رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    بالفيديو: رئيس الجمهورية يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها    قيس سعيد يزور مطحنة أبة قصور بالدهماني ويتعهد بإصلاحها (صور + فيديو)    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    كيف سيكون طقس الجمعة 2 ماي؟    طقس الجمعة: خلايا رعدية مصحوبة أمطار بهذه المناطق    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    الرابطة الأولى (الجولة 28): صافرتان أجنبيتان لمواجهتي باردو وقابس    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخارطة المغاربية للمشاركة السياسية للإسلاميين: متى يكتمل المشهد التونسي؟

*أستاذ جامعي تونسي مقيم بباريس
مما يمتاز به المغرب العربي أن جميع سكانه من المسلمين، وأن أغلبيتهم الساحقة من السنة المالكية، فكانت إذن جميع مكوناته التنظيمية بما فيها الأحزاب السياسية تنسب نفسها إلى الإسلام، أو يأبى البعض منها على الأقلّ أن يصنّف خارج دائرته
ما عدا قلّة قليلة لا تزال تتأرجح في موقفها من الدين ومن الانتساب إليه، إلا أن هذه الأحزاب لئن اشتركت في انتسابها إلى الإسلام سواء كان ذلك عن قناعة أو عن مصلحة سياسية فإنها تختلف في فهم الإسلام الذي تنتسب إليه بين من يعتبره المصدرَ لرؤاه السياسية والاجتماعية، ومن يعتبره مصدرا من بين مصادر أخرى لتلك الرؤى، وبين من يعتبره مجرد تاريخ ثقافي روحي لا علاقة له بالتشريع السياسي والاجتماعي، وليس لأحد أن ينازع في هذا الانتساب أو أن يصادر الحقّ فيه ما دام أصحابه مقرّين به في ظاهر الأقوال والله تعالى يتولّى السرائر.
واعتبارا لهذه الشراكة في الانتساب إلى الإسلام على مستوياته المختلفة جاءت القوانين المغاربية المنظمة للحياة السياسية تمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني باعتبار أنّ الدين قدر مشترك بين الجميع، والتأسيس على أساس ديني إذا ما كان مقنّنا قد يفهم منه شبهة احتكار لما هو مشترك، إذ تستبعد به الصفة الإسلامية من لم يقنّن نفسه بالإسلام من دائرة الانتساب إليه، والحال أن الجميع ينسب نفسه إلى الإسلام مهما تفاوتت المعاني والمقاصد في تلك النسبة.
ومهما يكن من وجاهة ومعقولية هذا الإجراء أو عدمها فإن الواقع في معظم هذه البلدان آل إلى أن الحظر القانوني لم يعد جاريا إلا على التسمية الرسمية القانونية للحزب السياسي أن يكون متضمنا للصفة الإسلامية، وأما المحتوى الذي تتأسس عليه برامج الأحزاب ورؤاها فقد حرّر من قيد المنع لأن يكون قائما على الإسلام بأي درجة من درجات الانتساب المشار إليها آنفا.
وعلى هذا الأساس فإن الأحزاب السياسية التي تتخذ من التشريع الإسلامي مصدرها الأول أو مصدرها الوحيد والتي أصبحت تعرف اصطلاحا لا احتكارا بالأحزاب الإسلامية باعتبار هذه الدرجة من التزامها بالتشريع الإسلامي أصبحت في جل البلاد المغاربية مندرجة ضمن خارطة المشاركة السياسية العامة التي تتدافع فيها كل الأطياف المهتمة بهذا الشأن، وأصبحت إلى جانب سائر الأحزاب الأخرى تسهم بجهود معتبرة في البناء الوطني وفي مشاريع التنمية الاقتصادية والبشرية.
ففي الجزائر توجد أحزاب إسلامية وإن خلت عناوينها من هذه الصفة، وهي جميعا يفرزها التدافع السياسي الانتخابي الديموقراطي، فتأخذ مواقعها في مجلس الشعب على أقدار تمثيلها، ومنها ما هو آخذ موقعه على منصة المعارضة، ومنها ما هو في سدة الموالاة والمشاركة في الحكم، والكل يقوم بدور وطني تنموي مشهود، نذكر منه على سبيل المثال ما أصبح مضرب المثل الحائز على رضى جميع الجزائريين والمثير لإعجابهم في تنمية البنية التحتية والأشغال العامة، وهو من إنجاز وزارة يقوم عليها أحد وزراء حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي.
وفي المغرب يوجد حزب العدالة والتنمية كأحد أكبر الأحزاب إن لم يكن أكبرها، وهو بالرغم من حداثة سنه يقوم بدور سياسي بارز وإن يكن ذلك في صفوف المعارضة، يتفاعل مع المجتمع بإيجابية، ويسهم في ترشيد الرؤى الوطنية الكبرى بكوادره العالية التكوين في مختلف المجالات، ويضرب أنموذجا مشرفا في إدارة شؤونه بحرية الرأي وديموقراطية القرار كما بدا ذلك في مؤتمره الأخير منذ أيام فحظي بتهنئة حارّة بسبب ذلك من قِبل رأس الدولة ملك البلاد محمد السادس ، وهو يقيم علاقات إيجابية مثمرة مع سائر المكونات السياسية ومع دوائر الحكم وعلى رأسها المؤسسة الملكية.
وفي موريتانيا سُمح في فاتحة العهد الديموقراطي الجديد للأحزاب الإسلامية بالوجود والمشاركة السياسية، وأصبح بعض منها يمثل الشعب في مجلس الأمة، ويسهم في التدافع السياسي البناء، بل أصبح بعد فترة وجيزة شريكا في الحكم وإن يكن لمدة قصيرة إلا أنها معبرة عن ثقافة سياسية جديدة، ولا يبدو أنّ التقلّبات السياسية كما وقع منذ أيام سيكون لها انتكاس بهذا المسار إلى الوراء كما هو ظاهر إلى حدّ الآن، مما يؤشّر إلى أنّ الأمر قد انتهى إلى إقرار مستقرّ لحق جميع المكونات الحزبية بما فيها الإسلاميون من المشاركة في البناء الوطني من خلال الاندماج الإيجابي في الساحة السياسية.
وفي الجماهيرية الليبية، وإن يكن النظام السياسي فيها لا يسمح بالتواجد الحزبي على اختلاف أطيافه إلا أنّ المصالحة التي وقعت أخيرا بين النظام الحاكم وبين الحركة الإسلامية أصبح الإسلاميون بموجبها يشاركون في الدورة الاجتماعية من خلال المنابر الاقتصادية والثقافية والسياسية وإن يكن ذلك إلى حدّ الآن بصفة غير مباشرة، ووقع استيعاب الكثير من الكوادر العليا من ذوي النزعة الإسلامية الذين كانوا مستبعدين ومهجرين ليسهموا بنجاعة في التنمية الوطنية في مختلف المجالات، ويوجد اليوم من هؤلاء من يشارك مشاركة فاعلة في إنجاز مسودة الدستور الذي تعتزم الدولة إنشاءه، وهو من صميم المشاركة السياسية.
هذه الخارطة المغاربية لمشهد المشاركة السياسية لمكوّنات المجتمع تشتمل من بين ما تشتمل على مكوّنات من الإسلاميين أحزابا وحركات، وذلك بعد ما توفّر لها مناخ صحّي تمكّنت فيه ومُكّنت من أن ترتّب نفسها في مراجعات ذاتية تطوّرت بها في خضمّ الممارسة الفعلية وفي مناخ توافقي صحّي إلى أن تندرج في ساحة المشاركة السياسية بنجاعة، فكانت خارطة بديعة ملائمة للتطور الزمني والوضع العالمي في توجّهه الديموقراطي، إلا أنّ ثغرة في هذه الخارطة تعكّر صفوها، وحلقة مفقودة منها تفقدها الانسجام والاكتمال، هي تلك المتمثلة في أرض الخضراء التي يخلو فيها المشهد السياسي من مشاركة سياسية للمكوّن المصطلح عليه بالمكوّن الإسلامي ( وإلا فإنّ كلّ الشعب التونسي من المسلمين )، فهذا المكوّن لا يحظى في تونس بما يحظى به أضرابه في كلّ الأقطار المغاربية الأخرى فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، فإذا هذا الوضع نشاز في الصورة، وثغرة في المشهد، وحلقة مفقودة في الخارطة السياسية المغاربية.
وقد يكون الأمر عاديا لو كانت تلك الثلمة في المشهد الجميل تقوم على أسباب حقيقية ومبررات معقولة، ولكن غياب تلك الأسباب والمبررات هو الذي يدعو إلى شيء من الحيرة، وهي حيرة تزداد قوّة إذا ما تبيّن أنّ ثمّة مبررات عكسية من شأنها أن تجعل المشهد السياسي التونسي من حيث الأطياف المشاركة فيه أكثر اكتمالا وأبهى جمالا من غيره من المشاهد في الخارطة السياسية المغاربية من مشرقها إلى مغربها.
إن تونس قد انخرطت في منهج الحداثة منذ وقت مبكر، وقطعت في ذلك شوطا كبيرا، ومن مقتضيات الحداثة أن تُتاح الفرصة لجميع الفئات الشعبية من أن تعبّر عن نفسها سياسيا. وقد عُرفت تونس بالمرونة الثقافية نتيجة عوامل الانفتاح المتراكمة التي شكّلت العقلية العامّة فيها، كما قد عُرفت بالريادة في الإصلاح السياسي وناهيك في ذلك بأن أقدم دستور فيها يعود إلى ما قبل قرن ونصف سابقا في ذلك كل البلاد العربية إن لم يكن العالم الإسلامي بأكمله. والمجتمع التونسي بلغ من النضج الثقافي والحضاري وربما الاقتصادي أيضا درجات مقدرة، وهو ما جعل المغاربيين ينجذبون إليه تصورا لأنموذجية فيه تجلب منهم في كل عام أكثر من مليونين من الزوار بين سائح ومتعلم ومستثمر ومعالج. إنها عوامل ثلاثة على الأقلّ تتّجه في الاتجاه المعاكس لتلك الثغرة في المشهد السياسي التي تنبو عن المشهد المغاربي في خلوها من المشاركة السياسية للإسلاميين، وهي تقتضي منطقيا بأن تكون تونس هي السباقة إلى أن يكون مشهدها في هذا الشأن هو المشهد الأكمل والأجمل.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الحركة الإسلامية في تونس ليست في ميزان الوسطية والاعتدال إلا مشابهة تمام المشابهة للحركات الإسلامية المغاربية، وليست في الانفتاح الفكري وفي المرونة السياسية بأقلّ منها، بل إنها ربما كانت في الوسطية والاعتدال والانفتاح رائدة استفاد منها كثيرون من المغاربة الإسلاميين الذين هم اليوم في مواقع المشاركة السياسية على سدّة الحكم أو في صفوف المعارضة، ومن بين أولئك زعماء ورؤساء أحزاب يُستقبلون في تونس بترحاب ويُستدعَون ممثلين لأحزابهم في المناسبات الرسمية الحكومية والحزبية.
لا شكّ أنّ هذا التقابل المتناقض بين المبررات الداعية إلى اكتمال المشهد وبين الحلقة المفقودة فيه يدعو إلى البحث عن أسباب هذا التناقض، كما تدعو إلى البحث عما يفكك تلك الأسباب لتكتمل الصورة المغاربية، وتنسجم الخارطة السياسية بتناسق أقطارها في هذا الشأن من شرق إلى غرب.
قد تكون من أسباب هذا التناقض تلك العناصر المتطرفة في علمانيتها تطرّفا أصبحت به تتخذ من ظاهر القانون المانع من تأسيس الأحزاب بعناوين دينية ستارا تتستّر به على موقفها الحقيقي الذي يرفض الدين جملة أن يكون بأي حال من الأحوال مصدرا من مصادر التشريع القانوني للمجتمع، وهو الأمر الذي يظهر بين الحين والآخر فيما تثيره هذه العناصر من المطالبة بإلغاء ما نص عليه الدستور من أن تونس بلد دينها الإسلام، وأن رئيس الجمهورية يشترط فيه أن يكون مسلما، ولئن كانت هذه العناصر قليلة العدد إلا أنّ لها سطوة أصبحت مضاعفة لما تسربت في العشريتين الماضيتين إلى مواقع مهمة في الحزب الحاكم وفي أجهزة الدولة. وينضاف إلى تلك العناصر عناصر أخرى متطرّفة في مصلحيتها الذاتية متوجّسة من أنّ المشاركة السياسية للإسلاميين قد تكون عامل حرمان لها من مصالحها، فأولئك وهؤلاء ربموا شكّلوا أحد العوائق التي تعوق المشاركة السياسية للإسلاميين.
ومن المؤكّد أنّ من بين تلك الأسباب ما حدث قبل عقدين من الزمن من تشابك بين النظام الحاكم وبين الحركة الإسلامية اتخذ في بعض أطواره مظاهر هي أقرب إلى أن تكون ضربا من العنف، وكانت له استتباعات ومضاعفات استمرت بعد ذلك طويلا، ونشأت عنه بين الطرفين حواجز نفسية سميكة من الريبة المتبادلة وانعدام الثقة، وكان من نتائجه المباشرة أن سُدّ الباب بصفة قطعية دون أن يكون للإسلاميين أيّ دور في المشاركة السياسية سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ونشأت من ذلك تلك الثغرة في المشهد السياسي التونسي الناشزة به عن المشهد المغاربي العام.
ومهما يكن من أسباب في هذا الوضع القائم فإنه فيما نقدّر قد آن الأوان بل قد آن منذ زمن لمراجعة هذا المشهد ليستوي على ما استوت عليه الخارطة المغاربية، وهي المراجعة التي تتطلّب علاجا يتأسّس على قدر كبير من العقلانية وعلى درجة عالية من استحضار المصلحة الوطنية العليا، وذلك من قِبل الأطراف الوطنية كلها وخاصة منها الأطراف المعنية بصفة مباشرة بهذا الموضوع، حتى ينتهي الأمر إلى إتاحة الفرصة للإسلاميين بتونس من الاندماج في المشاركة السياسية ليصبحوا مكونا من مكونات المشهد مثل نظرائهم في الأقطار المغاربية، وليسهموا في مسيرة التنمية الشاملة كما يسهمون، ويثروا تلك المسيرة بالعطاء كما يثرون. إنّ هذه المراجعة هي اليوم تستجمع من أسباب ضرورتها أكثر مما كان في أيّ وقت مضى، حتى إنها لترقى فيما نقدّر إلى أن تكون واجبا وطنيا على كل من يهمه هذا الشأن. ولعلّ من بين أهمّ تلك الأسباب الداعية إليها ما يلي:
أولا إنّ من حقّ كلّ تونسي أن يكون شريكا مع غيره في المواطنة على وجه التساوي المطلق، وهو ما يقتضي أن يكون له الحقّ كما أنه واجب عليه أن يسهم في خدمة وطنه بتقديم ما يراه صالحا من الرؤى والأفكار والمشاريع، وبعرضها على الآخرين والمنافحة عنها من أجل الإقناع بها لتأخذ طريقها إلى التطبيق حينما يقتنع بها الناس، وليس من صلاحية أيّ كان أن يشرّع ما يعطّل هذا المبدأ من مبادئ العقد الاجتماعي في صيغته الديموقراطية الحقوقية لا بصفة مباشرة ولا بصفة غير مباشرة.
وإذا كان للدولة حقّ في أن تشرع من القانون ما يعصم من مآل تتدافع فيه المكوّنات السياسية تحت لائحة التمايز العرقي والجهوي والديني لما قد يحدث ذلك من انشقاقات اجتماعية وخيمة العواقب على الوحدة الوطنية، فإنّ من واجبها أن تيسّر السبل على وجه التساوي من حيث المبدأ لكلّ الفئات الفكرية والسياسية وهي المنتسبة إلى الإسلام كلّ على طريقته حتى تعبّر عن نفسها سياسيا من منطلق فهم للإسلام قد يتفق الجميع في أصوله ولكن قد يختلفون في إجراءاته التطبيقية التي هي محلّ لاجتهاد يسع كل من يريد أن ينتهج منهج الاجتهاد.
إنّ الحزب الحاكم على سبيل المثال لم يدّع في يوم من الأيام أنّه في رؤاه السياسية والاجتماعية يصدر عن دائرة خارج دائرة الإسلام، بل هو يذكّر دوما منذ العهد الأول للاستقلال بأنّ مقترحاته من القوانين وعلى رأسها قوانين الأسرة ما هي إلا وجه من وجوه الاجتهاد في الدين، وليس لأحد أن يصادر حقه في ذلك، ولكن ليس له هو أيضا أن يصادر حقّ غيره في أن يكون في رؤاه السياسية والاجتماعية صادرا عن اجتهاد في الدين قد يكون مخالفا لاجتهاده هو في بعض التفاصيل وإلا فإننا نكون قد وقعنا في تناقض صارخ بين ادّعاء نظري للديموقراطية وبين ممارسات عملية في الواقع.
إنه لمن الحريّ بالتفهّم بصفة عامّة وفي هذا الظرف الزمني العالمي بصفة خاصّة أن يُمنع بالقانون كلّ ما من شأنه أن يوحي بشبهة احتكار للصفة الدينية من قِبل فئة من الفئات كما يبدو من خلال عنوان حزبي أو استئثار بالمنابر الدينية كالمساجد لأجل الدعاية السياسية، ولكن ليس من المقبول عقلا ولا من المفيد مصلحة أن تُمنع أيّة عائلة فكرية سياسية من المشاركة السياسية ضمن ما تضبطه القوانين المنظمة باعتبار أنّ لها رؤية اجتهادية مخالفة لرؤى الآخرين الاجتهادية؛ ولذلك فإنّ على الدولة أن توفّر لجميع المواطنين بما فيهم من عُرفوا بالإسلاميين سبلا للمشاركة السياسية.
وفي هذا الصدد فقد يكون من المشروع أن تؤخذ بعين الاعتبار الاحترازات المشار إليها آنفا، بل أن يؤخذ بعين الاعتبار في المجال الإجرائي حينما يُقرّ المبدأ كلّ ما من شأنه أن يسلك مسلك التدرّج، وكلّ ما من شأنه أن يدفع المخاوف الحقيقية والموهومة المترتبة على هذه المشاركة إذا ما فُتح لها الباب القانوني والواقعي، وذلك فيما نقدّر أمر ميسور إذا كان المناخ مناخ وئام وتوافق، ولكنّ المنع من ذلك على وجه الإطلاق إنما هو في حقيقته تحكّم لا مبرّر له في سياق ما تقتضيه الديموقراطية، وتخلّف عن الركب المغاربي غير لائق بتونس في ريادتها المعهودة.
ثانيا إنّ التشابك الذي حصل بين الحركة الإسلامية وبين النظام الحاكم يعود في حلقته الأولى إلى ما يقارب العقدين من الزمن، وهذه فترة توشك أن تستغرق جيلا كاملا من الناس في أعمارهم الطبيعية بلهَ في أعمارهم السياسية، وتلك مدّة زمنية هي بالرغم من عمق الجروح كافية لأن يساعد الزمن فيها على التعفية على آثارها، ولو استقرأنا الجيرة القريبة والبعيدة لوجدنا خلال تلك المدّة فرقاء متعادين كثرا اصطلحوا فأصبحوا شركاء في العمل السياسي وقد كانت بينهم حروب باردة وحروب ساخنة سالت فيها دماء فيما لا نظير له في الحالة التونسية ، فهل تكون هذه الأرض التي عُرفت بالمرونة والانفتاح عصيّة دون أرض الله الواسعة عن أن يرأب الزمن فيها الصدوع ويلأم الجراح؟.
ومما يدعّم هذا العامل الزمني في رأب الصدوع ما سلكته الحركة الإسلامية خلال طيلة هذه المدّة من سلوك مدني مستمرّ ثابت، إذ لم يؤثر عنها أنها قامت بأيّ ردّ فعل عنفي بأي وجه من الوجوه بالرغم مما كانت تعتقده من أنّها تعرضت لتنكيل واسع النطاق متعدد الأنواع، وإذ كانت المواجهة مدنية من قِِبلها، فإنّ كلّ ما يمكن أن يكون شابها من أخطاء يكون قابلا للمراجعة بالنقد الذاتي، وهو الأمر الذي تمّ شيء منه في الماضي، ومن شأن الظروف التوافقية الملائمة المساعدة على أن يكون فيه استكمال في المستقبل، وهو الأمر الذي يبدو فيما لا تخطئه عين الملاحظ للتفاعلات الداخلية لهذه الحركة من تنام متسارع في الاستعداد لقيام مراجعة تقييمية عميقة لمسار الماضي في عموم وجوهه وفي الوجه السياسي منه بصفة خاصّة، وإذن فإنّ التشابك الذي حصل بين الطرفين لئن حكمه التوتّر الشديد إلا أنه لم يبلغ من قِبل الطرفين تلك الدرجة التي تقطع إمكانية اللقاء على صعيد تدافع سياسي توافقي متعاون من أجل المصلحة الوطنية.
ومما يدعّم هذا العامل أيضا أنّ هذا التشابك الذي أفضى إلى ما أفضى إليه قد سبقه أواخر الثمانينات لمدّة قصيرة إرهاصات لمسار توافقي من شأنه لو تطوّر بصفة عادية أن ينتهي إلى أن يكون للإسلاميين وضعهم الطبيعي في المشاركة السياسية، وذلك من مثل حصولهم على منظمة طلابية قانونية وعلى منبر إعلامي متمثل في جريدة أسبوعية، ومشاركتهم مشاركة فاعلة في إنجاز ميثاق وطني ضمن كلّ المكوّنات السياسية على اختلافها، ولكنّ انتكاسة مفاجئة انعطفت بذلك المسار ليتردّى إلى الوراء، وليؤول الأمر إلى ما آل إليه. وإنه لمن المطلوب بعد عشرين عاما أن يقع تقييم هذه النكسة تقييما وموضوعيا، وأن يتحمّل كلّ طرف فيها مسؤوليته بشجاعة من أجل بناء المستقبل على أسس صحيحة تتلافى أخطاء الماضي وتقطع أسباب الانتكاسات المفاجئة.
ومما يدعّمه أيضا في ذات السياق أنّ ما بات يصدر عن أهل الحكم في هذا الشأن من إشارات متعاقبة تحمل دلالات بيّنة على ضرب من المرونة النسبية في التعامل مع الإسلاميين في هذا الشأن، وذلك من مثل ما أُشيع منذ أشهر من تفكير في الترخيص لحزب يكون ذا توجّه إسلامي، ومن مثل تلك التصريحات الصادرة عن بعض الوزراء مشيرة إلى أنّ للإسلاميين أن ينخرطوا من أجل الممارسة السياسية ضمن أحزاب قائمة، ومن مثل التغاضي على غير ما هو معهود عن بعض من تصرفات لرموز من الحركة الإسلامية ذات طابع سياسي، وتلك الإشارات وغيرها لئن كانت تعكّر عليها استصحابات ماضية على رأسها الإبقاء على ثلّة من قيادات الإسلاميين في ظلمات السجن لمدة أصبحت تقارب عشرين عاما، ومن مثل بعض المضايقات غير المبررة من خرجوا من السجن، ولئن لم تبلغ من الوضوح درجة تدلّ معها بصفة مباشرة على عزم أكيد على توجّه جديد يستدبر الماضي ويؤسّس لعهد جديد في المشاركة السياسية، إلا أنها فيما نقدّر قد تكون تحمل إرهاصات عودة إلى ذلك المسار الذي كان قبل مرحلة التشابك ليستأنف تطوره الطبيعي.
وإذا صح هذا التقدير وهو ما نرجوه فإنّ مرحلة العقدين الماضيين لعلها لم تكن إلا مرحلة استثنائية هي الآن بصدد إغلاق قوس الاستثناء فيها؛ ولذلك فإن هذه الإرهاصات الجديدة تحمل قابلية لأن تتطوّر لتبلغ هذا المآل الذي ندعو إليه، ولكن ذلك يتطلّب جهودا مشتركة من أجل التفاعل الإيجابي، كما يتطلّب رعاية فائقة لكلّ صغير يحصل كي يصير كبيرا مثمرا، وإنما ينبغي أن تكون تلك الجهود مضاعفة لجبر الخسارة الفادحة المترتبة على عقدين من الزمن ذهبا في هذا الشأن هباء.
