فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية لفريق فلامينغو في مواجهة الترجي    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    في 5 سنوات.. 11 مليار دولار خسائر غانا من تهريب الذهب    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    اسرائيل تتآكل من الداخل وانفجار مجتمعي على الابواب    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    انطلاق عملية التدقيق الخارجي لتجديد شهادة الجودة بوزارة التجهيز والإسكان    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    انطلاق الحملة الانتخابية بدائرة بنزرت الشمالية    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    أخبار الحكومة    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تونس تعزز جهودها في علاج الإدمان بأدوية داعمة لحماية الشباب واستقرار المجتمع    طقس الليلة    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود".. وتطالب السلطات التونسية والجزائرية بالتدخل    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    عاجل/ شخصية سياسية معروفة يكشف سبب رفضه المشاركة في "قافلة الصمود"    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    189 حريق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية….    النادي الصفاقسي - الإتفاق على مواصلة الهيئة التسييرية المنتهية مدة نيابتها العمل خلال الفترة القادمة وإطلاق حملة "صوت الجمهور" للمساهمة في الخروج من الوضع المادي الدقيق    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع القيادي الإسلامي المهندس حمادي الجبالي
نشر في الحوار نت يوم 06 - 06 - 2010

ملف من إعداد الحوار.نت بمناسبة الذكرى29 للإعلان عن حركة النهضة
تتقدم أسرة الحوار.نت بهذه المناسبة إلى حركة النهضة بأطيب التهاني سائلين المولى الكريم سبحانه أن يمن على رئيسها الأسبق الدكتور الصادق شورو بالفرج العاجل من سجنه الذي يقبع فيه منذ عام 1991 وعلى شهدائها بالشفاعة يوم القيامة فيمن أذن الله لهم بشفاعة الشافعين وعلى منفييها بالعودة الكريمة الآمنة القريبة وعلى أبنائها المحاصرين في السجن الكبير داخل البلاد بالحرية والكرامة والمواطنة وعلى تونس بالديمقراطية ووحدة الصف والرخاء والأمن وعلى الأمة قاطبة جمعاء بالمقاومة لتحرير الأرض المحتلة في فلسطين والتقدم على درب مقاومة الاستبداد والفساد والتأهل لمقام الشهادة على الناس تخليصا لهم من جور الأديان بعدل الإسلام وضيق الدنيا بسعة الآخرة ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده سبحانه..
لماذا يعد "الحوار.نت" ملفا عن حركة النهضة؟
أ لأنّ حركة النهضة تيار إسلامي ديمقراطي وطني يتعرض لقمع متلاحق متزايد من لدن السلطة التونسية على امتداد أربعة عقود كاملة وإنما جاء الحوار.نت محاولة إعلامية إلكترونية وشعاره: كلمة حرة.. وليس من الحرية في شيء نبذ الانتصار إعلاميا لأي فصيل في الأمة عامة وفي تونس والمغرب العربي خاصة يتبنى العمل المدني السلمي الديمقراطي لعرض بضاعته الفكرية ورؤيته السياسية على الناس فإذا كان ذلك الفصيل محل ملاحقة وسجن وتشريد وتشويه فإنّ رسالة الحوار.نت هي هناك. رسالة لا تجاوز هناك قيد أنملة.
ب لأنّ حركة النهضة مكون أساسي من مكونات الصحوة الإسلامية المعاصرة من جهة العمل على تجاوز منطقة التبعية والدونية في وجه القوى الخارجية المتنفذة بقهر الاحتلال العسكري تارة وبتبرج التفوق المالي تارة أخرى فضلا عن استخلاص الأمة لهويتها الإسلامية استخلاصا يمكنها من أن تشيد لها موقعا آمنا تحت الشمس وفوق الأرض ومن جهة أخرى فإنّ حركة النهضة مكوّن أساسي من مكونات تونس الحديثة. مكوّن يتمتع بشرعية الانتماء إلى الهوية الوطنية لتونس (العروبة والإسلام ومبادئ الجمهورية) بمثل ما يتمتع بشرعية النضال ضد الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي على امتداد أربعة عقود كاملة. بمثل ما يتمتع بشرعية الصبر الجميل والطويل على طريق أداء ضريبة مقاومة الفساد سجنا وتشريدا وقتلا وتجويعا وتشويها.وليس من الحرية في شيء أن يلوذ الحوار.نت بالصمت حيال كيان يتمتع بكل تلك الشرعيات وهو مكون تونسي أصيل بوفائه لهوية البلاد ثقافيا وسياسيا واجتماعيا وقوميا.
ج لأنّ المساهمة في الكشف عن تاريخ تونس الحديث بمختلف مكوناته عمل يصب في رسالة الكلمة الحرة للحوار.نت. تاريخ تونس الحديث لم يصنعه "المجاهد الأكبر" وحده ولا الحزب الدستوري الحر ولا الحزب المنقلب عليه فضلا عن عصابة النهب والسلب والفساد التي قادت انقلاب 1987.. تاريخ تونس الحديث صنيعة عوامل كثيرة للحركة الإسلامية المعاصرة في تونس نصيبها غير المنكور فيه. تلك رسالة الإعلام الحر حيال التاريخ وشهادة على الحاضر وتأدية للأمانة إلى الأجيال القابلة.

