يؤكد خبراء ومحللون أن قيادة الخارج لحركة "حماس" في مأزق كبير ومرحلي ، فالوضع المضطرب في سوريا بسبب الثورة واحتمال تطوره... إلى حرب أهلية يفرض على قادة "حماس" الانتقال إلى مكان أخر غير دمشق، ولكن إيجاد مكان بديل ليس سهلا، فكل خيار أخر له سلبياته، ويفرض على الحركة التزامات وقيود معينة. كما أن عملية الانتقال ستؤثر حتما على وضع "حماس" الداخل، سواء لجهة الحركة أو الخيارات السياسية أو التمويل. والواقع، كما يقول مراقبون عرب وغربيون، إن موقف روسيا والصين الداعم لنظام بشار الأسد في مجلس الأمن الدولي، سيطيل عمر هذا النظام، ولكنه في الوقت نفسه سيدفع بالمعارضة إلى حمل السلاح والدخول في حرب فدائية قد تتطور إلى حرب داخلية. وحتى الآن، فان الثورة السلمية السورية لم تتحول إلى ثورة مسلحة إلا بشكل محدود جدا، وعلى يد الجنود المنشقين عن الجيش السوري وبعض رجال العشائر المسلحين. وهذا الانشقاق بدا يتسع بحيث سمح بخوض معارك قوية كما حدث في الرستن وحمص. ويتوقع المراقبون أن يتنامى اتجاه حمل السلاح، لان تكتيك المعارضة القديمة بالالتزام بالأساليب السلمية قد استنفد طاقاته تماما، وصار الشباب يميلون إلى الخيار المسلح. وهناك حديث الآن عن احتمال قيام منطقة حدودية أمنة ينطلق منها العمل المسلح ضد قوات النظام رغم ان تشكيل المجلس الانتقالي السوري وبقيادة برهان غليون بالذات قد يقلب عديد المعادلات ، اضافة الى قرار الجامعة العربية امس والذي يغير الكثير بغض النظر على مواقف مختلف الاطراف منه . · أجهزة المخابرات والأمن السورية توصي بطرد قيادات حماس: وتؤكد مصادر مطلعة إن الأجهزة الأمنية السورية رفعت تقريرا منذ اسابيع ، تحدثت عنه صحف ومجلات عربية ، إلى بشار الأسد، تناولت فيه موقف حركة "حماس" من الاحتجاجات الشعبية، حيث أوصى التقرير بإنهاء وجود الحركة وطردها من سوريا عبر إغلاق مكاتب الحركة، والطلب من كوادرها وقياداتها مغادرة الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن. وعبرت الأجهزة الأمنية السورية من خلال التقرير ( الذي نشرت مفاصله مجلة الوطن العربي في عددها الاخير ) عن استيائها من موقف "حماس" تجاه الاحتجاجات المندلعة من شهور، ووصفت موقفها ب "المتخاذل"، واعتبرته غير منسجم مع ما قدمه النظام السوري من دعم لحركة حماس وفقا لما تراه هذه الأجهزة الامنية الخاصة . وبحسب تقرير مجلة "الوطن العربي" و مصادر صحفية مطلعة على الوضع السوري ، فقد تناول التقرير الموضوع حاليا على طاولة الرئيس السوري ، للمصادقة عليه بعد الاطلاع على تفاصيله وحيثياته، موقف حماس على النحو التالي ( نقلا عن مجلة الوطن العربي ) : 1. ترددت حماس في إصدار أي موقف خلال الأسابيع الأولى، وبعد طلب مباشر أصدرت بيانا أثار التباسا في فهمه، حيث تضمن تأييدا ضمنيا لحركة الاحتجاجات. 2. امتنعت حماس عن إصدار أي موقف آخر مكتوب أو شفوي، سوى "البيان اليتيم"، بعدما طلبت السلطات السورية عبر رسائل مباشرة وغير مباشرة من قيادة الحركة موقفا آخر يوضح موقفها بوجه أدق. 3. ما يرشح من تقارير من مصادر مختلفة، حيث تؤيد قيادات حماس في مجالسها ولقاءاتها الداخلية الاحتجاجات الشعبية، وتبدي تضامنا مطلقا معها. 4. شاركت قيادة حماس بممثلين عنها في لقاءات قيادية مع الحركات الإسلامية لمناقشة الثورات العربية وكيفية دعمها والتأثير فيها. 5. أبدى عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية المؤيدة لحركة حماس مواقف مناهضة للنظام السوري وداعمة للاحتجاجات، ومن ابرزهم: عزام التميمي، ياسر الزعاترة، ياسر أبو هلالة، إبراهيم حمامي، مصطفى الصواف، مع إن قيادة "حماس" بررت مواقف تلك الشخصيات على أنها مواقف شخصية، وان الحركة غير مسؤولة عنها. 6. لوحظ أن المسيرات التي نظمتها الجماعة الإسلامية في لبنان "التنظيم الرسمي للإخوان المسلمين" ضد النظام في سورية وتأييدا للاحتجاجات، قد شارك فيها رموز وكوادر محسوبة على حركة حماس، كما أن الخطباء المحسوبين على الحركة في المخيمات الفلسطينية هاجموا