اتفقت الأحزاب المغربية على مطالبة الملك محمد السادس بإجراء إصلاحات دستورية قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل. وبينما اتفقت الأحزاب على ضرورة أن تشمل التعديلات الحد من صلاحيات الملك، فقد اختلفت حول حدود تلك التعديلات. وقال محمد اليازغي، رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشارك بالائتلاف الحاكم: "لا يمكن أن نعيش في انتقال ديمقراطي إلى ما لا نهاية"، ملمحا إلى ضرورة التعجيل بإجراء تعديلات دستورية وإصلاحات سياسية. وذهب عبد الرحمن بن عمرو، القيادي بحزب الطليعة، والرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى أبعد منذ دالك مطالباً "بمراجعة شاملة للدستور من خلال تشكيل هيئة وطنية منتخبة تقوم بإعداد مشروع دستور ديمقراطي قبل طرحه لاستفتاء شعبي". في حين حث عبد الحميد العوني، المنسق العام لحركة "المطالبة بدستور ديمقراطي"، على ضرورة الإسراع بإجراء التعديلات الدستورية. وفي تقييم عام للسجال الدائر في المغرب حول الإصلاحات الدستورية أوضح محمد ضريف أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق المحمدية بالمغرب في تصريحات خاصة ل"" الخميس 15 -6- 2006 أن دعوات تعديل الدستور تتلخص في موقفين: الأول، وهو الغالب لدى أكثر القوى السياسية، يطالب بإجراء تعديلات دستورية شاملة، أما الآخر فيرى أن المطلوب ليس تعديل الدستور بل تفعيل بنود الدستور الحالي. وفيما يتعلق بالاتجاه الأول، يدور الخلاف بين الأحزاب حول طبيعة ومدى الإصلاحات الدستورية المطلوبة. وأوضح د. ضريف أن "هناك قوى سياسية تطالب بإجراء إصلاحات دستورية جوهرية، بل تغيير بنية الدستور الحالي لجعله ديمقراطيا، وليس فقط الاكتفاء بإجراء تعديلات طفيفة". وأضاف أن هناك أحزابا أخرى تطالب بإجراء تعديلات دستورية تحول النظام السياسي من الملكية إلى الملكية البرلمانية، مثل النظام القائم في بريطانيا وأسبانيا، وعلى رأس المطالبين بذلك قوى اليسار الجديد وبعض التيارات الإسلامية. ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى وجود تيار ثالث يطالب بإجراء تعديلات دستورية تقتسم فيها السلطة بين الملك ورئيس الوزراء أشبه بالنظام السياسي المعمول به في بريطانيا حاليا. وحول طبيعة تقاسم الصلاحيات بين الملك ورئيس الوزراء يرى بعض أنصار هذا التيار أن يسود الملك، ولا يحكم في كل القضايا المرتبطة بالشأن العام بما في ذلك قضايا الأمن والدفاع، واقترحوا تأسيس مجلس دستوري يتولى شئون الأمن والدفاع. بينما دعا آخرون إلى إحداث توازن مقبول بين سلطات الحكومة واختصاصات الملك وصلاحيات باقي المؤسسات الدستورية. وطالبوا بضرورة احتفاظ الملك بالاختصاصات المرتبطة بالقضايا الكبرى كالدين والعلاقات الخارجية والأمن والدفاع. الفصل 19 من جانبه دعا مصطفى البراهمة، القيادي بتيار النهج الديمقراطي اليساري، إلى حذف الفصل ال 19 من الدستور؛ "لأنه يتناقض مع الحداثة والديمقراطية" بنصه على أن "الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة". وقال البراهمة: "يجب أن يوضع حد للحكم الفردي، وجعل الحكومة هي التي تحكم لا أن تتكلف بتنفيذ القوانين، وأن تكون مسئولة أمام البرلمان فقط، وحذف هذا الفصل من الدستور". المناصب الكبرى وتطالب الأحزاب المغربية بأن يشمل التعديل الدستوري الحد من صلاحيات الملك في تعيينات المناصب الكبرى. ويدعو حزب الاستقلال ذو التوجه القومي والمشارك في الحكومة، إلى وضع أطر قانونية لتعيين الشخصيات في المناصب الكبرى مثلما يحدث في فرنسا التي تعرض لائحة المناصب الشاغرة، ويتم التداول في شأنها في اجتماعات مجلس الوزراء. أما مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري الإسلامي، فيرى ضرورة احتفاظ الملك بصلاحية التعيين في بعض المناصب الحساسة، مثل المناصب التي لها علاقة بالأجهزة الأمنية والجيش. وأوضح أنه يمكن إحالة التعيين في مناصب أخرى كالكتاب العامين للوزارات ومديري المؤسسات إلى الحكومة، باعتبارها ستكون مسئولة ومحاسبة على أداء من سيتولون هذه المناصب. ويتفق عبد العالي حامي الدين، عضو المجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، مع هذا الرأي. وقال حامي الدين إنه: "من المفروض أن يكون للحكومة دور مهم في التعيين في المناصب الحساسة المدنية، أو على الأقل في أحقيتها باقتراح الأسماء والأشخاص المؤهلين للإشراف على تدبير الشأن العام في قطاعات مختلفة". وكان المغرب قد أقر أول دستور في عام 1962، وأجريت عليه 4 تعديلات دستورية في أعوام 1970 و1972 و1992 و1996. غير أن عددا من المراقبين السياسيين في المغرب يعتبرونها تعديلات شكلية لا تمس جوهر الاختلال الدستوري الراجح لصالح المؤسسة الملكية.