لا يختلف اثنان أن بلادنا تمر حاليا بأزمة اقتصادية واجتماعية حادة، وهي نتيجة حتمية خلفتها الثورة التي ما نزال نعيش على وقعها بعد مرور سنة عن اندلاعها... وبقدر ما كانت نتائج الثورة ملموسة على مستوى الحريات وعلى مستوى المسار الديمقراطي فيما يتعلق بانتقال السلطة ومراحل بناء الجمهورية الثانية على أسس سليمة بقدر ما تعثرت على المستوى الاقتصادي وهو افراز طبيعي للفوضى التي عقبت هروب الرئيس السابق مما أدى إلى القيام بالاعتصامات والإضرابات إضافة إلى الانفلات الأمني وهي العناصر المميزة التي سيطرت على الساحة منذ 14 جانفي 2011 فتوقفت تقريبا الدورة الاقتصادية وزاد عدد العاطلين الذي أصبح يقارب 800 ألف عاطل حاليا. وتلى كل ذلك تأخير موعد الانتخابات الذي أطال عمر حكومة قائد السبسي التي لم تكن قوية لغياب الشرعية حيث كانت حكومة توافقية مثلها مثل رئاسة الجمهورية واقتصر دورها حتى استقالتها على تصريف شؤون البلاد بلا قدرة حقيقية على اتخاذ قرارات حاسمة ولم تعمل إلا على توفير كل مستلزمات العملية الانتخابية ليوم 23 أكتوبر الماضي. وبين الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة وانطلاق أشغال المجلس التأسيسي وانكباب هذا الأخير على أعداد القانون المنظم للسلط العمومية و...و...شهدت الدورة الاقتصادية ركودا بلغ أدنى درجاته. وها نحن ندخل السنة الإدارية الجديدة 2012 بميزانية ليست في حقيقة الأمر ميزانية بالمعنى المتعارف عليه حيث تم إعدادها من طرف حكومة السبسي المتخلية واضطرت الحكومة الشرعية المؤقتة للموافقة عليها كما هي تقريبا إلا فيما يتعلق ببعض الجزئيات وستتحمل بطبيعة الحال تبعات سلبياتها . ولعل هذا ما جعل حكومة السيد حمادي الجبالي تمتنع عن تقديم أي رقم لنسبة النمو المرتقبة من برنامجها، وهذا مفهوم باعتبار أن وضعية البلاد اقتصاديا واجتماعيا متردية وتتطلب معالجة سريعة. وكان السيد حمادي الجبالي شدد سواء في بيانه عند تسلم مقاليد الوزارة الأولى أو في مداخلاته لدى "مناقشة الميزانية" من طرف المجلس الوطني التأسيسي شدد على عزم الحكومة الجديدة على دفع عجلة الاقتصاد لتخرج البلاد من الركود المتواصل منذ حوالي سنة. طبعا هذا رسم سريع وموجز للصورة القاتمة التي عليها اقتصادنا بعد مرور سنة على سقوط نظام الرئيس السابق الديكتاتوري والمضي في تأسيس نظام تعددي يقطع قطعا كليا مع الماضي . وهناك رؤى عديدة فيما يتعلق بالوضع الحالي وكيفية الخروج من عنق الزجاجة سواء لدى الحكومة الجديدة أو لدى مكونات المجلس الوطني التأسيسي وحتى لدى المختصين في الميدان الاقتصادي ومكونات المجتمع المدني بصفة عامة . وهنا وجب التأكيد أن الإنعاش الاقتصادي يرتكز على قواعد علمية وفيما يتعلق بوضعنا الحالي فإن إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران تتطلب إنعاش خزينة الدولة بالأموال وهو ما يعبر عنه بالموارد وموارد الدولة تتأتى من الجبائية وهنا وجب ضرورة خلق مناخ أعمال مطمئن، أي أن يبشر أصحاب الأعمال والمستثمرين أنهم سوف لن يتعرضوا أبدا إلى الممارسات التي كانت سائدة في الماضي وهو ما يعني أن تعود الجبائية إلى مفهومها الاصلي كواجب يؤديه كل فرد يعمل في المجتمع، ولا أن تكون الجباية سيفا مسلطا على الرقاب لخدمة أغراض شخصية. وفي هذا الإطار بالذات يمكن إطلاق عفو تشريعي جبائي يكون اختياريا ومشروطا. لماذا يكون هذا العفو اختياريا؟ لأن هذه صيغة من الصيغ التي يمكن بها القطع نهائيا مع الماضي،وهنا وجب التأكيد على كون تفعيل العدالة الانتقالية كعنصر أساسي في هذه العملية حتى لا يشكل العفو الجبائي المشار إليه مظلمة في حق المواطن الشريف. اما لماذا يكون هذا العفو مشروطا، فإن المبدأ الذي يجب أن يقوم عليه التمتع بهذا العفو هو أن يشمل كل من يتولى تلقائيا بالتصريح التكميلي في ظرف ثلاثة اشهر وان يلتزم ضرورة بدفع نسبة 1% من رقم معاملاته وذلك بالنسبة لكل الناشطين الذين لديهم معرفا جبائيا "الباتيندة" ودفع نسبة 5% من معاليم الاداءات المصرح بها بالنسبة للبقية وذللك ابتداء من سنة 2006 إلى موفى 2010 ، في إطار اعتراف بدين يسدد على امتداد 18 شهرا. وهذا العفو التشريعي الجبائي المقترح يمكن أن يساهم بقسط وافر أولا في بعث الطمأنينة لدى كل شرائح المواطنين سواء منهم رجال الأعمال والمستثمرين او بقية المواطنين الآخرين الذين سيشعرون بأن عبء الضرائب متقاسم بطريقة أقرب ما تكون إلى العدل. وإن تم ذلك فإن خزينة الدولة ستنتعش بمجهود التونسيين وستتمكن عندها الدولة من الإيفاء بمتطلبات المرحلة في التنمية وخاصة منها الجهات المحرومة التي وجبت العناية بها بصفة خاصة حتى تنخفض حدة المشاكل الاجتماعية التي تعانيها وتصبح بدورها مناطق إنتاج ودفع لعجلة التنمية الاقتصادية للبلاد . هذا المقترح الذي يمثل حسب رأينا المتواضع رافدا هاما للانطلاق في العمل التنموي الذي نحن في أشد الحاجة إليه نسوقه إلى أولي الأمر محاولة منا في المساهمة في إنجاح ثورة الحرية والكرامة و ترسيخ المسار الديمقراطي الذي انطلق بشكل متميز ووجب دعمه بالنجاح في دفع عجلة الاقتصاد. عبد اللطيف بن هدية