المراسل-محمد بوعود-بعيدا عن كل ما دار في جلسات المؤتمر وبالخصوص في كواليسه، فان النتائج التي أفرزها تبدو عصية على الفهم نوعا ما، وتدفع إلى التساؤل عن إمكانية وجود صفقة أو طبخة تمت خارج قاعة المؤتمر، وحكمت على نتائجه ان تكون بهذا الشكل الذي صارت إليه. فنتائج التصويت، وما سبقها من مناظرات، وانسحاب غير متوقع لعماد الدايمي، وكذلك تضحية جسيمة من محمد عبو الذي خاطر بان يكون مرشّح الأمانة العامة فقط، دون المرور بالمجلس الوطني والمكتب السياسي، رغم ما في ذلك من مخاطرة المغادرة من الباب الخلفي لو قُدّر له السقوط، وما يعني أيضا انه قد يكون دخل بضمانات أيضا، وإلا ما كان ليفعلها، وهو الذي خسر منصب الوزارة من أجل غايات يعلم الجميع أنها حزبية. طاقم الرئاسة مباشرة رغم أن مستشاري الرئيس المؤقت منصف المرزوقي، لم يكونوا أعضاء في حزب المؤتمر، وفيهم من انخرط فيه يوم الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، الا أن دورهم كان كبيرا في تسيير اشغاله ورسم توجهاته العامة، وكانت بصماتهم جلية في لوائحه وبيانه الختامي. فالسادة عدنان منصر ووليد حدوق وعبد العزيز كريشان وطارق الكحلاوي، والذين ترشحوا ايضا للمكتب السياسي ونالوا المراتب الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، ليسوا غرباء على الحزب فقط، بل هم محسوبون على الرئيس المرزوقي بلا شكّ، وهم ثقاته ومقيمون معه، ما يعني أن خيوط لعبة المؤتمر لازالت في قصر قرطاج، مهما ادعى المؤتمريون أن الرئيس استقال، ولم يعد له أي دور في الحزب. فصعود هذا الرباعي «القرطاجي» والذي سقط منه سمير بن عمر، احد مؤسسي الحزب، وأكثرهم التصاقا بالنشاط اليومي له، إلا ان ذلك لا يعني إلا أن ساكن قرطاج لازال يحتفظ بوزن كبير داخل الحزب، وأنه حتى وهو بعيد فهو قادر على التأثير، وان من يترشّح باسمه فكأنما يحمل سحر النجاح في الانتخابات. كما أن صعودهم أيضا يدل على طبيعة المعركة التي يخطّط المرزوقي لخوضها قريبا، والتي ستكون معتمدة بالاساس على تركيبة حزبية قوية ومتجانسة، تسمح له بالمناورة وهو متأكد أن ظهره محمي بحزامه الحزبي. المرزوقي وخط الرجعة المرزوقي يعلم جيدا انه لم يعد الرهان المفضّل لدى حليفه القوي راشد الغنوشي، وان صورته اهتزّت كثيرا لدى الراي العام النهضاوي الذي صوّت له، وأن خليفته مصطفى بن جعفر ربما بدأ يجهّز نفسه للانتقال من باردو الى الضاحية الشمالية، كما انه يعرف أن حكومة السيد الجبالي لم تعد تحسب له حسابا منذ فترة وأنها تتصرف في كثير من المسائل التي لا يسمع هو بها إلا من وسائل الإعلام. لكنه بالمقابل يعلم جيدا بأن حزبه مُخترق، وأن العناصر الموالية للنهضة والحكومة في المؤتمر تفوق كثيرا العناصر المحسوبة على حزب ليبرالي أو يساري، وكان لا خيار له إلا مسك قيادة الحزب بهذا الرباعي الحديدي القادر على توجيه بوصلة الحزب متى طلب المرزوقي ذلك. والسيطرة على المكتب السياسي، يعني أيضا القدرة على التحرك وأخذ المواقف الملائمة في الفترات القادمة، خاصة أيام الانتخابات، والتي يرى كثيرون أن الحزب سيفقد فيها دعم الموالين النهضاويين الذين صوّت كثير منهم للمؤتمر طبقا لتعليمات القيادة ورغبة في التحالف مع هؤلاء الحقوقيين الذين دافعوا عنهم كثيرا أيام المحن والسجون. وقد ضغط هؤلاء المستشارون واستطاعوا أن يجبروا القاعة على تبني مشروع قرار يضع المرزوقي في منصب رئيس شرفي للحزب، قد يتحول في أي لحظة إلى رئيس فعلي وليس شرفيا. محمد عبو والرئاسة الأمين العام محمد عبو، المستقيل حديثا من وزارة الإصلاح الإداري، والذي راهن بكل مستقبله السياسي على منصب الأمانة العامة، لم يتراجع يوما عن الإعلان في كل مناسبة وبغير مناسبة، أن الدكتور المنصف المرزوقي هو مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة، لكنه يوم اختتام مؤتمر حزبه، الذي توّجه أمينا عاما، تراجع ضاحكا أمام عدسة الكاميرات، ليضيف «إلا إذا اقتضت مصلحة الحزب غير ذلك»، وهي إشارة لا تُفهم إلا في سياقها، حيث رأى كثيرون أن معناها الوحيد هو التراجع عن هذا الالتزام، والاكتفاء بإعطاء الشرعية الحزبية للمرزوقي، مقابل تنازله أو ربما عدم ترشيحه للرئاسيات، التي قد يكون عبو يستعد لها، خاصة وان كثيرا من المحللين قالوا انه استقال أصلا من الوزارة من اجلها. في كل الحالات تبقى الأيام القادمة وحدها كفيلة بكشف ما إذا كان ما جرى هو مجرّد غطاء لصفقة عُقدت بين المرزوقي وعبّو، يتقاسم فيها الرجلان المواقع في مارس القادم، أم هي بالفعل إرهاصات لميلاد حزب جديد وطريف في آن واحد، يجمع بين السلطة والمعارضة، والإسلام والعلمانية، ويدافع كثير من قواعده عن النهضة أكثر من حزبه، ولا يُتوقّع من أحداثه القادمة إلا مزيد من المواقف التي تربك الصديق قبل العدوّ. مقال صدر في جريدة الصحافة