------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
يسعدنا أن نقدّم إلى السادة والسيدات قرّاء الحوار نت هذا الحوار الشّيق مع القيادي الإسلامي المهندس حمادي الجبالي.
من هو الأستاذ حمادي الجبالي؟
تونسي متزوج وأب ل (ثلاث بنات)، مهندس طاقة، متخرج من فرنسا. برز اسمه في سماء الحياة السياسية في تونس لأول مرة يوم 19 جانفي يناير كانون الثاني من عام 1983 وذلك ضمن بيان لحركة الاتجاه الإسلامي (النهضة حاليا) ممضى باسمه بصفته أمينا عاما لتلك الحركة ويتضمن البيان الذي جاء بعنوان "تشكيل المكتب التنفيذي الجديد للحركة" تركيبة قيادة الحركة مكونة من ثلاثة أسماء إضافة إلى الأمين العام
.
تحمل الأستاذ حمادي الجبالي مسؤولية قيادة الحركة بعد إيواء السجون للقيادة التاريخية في صائفة عام 1981.

كان الأستاذ الجبالي يساهم من مواقع التخفي والنفي بما تيسر له من كتابات وتصريحات ذابا عن الإسلام وحركته محاولا صياغة بطاقة هوية مناسبة للحركة تجمع بين الأصالة والتجديد. وإن نسي المرء شيئا من ذلك فلن ينسى مداخلة كتابية على غاية كبيرة من الدقة والإحاطة أدلى بها إلى مجلة "المغرب العربي" التي يديرها الإعلامي عمر صحابو. بل ما زلت أذكر أول كلمة فيها تقول "أنا القيادي الإسلامي المشرد"...

ثم ما لبث أن عاجلته محنة شتاء 1987 فلجأ إلى سالف عيشه بين التخفي والنفي وحكم عليه غيابيا بالإعدام شنقا من محكمة أمن الدولة.

بين الحقيقة والخيال: مما لن أنساه ما حييت بعضا مما كان ينقل إلينا بين سجن 9 أفريل وبين محكمة أمن الدولة التي دامت شهرا كاملا. تهافتت وسائل الإعلام الدولية في ذلك الوقت من كل صوب وحدب على الأستاذ الجبالي الذي كان يغطي المحاكمة سياسيا وحقوقيا فحولها بفضل الله سبحانه محاكمة لبورقيبه ونظامه العجوز. كان ينقل إلينا يومها بأنّ الأستاذ الجبالي دوخ جيشا لجبا من البوليس السري والعلني الذي يبحث عنه في طول البلاد وعرضها بسبب أنه كلما حوصر في أثناء إدلائه بتصريح لوكالة إعلامية دولية تحول بسرعة البرق إلى ناحية أخرى ليلتقط وكالة أخرى ويبث تصريحا جديدا. سرى ذلك في صفوف قطاعات واسعة على أساس أنّ الأمر يجري وفق خوارق خاصة ليست من طبيعة البشر.

لجأ الأستاذ الجبالي مجددا إلى مرافئ الأمن في أوروبا بعد ما ضاقت به البلاد أو بالأحرى أخلاق "الرجال" على حد قول الشاعر. ثم رجع صحبة عدد من رفاقه معترضا لدى القضاء على الحكم الصادر ضده وذلك بعد أن دخلت البلاد في عهد جديد غاب فيه بورقيبة لأول مرة منذ ثلاثة عقود ونيف عن طريق الانقلاب "الأبيض" ضده.

الجبالي وجريدة "الفجر": أسس الأستاذ الجبالي مجلة "الفجر" وتولى إدارتها وتجرع أنهارا من العذابات لتأذن السلطة بإصدارها بعد أن أذنت بالترخيص لها وظل يصارع موت جريدته المفروض من السلطة ويفرح بانتشارها بين الناس انتشار أشعة الشمس متسللة من حجب الغيوم المتلبدة. كنت متعهدا للجريدة في ولايتي مدنين وتطاوين بما يجعلني مدركا لذلك الصراع بين السلطة وبين الشعب. ثم دفنت الجريدة حية وبدأ عهد جديد اسمه: "عهد تجفيف منابع التدين"
واستضيف الأستاذ الجبالي إلى "النزل الفخمة" ليقيم في أقبيتها عقدا كاملا ونصفا.
وماتت السياسة في تونس لأول مرة كما قال بحق الأستاذ حيدر. وأرخت ليالي الظلم سدولها السوداء على البلاد. والله وحده يعلم كم خسرت تونس بانحطاط قيم الحرية والعدل.
هذه الفقرات من مقدمة حوار أجراه الشيخ الهادي بريك لفائدة الحوار نت ونشر يوم 03/12/2006

