تنبهوا واستيقظوا أيها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب... الله أكبر ما هذا المنام فقد شكاكم المهد واشتاقتكم الترب لا تبتغوا بالمنى فوزا لأنفسكم لا يصدق الفوز ما لم يصدق الطلب عندنا مسلمات أوحت إلينا أن الباطل قوي وأن الحق ضعيف ، وأننا إذا آعطينا للحق والباطل فرصا متكافئة سينتصر الباطل ، ولهذا عندنا خوف شديد من الباطل وخوف شديد على الحق ... فالذين يؤمنون أن الحق لا يحمى إلا بالقوة والبطش والمحاسبة لم يدخلوا أبدا إلى قوانين الحق ، ولم يعرفوا القوانين التي تتحكم في عالم الأفكار، فالوهم السائد أن الحق بدون قوة الجسد والمادة لا قدرة له على الظهور والبقاء ، وهذا تصور خاطئ وقاتل ومفسد وجهل أو هو تجاهل لقوة الحق ...لهذا تكلم الله سبحانه وتعالى عن الحق والباطل وضرب المثل في ذلك بماء المطر والسيل الذي يحمل الزبد ، و المعادن التي يظهر عليها الزبد إذا أذيبت ، فعبارة القرآن ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ..) هذا مثل ويعطينا آخر في نهاية الآية ( ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليه أو متاع زبد مثله ...) ثم يقول تعالى ( كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ..) سورة الرعد وهناك أمثال عديدة على انتصار الحق ولو طال الزمن وأنه هو الباقي في الأرض لأن الأرض ملك للمولى والله هو الحق سبحانه وتعالى . إن ما دفعني إلى الكتابة تعليقا على نتائج الانتخابات وفوز حركة النهضة بها جعلني أتأكد من شيء خطير وخاطئ للغاية هو أننا شعب لا نعرف كيف ننظف أنفسنا من الأدران الفكرية فحنيننا دائم إلى القوة والديكتاتورية الناعمة كالتي عشناها لخمسين عاما حتى انخدعنا بها وفككنا طلامسها بعد 23 أكتوبر ...لقد كنا نعتقد أننا الرعية الأمثل وأن أولي الأمر منّا على حق وعليه نسارع بشيطنة الطرف الآخر و هم أخوان لنا لسبب وبدونه . والآن ها قد ظهر الحق الذي تعامينا عليه وتحاشينا مناصرته حتى بكلمة طيبة، ووظفناه بل وظفوه لأنفسهم لخدمتهم ، وكنا بيدقا في أيديهم برضانا التام ، بل وكنا الوقود الذي احترق به حق غيرنا ، هذا الحق الذي جاب البحار السبعة كالسندباد ليعود ويحط ترحاله بيننا ونور الله على جبينه ، هذا الحق الذي عاد لينصف المهمشين والمعذبين في هذه الدنيا نتيجة غمامة كانت على أعينهم وضعوها بأنفسهم ، أو ساهم غيرهم في وضعها ، ترفع اليوم عن أعينهم وتسرح حناجرهم وتضيء أعينهم ليقولوا لا للباطل ونعم للحق الذي توارى كثيرا والذي قمع كثيرا والذي عذب كثيرا والذي شيطنوه كثيرا وصنعوا منه فزاعة لخدمة أجنداتهم وأجندات أسيادهم . لنترك هؤلاء السادة يعملوا ، لنترك هؤلاء القوم يبنوا ، لنترك جماعة النهضة يساعدوا تونس على الثبات في هذا العالم الكئيب ، لنترك الشيخ يؤطر ويوجه ولن نخشى على تونس من أطروحاته ومن برامج حزبه فهو قادم للبناء لا للهدم ، قادم للمساعدة لا للحساب ، قادم للاضافة لا للوقوف والتراجع ، نعلم جيدا علاقاته ومكانته الدولية ليضيف لتونس الحبيبة أكثر مما عرفته في العقدين الماضيين ، من إنارة الأرياف ومد الطرقات وبناء الجسور التي ما زالت أشغالها متواصلة إلى اليوم ، وبناء عديد الجامعات في الولايات الداخلية للجمهورية وبناء عديد المساجد وتوقف رخص الحانات ، ولكن النهضة اليوم مطالبة بتجاوز تلك الانجازات بما هو أهم وهو الذي تناساه غيرها ، إنه المواطن .. إنه الانسان في إنسانيته وحريته وذاته وفكره وشخصه ، فهل سنرى التونسي مختلفا قلبا وقالبا ومقبلا على الحياة ؟ أم سنرى تراجعا حادا على الجميع المستويات ؟ ولكنني أعرف أن الفرق بين علي بابا والأربعين لصا وسندباد البحار السبعة كبيرا جدا . إني متأكد من همة الذين نالوا ثقة الشعب في رد الجميل صاعين أو أكثر ليكون فوزهم صادقا ومؤثرا ومضيفا ...فلا يصدق الفوز ما لم يصدق الطلب ، وستصل سفينتنا إلى وجهتها بعد أن توقفت في عرض المحيط وكادت تصلها أمواجه العاتية ، ستتجاوز تونس تلك العقبة عاقدة العزم على عدم العودة من ذاك الطريق الذي كادت نهايته أن تهلك الجميع ...ستتغير عديد الأشياء في تونس ، ولكن ذاك التغيير لن يأتي طبعا بالإكراه ، فالإكراه لا دور له ولا سلطان على القلوب ، لأن روح الله في الانسان تأبى الاكراه ، ونحن إذا قبلنا دخول أدوات الجسد مع أدوات الفكر أدخلنا الشرك الذي يحبط جميع الأعمال . ( ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ( الزمر 65). في نهاية هذا المقال أتمنى التوفيق للجميع ، أتمنى التوفيق لحكومتنا القادمة ، ناصحا إياها وأنا العبد الفقير بوضع مصلحة البلد فوق كل اعتبار ، بوضع كل اختلاف في الرؤى جانبا ، والتوجه نحو مستقبل يتسع للجميع ، وأرجو من الله ألا أرى الحكومة الملونة القادمة لقيادة تونس تعيش حالا كما وصفه المعرّي ذات مرّة: أجاز الشافعي فعال شيء وقال أبو حنيفة لا يجوز فضل الشيب والشبان منا ولا اهتدت الفتاة والعجوز