ثالثا إن الظاهرة الإسلامية التي أصبحت معروفة بالصحوة، وأصبح المنتمون إليها يُعرفون اصطلاحا بالإسلاميين هي ظاهرة عالمية لا يخلو منها قطر عربي أو إسلامي، وهي تمثّل عنصرا واقعا وثابتا من العناصر المكوّنة للمجتمع في أبعاده الثقافية والسياسية، ومحاولات إلغائها ونفيها أصبحت محاولات أقرب إلى العبثية منها إلى التعامل الاجتماعي المسؤول، وتونس ينطبق عليها في هذا الشأن ما ينطبق على غيرها، وقد دلّ على ذلك خلال الثلاثين عاما الماضية في دورات متواصلة ومتتالية تواترٌ من الحلقات ينتهي بذوي الألباب إلى القطع بأنّ هذه الظاهرة أصبحت أصيلة في المجتمع ماكنة فيه، وإذن فإنّ تجاهلها والتعامل معها بالنفي والإلغاء والتهميش هو مسار ليس من ورائه إلا هدر للأوقات وتبديد للجهود.
إنّ مسلك التجاهل والنفي للظاهرة الإسلامية أن يكون لها دور سياسي ثقافي تعبّر به عن نفسها، وتسهم به في خدمة الوطن وفق رؤيتها في إطار من التوافق الجماعي، وأخذا بعين الاعتبار لذلك التدرّج المطمئن لمن قد تداخلهم تخوفات حقيقية أو غير حقيقية، إن ذلك المسلك المتجاهل بالنظر لما أصبحت عليه هذه الظاهرة من الحضور الاجتماعي ليس له من نتيجة إلا مآل حتمي تخرج به تلك الصحوة عن مسار التديّن الصحيح إلى تفلّتات من غرائب المعتقدات وشواذّ التصرّفات الدينية التي من شأنها أن تشقّ وحدة المجتمع التونسي في انتمائه الديني المذهبي وهو ما تطالعنا الأخبار بظواهر منه لئن كانت محدودة إلا أنها تنذر باستنبات بذور قد تستوي سوقها يوما فتصبح فتنة مذهبية، و=لك ما لم يكن موجودا لما كانت الحركة الإسلامية حاضرة في المجال الثقافي الدعوي.
والأخطر من ذلك أن يؤول هذا الاستبعاد والتجاهل إلى أنّ تلك الرؤى التي تتبناها الحركة الإسلامية، والمشهود لها بالاعتدال والوسطية والوضوح والانفتاح الراشد تتّخذ لها مسارب خفية يصيبها فيها من الاعوجاج المتصلّب ما يخرج بها من العدل إلى الغلوّ، ومن الوسطية إلى التطرّف، ومن المدنية إلى العنفية، وليس بالضرورة أن يكون ذلك على يد شقّ من الحركة الإسلامية الأمّ المشهود لها بالاعتدال فقد أثبت التاريخ أنّ ذلك غير وارد، وإنما قد يكون على يد آخرين تفرزهم الأحداث، ويدفع بهم اليأس من أن يكون للفكرة الإسلامية بصفة عامّة حظّ من حقّ الوجود العلني الرسمي المعترف به، وذلك أمر تخطئه عين الباحث الأريب في ثنايا التاريخ إذ منه شواهد متواترة في أزمان مختلفة، و من بينها هذه المشاهد الساخنة من الواقع الراهن في أكثر من مكان، وهي تلك المشاهد التي مسّ بلادنا شيء من حرّها طالع السنة الماضية، وحينما يؤول الأمر إلى هذا المآل لا قدّر الله فإنه قد لا ينفع علاج من قوّة ردعية أو تحوّطات أمنية، وإن نفع فإنه لا يكون إلا بعد خراب.
وإذا كانت السياسة المغاربية قد انتبهت مبكرا إلى خطورة هذه الأيلولة فتداركت الأمر ولو كان ذلك بعد تجربة مرّة بالنسبة لبعضها فبادرت بالإشراك السياسي للإسلاميين، فإنّ المرء ليعجب للذكاء السياسي التونسي كيف لم يأخذ هذا الأمر بجدّ وقد كان منذ القديم سباقا إلى تلافي الأخطار قبل وقوعها؛ ولذلك فقد قلنا إنه قد آن الأوان بل ومنذ زمن لتدارك هذا الوضع، والإفساح للإسلاميين بمشاركة سياسية تتلافى مصيرا أصبح مندرجا في سياق يشبه أن يكون قانونا اجتماعيا يصدقه الواقع في القديم والحديث. .
