بعد ثماني سنوات قضتها في المنفي متنقلة بين لندن و دبي، عادت رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينازير بوتو يوم 18 أكتوبرالماضي إلى باكستان، التي تعيش حالة معقدةمن الإضطراب السياسي والأمني الدموي، و التي حولت عودة بوتو إلى حمام دم جراء العملية الانتحارية التي استهدفت موكبها لدى عودتها ،و أحدثت مجزرة مروعة في كراتشي ، ذهب ضحيتها مئات القتلى و الجرحى.وينم هذا الاستقبال الدموي عما ينتظرها من صعوبات في المستقبل . وليست هذه المرة الأولى التي تعود فيها بنازير بوتو من المنفى الاختياري، ففي عام 1986، عادت هذه الشابة المتوجة بشهادات جامعية عالية من أوكسفورد و هارفرد، والمدللة من قبل والدها السياسي الوطني اللامع ذو الفقار علي بوتو، رئيس الوزراء الباكستاني الشعبوي، المخلوع ثم المشنوق بناء على أمرمن الديكتاتور الراحل الجنرال ضياء الحق ، إلى لاهور، لمواجة ضياء الحق ما جعلها عنوانا للشجاعة و الإقدام . وقد استطاعت تعبئة الجماهير من خلال صورة والدها الذي كان رئيسا للوزراء من عام 1973 و لغاية عام 1977، إذ استطاع ذوالفقار علي بوتو إيجاد و اعتماد نظام «اشتراكي» بطبعة باكستانية من خلال تأسيس حزب الشعب الباكستاني في الستينيات. وفي مرتين فازت «الزعيمة مدى الحياة» لحزب الشعب الباكستاني في الانتخابات التشريعية.و في مرتين ترأست الحكومة المركزية في إسلاماباد . و في مرتين ، تمت الإطاحة بها و هي في منتصف ولايتها، بسبب«عدم الكفاءة و الفساد». إن أبعاد المشهد السياسي الباكستاني ليست داخلية فقط. فالحدث الدموي الأخير هو حصيلة الانتهازية السياسية المترعرعة محليا والمغذاةبالمصالح الأجنبية، التي تقود إلى استمرار إهلاك الباكستانيين بطريقة مأساوية.فالقوى الأجنبية المتصارعة في المنطقة: الولاياتالمتحدة الأميركية من جهة ، و القاعدة و حركة طالبان من جهة أخرى، حوّلت باكستان إلى برميل بارود. ومثلت مجزرة كراتشي استعارة حقيقية لما هو الوضع عليه سياسيا في باكستان، هذا البلد الذي يقطنه 160 مليون نسمة .ورغم وجودها في المنفى- ثماني سنوات- فإن بنازير بوتو لم تتوقف عن إدانة الديكتاتور العسكري الذي قاد انقلاب عام 1999. وكان الجنرال برويز مشرف أقسم إنه لن يسمح بعودة بنازير بوتو إلى البلاد.لكن بوتو عادت إلى باكستان مضطربة أمنيا ، وإلى ساحة سياسية غير مؤكدة ومتحركة. ويبدو أن الظروف قد تغيرت، هذه الأيام، إذ إن بنازير بوتو رئيسة الوزراء السابقة ذات الإخفاق المزدوج- أغرت الأميركيين بدعمها عبر حديثها عن الإسلام المعتدل و الديمقراطية و التنمية، ففسحوا لها في المجال للتهرب من تهم الفساد الموجهة إليها و لزوجها،و الجنرال برويز مشرف الفاقد لشعبيته، و جد ا أنهما مجبران على التفاهم و التلاقي ، تحت ضغط واشنطن لإبرام اتفاق حكم ، من أجل مواجهة خطر صعود الحركات الإسلامية الأصولية إلى السلطة،و المحافظة بوجه خاص على السلاح النووي بمنأى عن محاولات وقوعه في أيادي معادية. وكانت واشنطن وراء عودة بوتو إلى باكستان، إذ ترغب إدارة الرئيس بوش أن يظل الجنرال مشرف، الموجود في السلطة منذ العام 1999، على رأس الدولة ،بعد إزالة الصبغة العسكرية عن نظامه ليكتسب حلة الرئيس المدني، بينما تصبح بنازير بوتو المرأة العصرية رئيسة للوزراء، علماً أن بوتو لم تترك ذكريات خالدة خلال السنوات التي أمضتها في السلطة. أماوعودها المتجددة، من أن« دخولها يستهدف تحقيق الديمقراطية الحقيقية» فسيصطدم بالإتفاق الموقع مع برويز مشرف. فبسبب هذا الإتفاق، بات من الصعب جدا على بنازيرا بوتو أن ترفع شعار«اخرج يا مشرف» كما فعلت ذلك في السابق مع الجنرال ضياء الحق. وتواجه بنازير بوتو انتقادات لاذعة بسبب اتفاقها هذا على تقاسم السلطة مع برويز مشرف، و لاسيما من داخل أوساط حزبها، التي تعتبر أن تسوية كهذه مع مشرف قد يفضلها رجال أعمال باكستانيون و النخبة السياسية في البلاد إضافة إلى واشنطن، لكنها لن تكون ذات نتيجة مرضية لباكستان. من هنا تخشى هذه الأوساط أن تدفع بوتوالثمن غاليا على الصعيد السياسي ،لأن الاتفاق لا يضمن لها الحصانة من العقاب،بما أن المحكمة الدستورية العليا يترتب عليها أيضا أن تَبُتَ في مدى شرعية العفو الصادر عن الحكومة الباكستانية بإزالة كل الأحكام الصادرة ضدها و المتعلقة بالفساد.و الحال هذه، فإن مستقبلها السياسي يبقى مرهوناً بقرار المحكمة العليا التي قد تلغي هذا العفو مايترتب على السيدة بوتو المناورة للعودة إلى السلطة. خلال ستين عاما من وجودها،عرفت باكستان- الجمهورية الإسلامية التي ولدت من التقسيم الدموي لبلاد الهند عام 1947- ثلاث حروب ضد جارتها الكبيرة الهند، و أربعة دساتير وكذلك من الإنقلابات العسكرية، وثلاثين سنة من الديكتاتورية العسكرية.إذا، فمن أجل استلام السلطة في إسلاماباد والمحافظة عليها،على المتنطح إليها أن يمتلك الوسائل، والتصميم القوي، والطاقة الحيوية، وجرعةجيدة من النزعة الكلبية التي تحتقر الرأي العام و التقاليد الديمقراطية. إن بنازبير بوتو تمتلك كل هذه المقومات.