بعد ان استعرض روبيرت فيسك في الحلقات السابقة التي أوردناها ضمن خمس حلقات في الخبير ما أقدم عليه النظام البعثي من حرب... إبادة للشعب السوري يتقدمهم الإخوان المسلمون في مدن حماة وغيرها هاهو يكشف في هذه الحلقة السادسة بداية أزمة النظام مع المسيحيين الموارنة للكتائب: "وكان أي نزاع بين دمشق ومسيحيي لبنان لا بد ان يؤدي الى مضاعفات دولية. صحيح ان الغرب عبر عن قلقه حول موقف الحكومة من الإخوان في حلب وحماة منذ 1980، ولكنه كان يعلم أن أعداء سوريا في الداخل وهم الإخوان المسلمون الذين كانوا يطالبون بثورة إسلامية لم يكونوا أصدقاء لأمريكا او أوروبا اذا استولوا على الحكم. لكن قضية المسيحيين في لبنان كانت مختلفة. منذ صيف عام 1976 كان السوريون يسيطرون على وادي البقاع. وكان مقر "قوات الردع العربية"في المدينة التجارية شتورة. وكان جنودها موجودين على طول الوادي وحول زحلة- حيث رأيت أنا وكودي السوريين والكتائبيين في عام 1976 وهم يتعاونون معا- وفي قاعدة رياق الجوية وفي بعلبك والهرمل. وعندما انسحب السوريون من الجبال المسيحية فوق بيروت جرى تفاهم مع المارونيين يقضي بان لا يستغل الكتائبيون ذرى جبل صنين او هضبة الثلوج التي تومض بين السحب فوق وسط لبنان. وكان السوريون يسيطرون على غالبية سلاسل الجبال، ولكن صنين اعتبر منطقة محايدة. وفي حين ان المارونيين كانوا يرون في وجود السوريين هناك تهديدا للمارونيين في شرق بيروت الذي كان يرى من صنين، فان السوريين كانوا في وجود الكتائب هناك تهديدا لسيطرتهم العسكرية على البقاع الذي كان يمكن رؤيته بوضوح من أعالي ذلك الجبل. وانهار هذا الاتفاق كسائر الاتفاقات في لبنان بسبب المطامع السياسية. فبشير الجميل الذي كان حتى ذلك الحين صديقا علنيا لسوريا قرر انه حان الوقت لحماية مسيحي زحلة كما كان الكتائب يحمون موارنة شرق بيروت. ولم يثن بشير الجميل عن الاستمرار في "بادرته الإنسانية" أن مسيحيي زحلة لم يكونوا يأبهون كثيرا له او للكتائب. فصمم بشير على بناء طريق الى زحلة لمصلحة المسيحيين المحليين الذين –كانوا كما أكد لأنصاره- يخشون السفر عبر المناطق الواقعة تحت سيطرة السوريين. والحقيقة هي انه لم يقل شيئا يذكر عن القصد من بنائها، وهو استخدامها لتزويد الكتائبيين الذين كانوا يعيشون في زحلة بالإمدادات العسكرية. وبوشر في الحال ببنائها، وأخذت تصعد بشكل مخيف على المنحدرات الغربية لجبل صنين. وفي دمشق كان من الطبيعي ان تساور السوريين شكوك عميقة حول هذا الطريق الصخري.اذ كان الكتائبيون لا يزالون يفاخرون بصداقتهم لإسرائيل وبالأسلحة الإسرائيلية التي كانت تصل بانتظام الى ساحل جونية. ومن كان يضمن لو سمح للكتائبيين بإكمال الطريق ولم يتدخل السوريون وتركوها تهبط من سفح صنين الجنوبي الى شرقي زحلة ان أصدقاءهم الإسرائيليين لن يستخدموها هم أيضا؟ والواقع انه كان يمكن ان يؤدي هجوم المدرعات الإسرائيلية المفاجئ من الجبال الى شطر الجيش السوري في البقاع والى تقدمها شمالا الى الحدود السورية قرب حمص وشطر سوريا ذاتها أيضا. وعليه فانه كان لابد من وقف العمل بطريق الجميّل. وكانت زحلة مسرحا للقتال قبل ذلك. وزحلة بلدة جميلة فيها فندق قديم مبني بالحجر ونهر جميل يسير عبر طريقها الرئيسي. واشتهرت بكونها مسقط رأس عمر الشريف.. وفي أواخر عام 1980 أراد بشير الجميّل ان يظهر كزعيم للبنان المسيحي لا لبنان الماروني فقط، فأقدم بلا خجل على تشجيع كتائبي زحلة على مهاجمة السوريين. فتعرضت البلدة للقصف بمدافع الدبابات ووقعت عشرات الإصابات بين المدنيين. واخذ الإسرائيليون يعبرون عن قلقهم من أن السوريين يريدون إبادة مسيحيي لبنان، ولم يصدر عن بشير الجميل ما يناقض زعم الإسرائيليين. ومن ثم تعرض شرق بيروت للقصف بالمدافع، واخذ الكتائبيون يحفرون الخنادق في أعالي صنين ويقصفون منها اقرب المراكز السورية . وصوّر الكتائبيون معركة عالي صنين للعالم وخصوصا لإسرائيل على أنها كفاح له أهمية سياسية ودينية كبيرة، فزعموا ان المسحيين يحاربون من أوكارهم الجبلية مرة أخرى جحافل الإسلام التي تشن حرب إبادة على الأقلية اللبنانية الشجاعة. وتوقع الكتائبيون ان يستثير الكفاح المزعوم همم الإسرائيليين والأمريكيين، والكنائس الغربية والمؤسسات الدينية المسيحية ومحرري الصحف. والواقع أنها كانت قضية حقيرة. فحتى كتل الثلج على سفوح صنين كانت تبدو ملوثة بحزام اسود لامع من الأوساخ يمتد عبر الطريق العسكرية الضيقة التي كان الكتائبيون لا يزالون يعملون بعناد على شقها في الثلوج. قراءة وتعليق: منذر شريط