أعلن الرئيس الباكستاني برويز مشرف في كلمة متلفزة الاثنين أنه قرر الاستقالة وذلك لتجنب مساءلته في البرلمان بهدف عزله بعد تسع سنوات مضطربة من الحكم، وقد تعرض خلال هذه السنوات لضغوط هائلة من الائتلاف الحاكم لتقديم استقالته قبل بدء أول إجراءات مساءلة في تاريخ باكستان منذ استقلالها قبل 61 عام. وبعد إعلان مشرف الذي استولى على السلطة في انقلاب أبيض عام 1999، شهدت مدن باكستانية عدة احتفالات ورقص الناس في الشوارع رغم أن مستقبل البلاد السياسي ودور باكستان في الحرب على الإرهاب التي تخوضها واشنطن، أصبحا غير معروفين. وقال مشرف إنه بعد دراسة الوضع واستشارة المستشارين القانونيين والحلفاء السياسيين، وبعد نصيحتهم قرر الاستقالة. وأضاف أنه يترك مستقبله في أيدي الشعب. وخلال الأيام الأخيرة ترددت أنباء عن مفاوضات تتيح لمشرف الاستقالة دون مواجهة القضاء ولم يتضح على الفور مصير مشرف. مشرف خلال إعلان استقالتهوجاء إعلان مشرف المفاجئ بالاستقالة في كلمة مطولة قال فيها إنه لا يمكن إثبات التهم التي تشملها المساءلة إذ قال إنه "لا يمكن إثبات أي تهمة في إطار المساءلة ضدي لا يمكن إثبات أي تهمة ضدي لأنني لم أفعل أي شيء مطلقا لمصلحتي الشخصية بل كان كل شيء من أجل مصلحة باكستان". ودافع مشرف، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، مطولا عن فترة حكمه. وقال إنه ساعد على إرساء القانون والنظام في البلاد، كما ساهم في تحسين وضع حقوق الإنسان والديموقراطية، وأصبحت باكستان دولة مهمة على الساحة الدولية. وأكد أنه قاد البلاد على الدوام بنية حسنة خصوصا في مواجهة المشاكل الاقتصادية وتهديد التمرد الإسلامي، وقال إن خصومه وجهوا اتهامات خاطئة له. وقال "لقد كانت فلسفتي هي باكستان أولا". وتابع "لكن لسوء الحظ وجه بعض العناصر الذين يتصرفون بدوافع من المصلحة الخاصة، إلي اتهامات خاطئة وضللوا الناس ولم يفكروا في الضرر الذي يمكن ان يحدثه ذلك على البلاد". وقد تراجعت شعبية مشرف كثيرا العام الماضي عندما حاول إقالة رئيس القضاة الباكستاني وكذلك خلال موجة التفجيرات الانتحارية التي نفذها مقاتلو طالبان وأدت إلى مقتل أكثر من ألف شخص من بينهم رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو. وفرض مشرف حالة الطوارئ في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي لتكريس انتخابه لفترة رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات من خلال المحكمة العليا، إلا أن حلفاءه السياسيين منوا بهزيمة في انتخابات فبراير/شباط. وتمكنت أحزاب الائتلاف التي فازت في انتخابات فبراير/شباط بقيادة حزب الشعب الباكستاني الذي كانت تتزعمه بوتو، من التغلب على الانقسامات التي استمرت أشهرا واتفقت على توجيه الاتهامات لمشرف بهدف إقالته. وذكرت مصادر أن بين تلك الاتهامات انتهاك الدستور وإساءة التصرف. وقال مسؤولون إن مساعدي مشرف أجروا محادثات مع الائتلاف بوساطة السعودية والولاياتالمتحدة وبريطانيا للسماح لمشرف بالاستقالة مقابل سلامته الشخصية. إلا أن غياب دعم الجيش لمشرف الذي تنازل عن قيادته في نوفمبر/تشرين الثاني، جعل خيارات أخرى من بينها حل البرلمان أو إعلان حالة طوارئ أخرى، أمرا مستحيلا. وتزايدت التكهنات بشأن مصير مشرف ليل الأحد الاثنين عندما