بعث لنا السيد عادل التواتي وهو من أقدم متساكني المدينة العتيقة برسالة يشرح فيها الدوافع التي تمنع السلط البلدية من التحرك لتغيير بعض أسامي الأنهج مثل نهج المشنقة أو نهج الكبدة وقد أرفق رسالته بنسخة لبعض ورقات كتاب «تونس العتيقة» لصاحبه المؤرخ آرثير بليقرن ومن أبرز ما جاء في هذا الكتاب أن أسماء أنهج هذه المدينة وقعت تسميتها إما : حسب أسماء ذات أصل نباتي Botanique أو أخرى ذات أصل غذائي وثالثة لها مدلول حرفي وأخرى ذات أصل عرقي ethnique وفلكلوري وفرنسي ويؤكد محتوى هذا الكتاب أنها كلها تسميات منهجية إن صحت العبارة الغاية منها الاخبار والتوجيه والارشاد وتعميما للفائدة ننشر رسالة هذا القارئ الوفي : «شدّ انتباهي مقالكم حول أسماء الأنهج بالمدينة العتيقة الصادر في جريدة «الشروق» (وأنا من قرائها الأوفياء) بتاريخ 2192004 عدد 5137 والذي تذكرون فيه أن أسماء بعض الأنهج بالمدينة العتيقة يجب تغييرها لغرابتها وعدم تماشيها مع العصر الذي نعيشه واسمحوا لي سيدي بأن أبدي رأيي في الموضوع وأقول لكم أولا أن أسماء الانهج بالمدينة العتيقة وان بدت غريبة أو مضحكة أو مستهجنة فإن لها أسبابا موضوعية ودلالات تاريخية ضاربة في القدم منذ القرون الوسطى ان لم يكن قبل ذلك التاريخ لنقل موضوعيا منذ العهد الحفصي حين أصبحت مدينة تونس عاصمة للبلاد حوالي (1059 1060 ميلادية) ومن هذا المنطلق يتبين لنا أن مدينة تونس العتيقة قد دون تاريخها (العربي الحفصي العثماني الحسيني) في أسماء أنهجها وبطاحها وأزقتها وعلى سبيل المثال فنهج المشنقة سببه أنه كانت توجد به معصرة زيت مهجورة اتخذتها السلطات لكي تخبئ بها المشنقة بعد أن تنفذ أحكام الاعدام التي كانت تقام علنا في بطحاء باب سويقة (زمن حمودة باشا الحسيني 1777 1814) ونهج الرابطة حذو باب الجديد سمي كذلك لأنه كانت فيه بناية كبيرة تجمع فيها الدولة الحبوب من الفلاحين وكانت (تدعى رابطة الطعام) ما يوازي عندنا اليوم على سبيل المثال ديوان الحبوب وزنقة حرب في الحلفاوين كانت تقطنها احدى العائلات العريقة كان من بين أفرادها وزيرين أو أكثر للحربية ما يوازي عندنا اليوم وزارة الدفاع وما يقال على هاته الامثلة يقال على بقيه الانهج والأزقة كنهج العرّاك ونهج القصب الحلو ونهج الجبل ونهج عنق الجمل ونهج السيدة الشبعانة ونهج الشعار ونهج القشاشين ونهج العصافر ونهج الجنينة ونهج البرنيطة ونهج بئر الاحجار... الخ من ناحية أخرى فإن أنهج المدينة العتيقة ظلت لعدة قرون تعرف شفاهيا عند المتساكنين لكن في بداية القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر قامت السلطات مع سلطات الحماية بعمل كبير وهو التحري لدى المسنين من سكان المدينة والرجوع الى الكتب القديمة حتى تضع لافتات أسماء الأنهج وكان ذلك بين سنتي 1885 1889 ولا تزال بعض الأنهج والأزقة العتيقة تحمل اللافتات الأصلية التي وقع تصنيعها في فرنسا. **أسماء لا يمكن تغييرها ولهذه الأسباب : فإن أسماء الانهج في المدينة العتيقة لا يمكن تغييرها بحال من الاحوال علاوة على أنها مسجلة لدى منظمة اليونسكو كتراث للإنسانية ان أسماء أنهج مدينة تونس العتيقة كانت موضوع بحث لدى الكثير من المؤرخين البارزين سواء تونسيين أو أجانب وكان أبرزهم Arthur Pellegrin الذي أصدر كتابا في هذا الشأن في الخمسينات وأعيد طبع هذا الكتاب سنة 2000 من طرف منشورات الديوان. وعندما نتحدث عن مدينة تونس العتيقة فاننا نعنيي 92 هكتارا داخل الأسوار أي ما يقع في محيط باب البحر، باب الفلة، باب سيي قاسم، باب سعدون، باب العسل، باب الخضراء أما في ما زاد على ذلك وعرف بالمدينة الاوروبية أو البلاد السوري حسب التعبير الشعبي فانه كله بني بين سنة 1882 الى 1936 حسب التقريب وليس له أهمية تاريخ المدينة العتيقة وبعد الاستقلال وقع تغيير الكثير من اسماء الأنهج على سبيل المثال نهج ابن خلدون كان نهج تيَار على اسم وزير فرنسي في القرن التاسع عشر ونهج جول فيري،شارع الحبيب بورقيبة وشارع ألبار الأول أصبح شارع البشير صفر ونهج فرانسوا أراقو أصبح نهج الادريسي. وفي الختام كلي أمل أن يقع نشر رسالتي تعميما للفائدة وما ذلك بعزيز على جريدتي «الشروق» مع الشكر لاثارة الموضوع البالغ الاهمية كهذا وربما فتح باب للنقاش اذا كان لقراء آخرين آراء أخرى. * متساكن قديم لمدينة تونس