من منّا لا يحبّ تونس.. من منكم لا يغير على هذه المدينة الحاضرة.. بأبوابها المنتشرة على طول الحزام للأحياء الشعبيّة.. الكلّ يعشقها لأنّها ليست كباقي المدن العربية.. فهي تمتاز بعاداتها و تقاليدها و أذواقها العديدة و المتميّزة.. في تونس الحاضرة يبدو كلّ شيء فيها فقيرا، هرما، ما عدا المساجد فهي الوحيدة التي يتّسم مبناها بالقوّة و المتانة و الجودة و حسن الموقع و البناء، و ذلك يعكس حجم الدّعم و المساهمات الذي تحظى به بيوت الله في كلّ حومة بالبلاد العربي.. يكفي أن نذكر جامع الزيتونة، جامع صاحب الطّابع، جامع حمودة باشا، جامع القصبة و البقيّة لا يحصى لها عددا.. أمّا عن أحوال المتساكنين المادية و الاجتماعية، فهم في الجملة ليسوا من ذوي اليسار و الاقتدار المالي، إذ قلّة منهم فقط من يملكون ذلك.. هذا طبعا ليس بعار، فأغلبية الشعب التونسي أحواله الاجتماعية تحت المتوسط إن لم نقل ضعيفة.. و لكن هذا لا يعطيهم الحقّ و الشرعيّة للاعتداء على الذّوق.. الذي ينتقل في أنهج و شوارع المدينة العتيقة في باب سويقة و الحلفاوين أو باب الجديد و باب الجزيرة، يلاحظ بلا كبير عناء الأكداس المترامية من الفضلات و خصوصا في الأماكن المظلمة.. و يلاحظ فضاعة الحركة المرورية، و كيف أنّ منطقة مترامية الأطراف كمنطقة باب سويقة لها مدخلين فقط.. واحد على مستوى النفق، و الثاني عبر شارع باب البنات.. إذا لاحظت ذلك، فهذا دليل قاطع على أنّك تتمتّع بحسٍّ جماليّ مرهف.. لكن لا تعتقد أنّ ذلك من المزايا التي ستسهل لك العيش.. بل توقّع يا صديقي العكس في بيئة يغزوها البناء الفوضوي، و الذّوق الرديء يوما بعد يوم، و تهدّد في كلّ حين حساسيتك دون أن تستطيع لمقاومتها سبيلا.. فأنت إزاء اعتداء الذوق الرديء، لا تملك سلاحا و لا أداة دفاع من أيّ نوع.. ففي كلّ بلاد العالم لا يوجد قانون يعاقب " جرائم " الذوق الرديء.. لو كان الأمر غير ذلك لطالبنا بإنشاء فرقة أمنية لمقاومة الذّوق الرديء.. و لكم أن تتصوّروا ضخامة العمل الذي ينتظرها.. هذا كلّه دخل في حياتنا اليومية و أصبح مفروضا علينا كفرض أداء التلفزة في فاتورة " الستاغ.. و لكن المشهد الغير معقول، و الذي لم يقبله العقل، و رفضت أن تتدرّب على رؤيته العين، هو بلا شكّ الكمّ الهائل من المنتصبين في محيط جامع صاحب الطّابع بالحلفاوين الذي يعتبر أحد أكبر و أرقى و أقدم الجوامع بتونس.. أمام جامع صاحب الطّابع يلتقي بائعي الخضر و الغلال، مع بائعي الثياب القديمة، مع بائعي المنتوجات البلاستيكية و بائعي الفخّار و الأشياء القديمة.. و الدّاخلون للمسجد لأداء فريضة الصلاة يجدون صعوبة من جرّاء المنتصبين أمام المدخل الرئيسي و المدخل الرئيسي الثاني المتواجد أمام الحمّام.. و الأمر لا يقف عند ذلك الحدّ بل يمتدّ ليشمل الانتصاب الفوضوي كامل نهج باب سيدي عبد السلام الذي يبدأ من مستوى نهج عبد العزيز الثعالبي و ينتهي بعد الزاوية على مستوى شارع الهادي السعيدي.. فلا تتفاجؤوا إن قلت لكم بأنّ نهج باب سيدي عبد السلام أصبح عاجزا على احتمال العدد الضخم للمنتصبين، و كان نتيجة ذلك أن اختلط الحابل بالنابل و تعطّلت حركة المتساكنين إن لم نقل استحالت في أوقات الذروة و يومي السبت و الأحد.. في الحلفاوين و باب سيدي عبد السلام، يُعتدى يوميا على الذّوق السليم مع سبق الاصرار و الترصّد.. و يُجبر المتساكنين على سماع و رؤية ألوانا شتّى من الأقوال و الأفعال و لا يقدر أبرزهم على فعل أيّ شيء، و عبثا حاولوا إيصال معاناتهم للمسؤولين بدون جدوى.. و كأنّ المسؤولين متواطئون مع هذا المشهد المزري الذي أرهق السكّان في الحلفاوين و باب سيدي عبد السلام.. موضوع يستحقّ المتابعة مع ضرورة إيجاد الحلول الممكنة و المرضية لجميع الأطراف.. لم يعد لنا مزيد و غدا هناك جديد