من أجل ثقافة وطنية ممانعة بسم الله الرحمان الرحيم السيد الوزير الأول السادة الوزراء السادة الحضور تعتبر الثقافة موردا استراتيجيا لا ينضب به قوام الشعوب والأمم وحصانتها ضد عوامل الاستلاب والتغريب والتبعية وعليه تبنى الدول وتنشأ الأجيال وتنفتح زهور الشباب وتنمو وتطور وتزدهر. ولقد كان إيمان دولتنا الوطنية بهذه الثروة مبكرا لذلك أغدقت عليه الأموال وبنت لها الصروح الثقافية وخصصت لها الإطار المختص والمبادر الخلاق فضجت تونس منذ الاستقلال وحتى عهد الاستعمار بمثقفين منارات شعوا على الوطن والمحيط المغاربي والعربي والإسلامي وكانوا قدوة وقيادة. وتطور القطاع الثقافي بتونس ماليا حيث بلغت الميزانية 1% سنة 2004 من مجمل ميزانية الدولة وهي ترتفع باستمرار لتبلغ 1.25% سنة 2009. لذلك شاهدنا ارتفاع عدد دور الثقافة من 176 سنة 1986 لتبلغ 208 سنة 2008. وتميزت العشرية الأخيرة ببناء معلمين ثقافيين متميزين عربيا وإفريقيا وهما المكتبة الوطنية (2005) ومدينة الثقافة التي ستكتمل سنة (2009) اللذان وفرا لتونس والمواطن التونسي أساسا والعربي والأجنبي موردا لا يضاهى من الكتب والوثائق والمعطيات المخزّنة والمحيّنة عن طريق شبكة الإنترنيت وبذلك تكون تونس قد قطعت مع التخلف وتقدمت أشواطا لا بأس بها في إحراز التقدم العلمي والثقافي وكسب معركة المعلومة في عصر انفجار المعلوماتية... أيها السادة، لم يكن تطور قطاع الثقافة في تونس الاستقلال وعلى مدى خمسين سنة أو تزيد معزولا عن تطور بقية القطاعات والمجالات التنموية والعلمية وإنما كان جزءا أصيلا ضمن خطط وطنية كان همها الرقي بالإنسان ورفاهه لذلك تطورت التشريعات الثقافية والإصلاحات الهيكلية وأنجزت المشاريع الكبرى وأحيط المبدعون بعناية فائقة قطعت مع شعار "ما يسعد فنان الغلبة كان تحت اللحود" فأصبح المثقف يكرم حيا ويبجل ويرتقي المناصب اللائقة به ويضطلع بدور وطني في مختلف مناحي الحياة ولقد عزز من مقام المثقف ومنزلة الثقافة فسح السابع من نوفمبر الباب للرأي المخالف تحت الشمس وفوق الأرض في إطار التعددية الحزبية والسياسية وضمن تحول ديمقراطي ثابت ما فتئ يراكم المكتسبات الديمقراطية يوما بعد يوم. إلا أنه وبالرغم من كل ما ذكر وما لم يذكر اختصارا وإيجازا فإن قطاع الثقافة والحق يقال مازال يعاني من عديد النقائص التي لا يشرف تونس حكما ومعارضة دولة ومجتمعا مدنيا أن يتواصل فتظل أعشابا طفيلية تخنق الشجر وتعطل نموه وإزهاره وإثماره. ولعل أكبر نقيصة لتلك التي تتمثل في غياب خطة وطنية مشتركة بين السلطة والمعارضة والمجتمع المدني تساهم في تشريك الشباب في وضع أفضل السبل لإقبال الشباب على دور الثقافة التي ظل الإقبال عليها محدودا. إذ لا يكفي بناء الفضاءات لكي يقبل الرواد وإنما بالانفتاح على آراء الشباب وتشريكهم وتشريك مختلف الأطراف السياسية والمدنية من شأنه أن يحقق مثل هذا الهدف. لذلك نحن في الاتحاد الديمقراطي الوحدوي رحبنا بالحوار القائم اليوم مع الشباب إذ أنه أهم مدخل لتشريكهم وملء فضاءات الشباب. أما النقيضة الثانية فتتمثل في غياب وضوح لدى الشباب فيما يتعلق بهويته الحضارية وتهميش الهوية الوطنية والقومية لذلك نرى قطاعا هاما من الشباب فريسة إمّا لصرعات الفرْنسة والأمْركة وعبدة الشيطان والاستلاب الثقافي والحضاري وإما نهبة للحركات الإرهابية والمتطرفة. وإن الحل المناسب لمثل هذه الآفات المتربصة بشبابنا وأجيالنا إنما هو تحصين الشباب لا من خلال عزله عن المحيط الخارجي وهو أمر مستحيل اليوم وإنما من خلال تجذيره في محيطه وهويته عبر التعليم والإعلام والثقافة. إن أي تساهل في بناء الهوية الممتلئة لا المقفرة من شأنه أن يضع شبابنا دوما ريشة في مهب الرياح والعواصف المصطرعة اليوم في العالم المعولم أمريكيا أو تعصبا دينيا أو طائفيا أو عرقيا... أيها السادة، إن الاتحاد الديمقراطي الوحدوي لا يقبل موقف الرفض المطلق والانغلاق الكلي في ظل العولمة فمثل هذا الانغلاق الكلي في ظل العولمة سينقلب إلى "موت بطيء للثقافة المنغلق عليها" والحل البديل يتمثل في تبني موقف "الممانعة" عبر "المقاومة الإيجابية" لهذه العولمة وذلك من خلال: - امتلاك ثقافة قومية ذات منهج عقلاني منفتح على العصر ناقد للعولمة ومبادر إذ لا يكتفي المرء باستهلاك منتوجات العولمة ولا يرفض كل منتوجاتها وإنما يستفيد من أدواتها المتطورة للنقد وطرح البديل. - استغلال جميع الوسائط والوسائل المتاحة لإصلاح الأسرة وترشيدها وتوعيتها وتكريس الحس المدني والأسلوب الديمقراطي في التسيير. - تدعيم مكونات المجتمع السياسي والمدني بتشريكه في بلورة ثقافة صلبة مترسخة في هويتها العربية الإسلامية. - تشريك المجتمع السياسي في وضع التصورات الثقافية وتنفيذها ومتابعتها عن طريق المجلس الأعلى للحوار تلك الآلية التي اقترحها حزبنا للحوار الوطني في شتى القضايا والمناسبات... - مزيد تدعيم الصحافة والإعلام وتحريرهما بما يكفل لهما الإسهام الفاعل في بناء ثقافة وطنية ممانعة. - التنسيق مغاربيا وعربيا من أجل إنتاج برامج وأفلام ومسرحيات تجسد خصوصية الأمة وتدعم مقاومة التخلف والاستعمار والصهيونية وترفض الإرهاب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته