرّج. أمّا فيما يخصّ الذريعة الثانية فإنّ النهضة لم تذكر قطّ أنّ هذه البلدان ليس لها حزب أوحد مهيمن على الجميع وبالتالي النظام البرلماني يستطيع أن يكون ديمقراطيا هنالك ولا يستطيع أن يكون ذلك في تونس وفي كلّ الدّول العربيّة أيضا لأنّ لها خاصّية وهي أنّ الإسلاميّين، معتدلين أو متشدّدين، لهم أسبقيّة على كلّ الأحزاب الأخرى. الخلط الحاصل بين الحزب الإسلامي والدّين الإسلامي يجعل فوزهم، وبالأغلبيّة الساحقة، من تحصيل الحاصل.
حسب نظري البسيط، أعتقد أشدّ الاقتناع أنّ الذريعة الثالثة هي صحيحة ولا غبار عليها. الاختلاف هو في شكل الديمقراطيّة وليس بمضمونها. الشكل القديم لا يتماشى مع المجتمع الحديث وغير قابل أصلا للتّطبيق. فهل لنا شخصيّة تقارب شخصيّة سيدنا عمر رضي الله عنه حتى نتجنّب استبداد الحكم المطلق. العرب لم يستطيعوا توحيد دولتين فقط فكيف يستطيعون توحيد أمّة إسلاميّة جمعاء. إذن الإشكاليّة الحقيقيّة التي يجب أن تطرح هي كيفيّة التوفيق بين ضرورة الحزب أن يكون بالأساس مدني أو علماني حتى لا نقبع في نظام استبدادي (كإيران مثلا) تحت غطاء شرعيّة الانتخابات أو شرعيّة إلاهيّة ودينيّة وضرورة الأخذ بتعاليم ديننا الحنيف الدّاعم إلى الديمقراطيّة وحقّ الإسلاميين في ممارسة السياسة عن طريق أحزاب مدنيّة ؟
قبل كلّ شيء عليّ أن أوضّح أكثر لماذا يجب منع أيّ تأشيرة لحزب بالأساس ديني. أوّلا وقبل كلّ شيء وكما تقول النهضة دائما في وثائقها الرسميّة وفي اتّصالها بالشعب الغير المباشر عبر وسائل الأعلام (أمّا خطابها المباشر، أو على الأقلّ خطاب مناصريها، فهو يبدو غير ذلك) أنّه ليس هناك من يستطيع، حتى ولو كان فقيها معتدلا، كبير ومعروف جدّا، أن يحدّد بصفة قاطعة مفهوم الدّين الإسلامي الحقيقي بكلّ تفاصله. لذلك تقول النهضة أنا لا أدعي البتّة أنّي أمثل الدين الإسلامي. الدليل على ذلك وجود عدّة تيارات إسلاميّة تختلف الواحدة عن الأخرى في المفهوم للدّين الإسلامي ومن نفس التيار يختلف تفسير فقيه عن الآخر فحتى في مجال التمييز بين الحلال والحرام فيه اختلاف عند علماء الدين. ثانيا، يصعب على الحزب الديني التدارك في أخطاءه. ماذا ننتظر من فوز حزب ديني من الانتخابات، غير المضي إلى ديكتاتوريّة الفكر الأوحد، سواء شاء أعضاؤه أم لم يشأ. إنّ أي تيّار إسلامي، يجعل المنتمي إليه يرى وبصدق أنّ كل ما يبتعد عن فكره هو خاطئ وسلبي بما أنّ في ذهنه خلط بين فكره ومفهوم الدين الإسلامي الحقيقي والتامّ الذي لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ. أعطي مثلا، ماذا تنتظر من سياسي يقول لك هذا ما قاله الله سبحانه تعالى أو هذا ما دعا إليه سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم غير أنّك كافر إن أنت عارضته في تفكيره وكأن به يملك الحقيقة التامّة والمطلقة حول الدّين ومفهومه. وماذا تنتظر من مواطن يقوم بكلّ الفرائض الدينيّة وصوّت للنهضة ويعتقد جزما أنّ النهضة تمثل الدّين الإسلامي غير أنّ كلّ برامجها السياسيّة هي مثالية بالأساس حتى ولو أنّك بيّنت له بالحجّة والبرهان أنّ النظام البرلماني التي تدعو إليه هو نظام استبدادي.
وجب جعل الدّين الإسلامي فوق كلّ شيء وأرقى من كل عمل سياسي. هذا لا يعني أنّه يجب الابتعاد كلّيا عن تعاليم الدين الإسلامي. هذا يقودنا إلى حلّ الإشكاليّة المطروحة. وجب على أيّ حزب، خاصّة الأحزاب ذات مرجعيّة إسلاميّة، الاستلهام والاستنباط والسّير فقط (من الناحية الدينيّة) على روح ومبادئ الإسلام السامية التي لا يشكّ فيها أيّ فقيه نيّر ومعتدل والابتعاد عن الجزئيات والتّفاصيل حتى ولو بدت صحيحة مائة بالمائة لعامّة الناس. عن جوهر الإسلام أذكر أنّه قائم خاصّة على الأشياء التالية :
1. الأخلاق بمفهومها الشامل وبكلّ ما تتضمن من صدق وإخلاص وتفاني واحترام ونزاهة ونظافة اليد وعدم إلحاق الضّرر بالآخر وليس الدّهاء والخبث والمكر والكذب تحت غطاء السياسة بمفهوم الغاية تبرر الوسيلة فنبيّنا صلى الله عليه وسلّم يقول : "إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق".
2. المحبّة والتسامح والسلم وليس كما يدعي الغرب الكراهية والبغض والعنف والإرهاب. لنتذكّر دائما قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه".
3. الحكمة والوسطية في كل شيء والحث على العمل وعلى المعرفة (البحث العلمي) وليس التطرف والتصوف أو الجهل والتعصّب.
4. الحثّ على نشر قيم الإسلام وعلى العبادة لما هو خير ورقي للإنسان ولكن بدون إكراه لأنّ لا فائدة في عبادة الله بدون إيمان حقيقي أو تحت الخوف من القانون الذي يجبر العبادة قهرا. الإكراه لا يزيد إلاّ كرها للدّين.
هذه القيم تخصّ كلّ مسلم سواء كان حاكما أو محكوما. أمّا القيم التي تخصّ العلاقة بين الحاكم والمحكوم فهي ترتكز خاصّة على أنّ الحاكم هو خادم للشعب هاجسه الأول والأخير هو إسعاد شعبه وإقامة العدل وأن يكون في مستوى المسؤوليّة الكبرى التي هي على عاتقه حيث أنّ سعادته تكمن في تحقيق هذا الهاجس وليس لممارسة السلطة كحبّ في السلطة في حدّ ذاتها أو للانتفاع بخدمات على حساب شعبه. الحاكم في الأخير هو موظف كغيره من الموظفين له أجر متواضع نسبيّا مقابل عمله ومسؤوليّاته.
هنا أسأل النهضة هل أنّ ازدواجيّة الخطاب وعزمها على إرساء نظام استبدادي تحت غطاء الديمقراطيّة والشرعيّة هو سلوك يتماشى مع روح وأخلاق الدّين الإسلامي الحنيف أم لا ؟ إذا كان الجواب على هذا النحو: حتى في العصر الذهبي للأمّة الإسلاميّة الدهاء والخبث استعملا في المعارك ضدّ العدوّ. في هذه الحالة أسود وأسأل من جديد : هل تعتبر النهضة أنّ الأحزاب المتنافسة وبعض من فئات الشعب (الفئات التي تصلها أهداف مغايرة للأهداف الحقيقيّة) عدوّة لها ؟ وهل أنّ النّظام المستبد ذات الفكر الأوحد هو هدف سام ؟
نعم للذّكاء الإيجابي في المجال الداخلي وفي المجال الخارجي وفي كلّ الحالات ولا للخبث (الذكاء السلبي) بكل أنواعه خاصة في المجال الدّاخلي. من بين أنواع الخبث أذكر خاصّة ذكاء في تصوّر أهداف وهميّة وجذّابة وفي كيفيّة إعلانها إلى الشعب للوصول إلى غايات دنيئة أو ذكاء ومكر في استعمال وسائل دنيئة للوصول إلى غايات شتّى حتى ولو كانت نبيلة.