النظام بقوة. وفي ضوء كل ذلك تقدم ذكرها وفقا للمصدر ، فقد أوصت الأجهزة الأمنية بإنهاء وجود حركة حماس على الأراضي السورية عبر الإجراءات التالية: إغلاق جميع مكاتب حركة حماس الرسمية وغير الرسمية، و الطلب من جميع قيادات وكوادر الحركة مغادرة الأراضي السورية في أسرع وقت ممكن، واتخاذ جميع الإجراءات المتعلقة بصورة سرية تامة، دون الإعلان عن ذلك إعلاميا. · أي مأزق لقيادة حماس بين الثورة السورية ونظام بشار الاسد : المتتبع لمواقف حماس مما يحدث في سوريا يلاحظ بجلاء إنها في مأزق حقيقي، فجذور"حماس" هي نفس جذور التيار الرئيسي في الثورة الشعبية السورية "الإخوان المسلمين"، وفي بداية الثورة، قال قياديون في الحركة إن موقفهم هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ولكن آخرين قالوا إنهم لو خيروا بين البقاء في سوريا وبين أن يجاملوا النظام السوري الذي يطالبهم بإصدار بيانات تنتقد هذه الثورة الشعبية فسيفضلون الانتقال لان المبادئ لا تتجزأ، ولا يمكن لحماس إن تزايد - مثل حزب الله- على موقف ثوار سوريا أو تتهمهم بأنهم إرهابيون ولهم أجندات أجنبية. وهكذا باتت حماس أمام خيارين لا ثالث لهما ، فهي تجد نفسها في مأزق أخلاقي كبير أمام الانتفاضة السورية، وتبحث عن قارب النجاة، وفي الوقت نفسه تجد نفسها في مأزق أمام ضغوط رسمية سورية لتقديم دعم لنظام الأسد وانتقاد الثورة السورية، كمقابل لاستضافة النظام لها، من الصعب أن تفعله وتخالف مبادئها. وعقب سلسلة من الضغوط السورية عليها لإصدار بيان تحدد فيه موقفها مما يجري، أصدرت الحركة بيانا حاولت فيه إمساك العصا من المنتصف كما يقولون حيث جاء في نص البيان: « إننا نعتبر ما جرى في الشأن الداخلي يخص الإخوة في سورية، إلا أننا في حركة حماس، وانطلاقا من مبادئنا التي تحترم إرادة الشعوب العربية والإسلامية وتطلعاتها، فإننا نأمل بتجاوز الظرف الراهن بما يحقق تطلعات وأماني الشعب السوري، وبما يحفظ استقرار سورية وتماسكها الداخلي ويعزز دورها في صف المواجهة والممانعة» ( نقلا عن الوطن العربي ) . وهو بيان اغضب السلطات السورية لأنه لم يؤيد صراحة نظام بشار الأسد أو يعلن مساندة حماس له حيث ابتعدت ونأت الحركة بنفسها عن هذا الصراع الداخلي بين الشعب والسلطة، ولكنها أبدت تعاطفا ضمنيا مع الثورة بإعلان احترامها لإرادة الشعب، وركزت أكثر على تجاوز الظرف الحالي في سوريا . و تعامل كل من النظام السوري و"حماس" مع الأخر بصورة غير مباشرة لإظهار موقفه فحركة حماس التي تواجه ضغوطا شعبية متزايدة إزاء إحجامها عن تأييد مطالب الشعب السوري في الحرية نظرا للعلاقات التاريخية الوثيقة التي تربط الشعبين، دفعت بالحكومة في غزة للتعبير عن دعمها للثورة السورية، فيما دفعت سوريا حزب الله للرد على موقف حماس عبر نقد الحركة في قناة «المنار»التابعة للحزب. كما سعت أطراف سورية في النظام المرتبك المواقف والسياسات لإحراج "حماس" عندما نسبت تصريحات كاذبة لخالد مشعل ينتقد فيها تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي المساندة لحق الشعب السوري في الثورة، ويمتدح فيها – أي مشعل - النظام السوري، ولكن حماس نفت صدور هذه التصريحات عن مشعل. · لكن إلى أين تنقل "حماس" مكاتبها ؟ و لكن السؤال المطروح لماذا لا تبادر حماس من تلقاء نفسها بنقل مكاتبها وقياداتها من دمشق كي تتمتع بحرية اتخاذ مواقف معارضة لما يفعله النظام السوري ضد شعبه، وأخرى تتساءل أيضا عن سبب صبر النظام السوري على حماس، رغم رفضها الوقوف في صفه و خندقه ضد الشعب السوري واصرارها في الوقوف على الحياد. والثابت أن كل طرف لديه أسبابه" فحماس ليس من السهل أن تجد مقرا لمكتبها السياسي الحالي خارج سوريا ، ومن الصعب أن تنتقل إلى مصر لأسباب عديدة: منها توقيع مصر اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني، وحرج استضافة مصر حركة فلسطينية مسلحة على أراضيها، فالفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية كامب ديفيد انه:«يتعهد كل طرف بان يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر،كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجه ضد الطرف الآخر في أي مكان، كما يتعهد بان يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة». وقد طرح آخرون على حماس قطر لتنتقل القيادة والمكاتب اليها . ولكن الدوحة بالنسبة ل"حماس" ليست سوى مقر لزيارة مسؤولين، فهي ليست آمنة بالنسبة إليهم، نظرا لوجود قاعدة أمريكية ضخمة فيها، كما أن قادة حماس واعون ان حكام الدوحة لا يستطيعون تحمل العبء السياسي لاستضافة "حماس" بسبب التزاماتها السياسية و علاقاتها المتشعبة في كل اتجاه. أما الانتقال إلى الأردن فيثير مشكلة ل"حماس"، فالأردن مرتبطة بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وحسب المراقبين، فان قوة الإخوان المسلمين الأردنيين، قد تشجع الحركة على اتخاذ قرار الانتقال، غير أن إخوان الأردن يعانون من مشكلة هوية، بين من هو فلسطيني ومن هو أردني، والصراع هذا يأخذ شكلين، الأول هو صراع أجنحة بين من يطلق عليهم صقور و بين من يطلق عليهم حمائم داخل الحركة، والشكل الثاني من الصراع هو بين الهوية الأردنية للحركة و بين الهوية الفلسطينية، وفي الانتخابات الأخيرة للحركة بدا هذا الصراع واضحا، فجزء من قيادات الإخوان في المناطق الفلسطينية في الأردن، وارتباطها بحركة "حماس" داخل فلسطين هو اكبر من ارتباطها بالدولة الأردنية، وهي من تدعمها بالمال المباشر عن طريق مؤسساتها الخاصة التجارية والصحية و الاجتماعية، والجزء الأخر مناطق الشرق في الأردن، وهذا كان له حساسيات في الانتخابات الأخيرة داخل الإخوان وداخل جناحهم السياسي والذي يعرف ب"حزب جبهة العمل الإسلامية"، وتراكمت هذه الأمور خاصة بعد قرار قيادات اخوانية المشاركة في مؤتمرات لدعم النظام السوري في دمشق بدعم الجناح السوري من "حماس" رغم معارضة الحكومة الأردنية لهذه المشاركة وكذلك معارضة حركة الإخوان السورية الموجودة في المنافي لهذه المشاركة و هذا يقود إلى أن هناك داخل الحركة الاخوانية في الأردن جملة من التجاذبات يقول خصومها انه بين الولاء الوطني للبلد و بين الولاء للمشروع الاخواني ككل . و يقول المتابعون والمراقبون أيضا أن قيادة الخارج في "حماس" بحثت أيضا احتمال الانتقال إلى طهران. ولكن هذا الانتقال وفقا لمحللين ، يخدم أهداف إيران أكثر مما يخدم"حماس" فإيران التي تخشى فقدان الورقة السورية، لا تمانع في استضافة "حماس" لأنها بذلك تحافظ على ورقة وجودها في الشرق الأوسط، وبالتالي نفوذها الإقليمي في المنطقة، ولكن مثل هذا الانتقال سيكون بالشروط الإيرانية التي يصعب على "حماس" الالتزام بها، فطهران تريد من "حماس" أن تعلن صراحة دعمها للنظام السوري، وهذا ما لا يستطيع قادة "حماس" الالتزام به، لأنه يفقد الحركة شعبيتها، وتأييدها في الأوساط العربية: ثم إن "حماس" مرتبطة إيديولوجيا بحركة الإخوان المسلمين وهم طرف أساسي في الثورة السورية، رغم أن خالد مشعل حاول أن يتوسط بين الإخوان و إيران، إلا انه فشل في مهمته. و حسب رأي الخبراء، فان الخيارات تكاد تكون معدومة أمام "حماس" للانتقال من دمشق، وهذا سيؤدي بالتالي إلى تعزيز نفوذ قيادة الداخل في "حماس" و تتحول غزة إلى مصدر قرار حقيقي في الحركة، ولكنها ستضطر إلى أن تكون أكثر براغماتية في التعامل مع الواقع الفلسطيني، وسيكون عليها أن تنسجم أكثر مع خط رام الله، خاصة إذا ما فشلت جهود «أبو مازن» لاستصدار قرار دولي يعترف بالدولة الفلسطينية. خلاصة تقييمية : اثبت التاريخ ان المعارضة في الخارج من خلال كل التجارب لابد لها من تقديم تنازلات وان فعلها وهامش تحركاتها سيكون ضعيفا وان المستضيف لاي حركة معارضة لطرف آخر يسعى لتوظيفه ضمن معادلات معينة وبالتالي فان قيادة حماس في ظرف تاريخي دقيق ومعادلة صعبة الحلول وانها في وضعية تاريخية دقيقة فكل الحلول ملغمة ومفخخة وتربك موازنات المقاومة الفلسطينية وربما يكون الحل ان تنتقل قيادة حماس الى احد دول الثورات العربية الجديدة وذاك موضوع آخر وثان .