صرحت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليسا رايس بأن الولاياتالمتحدة لا تفكر حاليا في منح مشرف اللجوء السياسي. وقالت إن هذه ليست مسألة مطروحة على الطاولة وأريد أن أواصل التركيز على ما يجب عمله مع حكومة باكستان الديموقراطية. ويرغب الحلفاء الغربيون من باكستان حل الأزمة بشأن مشرف حتى تتمكن الحكومة من مقاتلة مسلحي طالبان والقاعدة في مناطق القبائل المحاذية لأفغانستان حيث قتل نحو 500 شخص في الأسبوع الماضي. كما تعاني الحكومة من أزمة اقتصادية خانقة. الأسهم الباكستانية ارتفعت بنسبة 4 بالمئة ونتيجة لهذه التطورات قفزت الأسهم الباكستانية أكثر من أربعة بالمئة الاثنين عقب إعلان الرئيس برويز مشرف أنه سيتنحى عن السلطة. وقال مستثمرون إن استقالة مشرف ستلعب دورا رئيسيا في تخفيف حالة عدم الاستقرار السياسي في باكستان وستساعد في تعزيز الأسواق المالية المحلية. ماذا يحدث بعد استقالة الرئيس؟ وفيما يلي بعض التفاصيل عما يحدث عندما يستقيل رئيس: - وفقا للدستور فإن محمد ميان سومرو رئيس مجلس الشيوخ وهو المجلس الأعلى في البرلمان سيصبح قائما بأعمال الرئيس. - سيجرى انتخاب رئيس جديد خلال 30 يوما لقضاء فترة تستمر خمس سنوات. - تنتخب هيئة انتخابية مؤلفة من أعضاء مجلسي الشيوخ والجمعية الوطنية وأربع مجالس محلية الرئيس. - عادة في باكستان كان الرئيس منصبا شرفيا في حين كان يتمتع رئيس الوزراء بمعظم السلطات إلا أنه أثناء حكم مشرف أصبح الرئيس أقوى بكثير. - احتفظ مشرف بسلطة إقالة البرلمان وتعيين كبار المسؤولين في الجيش والهيئة القضائية ولكن الشركاء في الائتلاف الحاكم تعهدوا بنزع هذه السلطات من الرئيس وجعله منصبا شرفيا. شريف يطيح بمشرف الذي سبق أن أطاح به ومن المفارقات الملفتة أن نواز شريف الذي أطاح به مشرف قبل تسع سنوات وأجبره على سلوك طريق المنفى قبل أن يعود إلى باكستان عام 2007، هو نفسه الذي تمكن من الإطاحة حاليا بمشرف بالتعاون مع آصف علي زرداري زوج الراحلة بنازير بوتو. وأمام تهديد البرلمان بالعمل على إقالته وأمام التحركات المكثفة في الشارع ضده اختار مشرف (65 عاما) هذا الضابط في فرق النخبة الاستقالة بعد أن حكم باكستان طيلة تسع سنوات. ويذكر أن مشرف أعلن حفاظا على سلطته حالة الطوارئ في البلاد في نوفمبر/ تشرين الثاني2007 مبررا ذلك الإجراء بتصاعد المد الإسلامي وبتدخلات المحكمة العليا التي كانت تسعى لنزع الشرعية عن إعادة انتخابه رئيسا في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2007. والمعروف أن باكستان عاشت نصف سنوات ما بعد حصولها على الاستقلال عام 1947 تحت حكم عسكريين انقلابيين، بينما حكم مدنيون السنوات الباقية وسط مخاوف دائمة من تدخل العسكريين في السياسة. استقالة مشرف فرصة لترسيخ الاستقرار بعد تقديم الرئيس مشرف استقالته، يرى افتخار مالك الأستاذ في جامعة أوكسفورد أن الفرصة سانحة الآن أمام رجال السياسة في باكستان كي يضعوا أسس بداية جديدة في البلاد، بعد أن ظلت الأنظمة الدكتاتورية التي يفرزها الجيش تتحكم في باكستان وتحجب الفرص عنهم. وقال البروفيسور مالك: "أعتقد أن هذا اختبار كبير للسياسيين في باكستان كي يرسخوا دعائم الاستقرار السياسي ويستعيدوا السلطة من الرئيس ويسلمونها للبرلمان." توقيت وتاريخ الخبر - 18/08/2008 12:35