وهنا أسأل الفئة من الشعب التي لم تع بعدُ بروح وجوهر الإسلام والتي تسلك سلوك فيه الكراهية والعنف (اللّفظي وحتى الجسدي) والبغض والتعصّب (يكاد لا يسمع رأي الآخر) ولباس النقاب بالنسبة للمرأة وإطلاق عنان اللّحية (بالنسبة للرجل طبعا) مع الشرارة البارزة من الأعين (اللّحية في حدّ ذاتها مع النظرة الهادئة ليس فيها أيّ لبس أو عيب)، أبهذا السّلوك نستطيع تعميق الإيمان ونشر قيم الإسلام لما هو خير ورقي البشريّة بأكملها أم نصل إلى عكس ما يبتغيه الله عزّ وجلّ ؟ أليس بهذا السلوك نعطي هديّة مجانيّة للغرب وذريعة وحجّة قويّة ليقولوا أنّ الدّين الإسلامي هو رمز للعنف والرّعب والإرهاب ؟
أعتقد أنّ الأمّة الإسلاميّة جمعاء لها كنز كبير وعميق لا ينضب ألا وهو جوهر وروح الإسلام ولكنّه وللأسف الشديد أنّه غير مبال به بل أكثر من ذلك لقد وقع تشويهه وبالتالي وقع سوء استعماله. أعتقد كذلك أنّ قدر كبير من الشعب التونسي ذكيّ وذكيّ جدّا، ويقض ووسطي بطبعه (نظرا للحضارات المتعاقبة ولامتلاكها لرجال عظام كحنبعل وابن خلدون وبورقيبة). ويستطيع عاجلا أم آجلا أن يستغلّ إيجابيا هذه الخصال ليمزجها مع روح الإسلام ليصنع العجب ويكون مثالا يحتذي به. في المجال السياسي يستطيع أن يعطي الدّليل أنّ السياسة المثالية (هي قبل كلّ شيء أخلاق أو لا تكون) ممكنة وليس كما يصورها الغرب هي خبث حيث الغاية تبرر الوسيلة وأنّ النظام الأمثل السياسي لكل بلدان العالم هو النظام المختلط (موضوع مقالي القادم) حيث أنّ الاختلاف يكمن في التفاصيل من خلال خصوصيات كلّ بلد.
انظروا كيف أنّ جلّ الشعب التونسي أصبح في شهور قليلة، رغم تقصير الإعلام، أصبح يميّز بين النّظم السياسية وفهم أنّ النظام البرلماني في الحالة التونسية هو نظام استبدادي مقدم على أنّه ديمقراطي. أنا واثق أنّ النهضة أدركت هذا الشّيء لأنّ قوّتها تكمن في الغوص في عقلية الشعب التونسي لذلك قبلت التعديل. أرجو منها في صياغة الدستور أن تتخلّى عن مشروعها البرلماني ليكون النظام المختلط هو المقترح والقاعدة للمداولات والنقاشات في المجلس التأسيسي لما هو خير للبلاد ولها وتثبت إلى غالبية الشعب التونسي أنّ مشروعها الاستبدادي مجرّد تخمينات لا صحة له وأن تبشيرنا بالخلافة السادسة وقع تجريده من صياغه فعلا.
تبني النهضة بالنظام المختلط بدون أيّ لبس سيجنّب تونس الكثير من هدر للوقت والطاقات والمال والموارد الأخرى. سيفهم الشعب التونسي إيجابيا هذا التبنّي وسيحسب لصالح النهضة. هنا تكمن أيضا المسؤولية الكبرى للأحزاب الأخرى، خاصة التي تتبنّى النظام المختلط كالمؤتمر والتكتل والتقدمي في الدفاع وبشراسة عن هذا النظام ربحا للوقت ولتجنّب المزيد من هدر للموارد. إذا رفضت النهضة هذا التماشي، فالأكيد أنّ التونسي يقض وسيفرض، آجلا أم عاجلا وشاءت النهضة أو لم تشأ، النظام المختلط. أنا متأكّد أنّ أي حزب تونسي إذا راجع برامجه وخطاباته بصفة يقع استغلال الكنز الكبير (الذي تمتلكه كل الأمّة الإسلامية) بنجاعة مع الأخذ بإيجابية خاصيات العقلية التونسية المميّزة سوف يضمن لحزبه الفوز الدّائم في الانتخابات القادمة. من الأشياء التي يمقتطها الشعب التونسي من الأحزاب هو التهافت والتكالب على السلطة بكلّ الوسائل. هذا الشعب لا تهمّه الأسماء بل يهمّه الذي يستطيع أن يؤتمن به ويحقّق مصالحه وأهداف الثورة. في هذا المجال وفي الفترة التي تلت 23 أكتوبر إلى حدّ هذا اليوم، أعتقد أنّ حزب التكتل ربح نقاط على حساب النهضة والمؤتمر عند الرّأي العام لأنّه يبدو أنّه لم يتهافت على السلطة. حسب رأيي الخاص هذا التماشي يتطلب التّركيز على الأشياء التالية :
- إبراز روح وجوهر الإسلام ككنز ثمين وكبير لا ينضب وبالتالي وجب استغلاله كما يجب. هنا وجب إعطاء الفرصة لعلماء الدّين والفقهاء (كالدكتور الفاضل السيد يوسف القرضاوي وكالدّكتورة ألفة يوسف) الفرصة لهذا الإبراز من خلال برامج تلفزية.
- جعل دين الإسلام فوق السياسة والإقرار بوجود معنى أصلي للقرآن لا يعلم تأويله إلا الله (وبالتالي لا إكراه للدّين ولا للأحزاب الدينية).
- إعطاء الدليل من خلال الممارسة الفعلية (وليس فقط بالخطابات الرنانة) أنّ السياسة هي قبل كل شيء أخلاق أو لا تكون وأنّ الهدف الأسمى والأوحد لكل حزب هو أوّلا وأخيرا خدمة الشعب.
- إرساء ثقافة قبول الرّأي المخالف وحتى المعاكس وكذلك ثقافة الحوار البناء والمنهجيّة العلمية التي تقودنا إلى الوسطية والحكمة من خلال الآراء المعاكسة.
- القضاء على الشعور بالنقص تجاه الغرب وإبراز قيمة مفكرينا وعلمائنا ورجال أعمالنا وفقهاءنا في الدين وذكاء عامّة الشعب التونسي وإعطاء الفرصة لشبابنا لإبراز مواهبهم في كلّ المجالات (حتى السياسية منها).
- القضاء التدريجي على الفكر السلبي واستغلال الذكاء إيجابيا وعلميا.
هذا التمشّي يتطلب أولا وبالذّات ثورة في مجال التربية والتعليم وفي مجال الأعلام وفي ممارسة السياسة. إذن مسؤولية الأحزاب والإعلاميين والمفكرين كبيرة جدّا إذا أردنا أن تصبح تونس أحسن بلدا أخلاقيا، حضاريا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا يطيب العيش فيه.
أخيرا وليس آخرا، أذكر أني لا أملك البتة الحقيقة وبالتالي الحوار مفتوح، سواء كان مباشرا أو غير مباشرا عبر الصحافة (أو البريد الإلكتروني)، بيني وبين حزب النهضة وغيرها من الأحزاب التي لا تتفق معي في هذا الطرح أو التي رأت بعض الغموض في تحليلي. كل ما أتمنّاه هو أنّ المشروع الخفيّ لحزب النهضة هو مجرّد أفكار واهية لا تستمدّ إلى الواقع بشيء. إن كان هذا المشروع حقيقي، أتمنّى أنّ النهضة ستلغي تماما هذا المشروع لمصلحة تونس أوّلا ولمصلحتها ثانيا خاصّة إذا تأخذ بعين الاعتبار بروح وجوهر الإسلام لأنّها بذلك (وليس ببرنامجها الأصلي) ستضمن وفي آن واحد نجاح حزبها الدّائم ونشر قيم وتعاليم ديننا الحنيف في العالم بأكمله وتكون تونس مثالا يحتذي به. إذا أرادت الأحزاب الأخرى أن تنافسها في هذا المجال فما عليها أن تراجع سياساتها حسب روح الإسلام وعقلية التونسي وتترك جانبا وإلى الأبد السلبية والتهافت على السلطة (مهما كانت الأسباب) و المعارضة الغير البنّاءة.
يوسف النابلي
دكتور في التصرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.