رابعا إن تونس تواجه تحدّيات كبيرة على أصعدة كثيرة، وهو الأمر الذي أصبح يستشعره سائر التونسيين كما يبدو في الشعار الذي اتخذه الحزب الحاكم في مؤتمره الأخير، وليس لها في هذه المواجهة كبير ذخر من القدرات المادّية في عالم استشرت فيه حمى التنافس في كلّ مجال، وأكبر ما تملك في هذا التدافع المستشري هو العنصر البشري، فهو رأس مالها الأكبر في معركة التنمية الشاملة، وهي إذن بذلك تحتاج في هذه المعركة إلى كلّ عقل مفكّر، وكلّ إرادة مبدعة، وكلّ ساعد منجز، وإذا ما فرّطت في شيء من هذا الرصيد فإنها تكون قد فرطت في جزء من سلاحها في هذه المعركة.
ولا يخفى أنّ الإسلاميين في تونس كما أثبتت الدراسات الموضوعية ذلك، وكما يشهد به الواقع هم في معظمهم من النخب المتعلمة تعليما عاليا، فمن بينهم يوجد آلاف من الأطباء وأساتذة الجامعات والمهندسين، بل إنّ من بينهم من هم في الصفّ الأول من العلماء والمفكرين في ميادين مختلفة، وذلك بالإضافة إلى ما اكتسبه الكثيرون في ديار الهجرة على وجه الخصوص من الخبرات العالية ومن العلاقات الواسعة ومن التجارب الثرية، فكيف يجوز أن تفرّط تونس في هذا الرصيد أن يكون منخرطا في خدمة وطنه مسهما في معركة التنمية بذلك المسار غير المبرّر الذي يستبعدهم من دائرة المشاركة السياسية وهي المحضن الذي تبرز فيه الكفاءات والذي تنضج فيه المقترحات ومن خلاله يتم العطاء للوطن والبلاء في ساحة التنمية الوطنية؟
قد لا يكون هذا الأمر الذي ندعو إليه باليسر الذي يتصوره البعض، وإنما هو مسار يستلزم الكثير من الجهد من قِبل الفرقاء، من أجل بناء حدّ أدنى من الثقة المتبادلة، الأمر الذي يستلزم حوار مصارحة بنّاء يرتدّ فيه كلّ إلى نقطة الحقيقة بالنقد الذاتي لمسار الماضي وإن يكن ذلك بالأسلوب الذي تقتضيه مواقع كلّ منهم، كما تمتدّ فيه الأيادي الوطنية إلى بعضها بقوّة من المبادرة تتناسب مع ما تملك من القدرة على الفصل في هذا الموضوع، وإذا انفتحت العقول، وخلصت النوايا، وتناسى الجميع صغار المصالح الذاتية والفئوية استحضارا لعظام المصالح الوطنية العليا، فإنّ العقل التونسي قادر بهذا المسلك الحواري على أن يذلل الصعاب، وأن يجمع الفرقاء، وأن يلأم الجراح، وأن يتّخذ من الماضي بما له وما عليه حافزا للمستقبل، فينتهي به الأمر إلى أن يشرّع لتكون تونس لجميع أبنائها قناعة في العقول ومسالك في الواقع، وأن تشترك جميع الفئات والتوجهات الفكرية والثقافية والسياسية لخدمتها، وهو النداء الذي ما فتئنا نسمعه مكررا في الآونة الأخيرة من قِبل رئيس الدولة في خطب متتالية، فهل يكون لهذا النداء تحقق وشيك، فتقوم حركة حوارية جامعة تنتهي بأن يُفسح المجال لجميع التونسيين بمن فيهم الإسلاميون للمشاركة السياسية بالشكل الإجرائي الذي يقع التوافق عليه؟ ذلك ما ندعو إليه وما نرجوه وما ننذر جهودنا من أجله، خدمة للوطن أن يكون دوما في موقع الريادة لا في الخارطة المغاربية فحسب، ولكن في الخارطة العربية والعالمية أيضا، فنحن جميعا أحفاد لأساتذة الريادة من أمثال عقبة وسحنون، وخير الدين وابن خلدون.
والله ولي التوفيق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.