------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

نصّ الحوار

بسم الله الرحمان الرحيم

1 - الحوار نت: يطيب لأسرة الحوار.نت أن تزف إليك وإلى من معك من أهل وأحبة وإخوان بمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة الاتجاه الإسلامي في يوم السادس من حزيران يونيو 1981 أطيب الكلام وأحر السلام.
المهندس حمّادي الجبالي: شكرا للإخوة في "الحوار نت" وشكرا للإخوة في كل المواقع والمنابر الإلكترونية الذين حملوا رسالة الكلمة ومسؤولية التنوير.. وأسأل الله أن يجازيهم خير الجزاء.
لا يمكن في هذه المناسبة إلاّ أن نبادر بالترحّم على عدد من صنّاعها شهادة من أمثال الأستاذين عبدالرّؤوف العريبي وسحنون الجوهري أو وفاة ممّن فارقونا من أمثال المشائخ الروّاد: محمّد الصالح النّيفر وعبدالقادر سلامة وضو صويد، وإلاّ أن نتوجّه بخالص التحيّة والتهنئة إلى بقيّة الفرسان من جيل التأسيس وعلى رأسهم شيخنا عبدالوهّاب الكافي وشيخنا السّجين الصّادق شورو، وإلى كلّ من ساهم في وضع ذلك الحدث، أو ساهم في وضع لبنة في صرح النّهضة، مهما كان موقعه اليوم وإلى كلّ من واصل ويواصل المسيرة من العاملين الصّامدين المحتسبين في كلّ مكان، وخاصّة الصّابرين على محنة التّهجير، نسأل الله أن ييسّر اجتماعنا، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

2 - الحوار نت: هل تغلبت الحركة على محنتها الأخيرة التي شلتها بالتمام والكمال كما يقول المراقبون للشأن التونسي أم أنّ الحركة كما يقول آخرون أصبحت في طي النسيان وفي حكم الماضي؟....
المهندس حمّادي الجبالي: الحركات السّياسية كيانات حيّة تسري عليها في نشوئها، ونموّها أو ضمورها، وتجدّدها أو تكلّسها، واستمرارها أو زوالها قوانين العمران البشري وسنن التغيير الاجتماعي. إنّها تكتسب مشروعيّتها أوّلا من مدى الحاجة المجتمعيّة إليها.
حركة النّهضة، وعاء ومشرع. تطوّر المشروع في مضامينه وتنوّع أبعاده وفقا لتطوّر وعي روّاده في تفاعل مبدع مع نسق تطوّر الأوضاع في البلاد، وتكيّف الوعاء، بمرونة لافتة، مع هذه الحركة المضمونية...
في تعريف مختصر فإنّ حركة النّهضة حاملة لمشروع حضاريّ على أساس "تصوّر الإسلام يكون من الشّمول بحيث يشكّل الأرضية العقائديّة التي منها تنبثق مختلف الرّؤى الفكريّة والاختيارات السّياسيّة والاقتصادية والاجتماعية التي تحدّد هويّة هذه الحركة، وتضبط توجّهاتها الاستراتيجيّة ومواقفها الظّرفية"
أمّا من حيث الوظيفة والدور فهي حركة إحياء قيمي يتّجه بالإصلاح للمجتمع والسّياسة، أي أنّها حركة إصلاح مجتمعي وتوازن سياسيّ تتصدّى لتصحيح التصوّرات وتقويم الأخلاق وتناضل من أجل التمكين لقيم الحرّية والعدالة الاجتماعية في إطار ينطلق من المحلّ التونسي ويجذّره في محيطه الحضاريّ مع تفاعل حيّ ومتوازن مع العصر...
فلم يكن تبعا لذلك اختيار اسم النهضة اعتباطيّا بل كان نتيجة لتشخيص دقيق للمرحلة وحاجاتها كما كان إعلانا على الانخراط الواعي في مستلزماتها... لذلك نعيد السّؤال حول انتهاء النّهضة، أو استمرار وجودها صياغة جديدة ليصبح السّؤال هو التّالي: هل ما زالت بلادنا في حاجة لمشروع حضاريّ يجذّر مطالب الحريّة والعدالة الاجتماعية في أرضيّتنا الثقافية وينفتح على الأمّة والعصر؟
هذا هو السّؤال الحقيقي...
تجارب التّاريخ تظهر أنّ الثقافة – روح الأمم – أقوى من الإجراءات الإداريّة والسّياسات الأمنيّة والمعالجات القضائية كما تظهر أنّ المعالجات النخبويّة الفوقيّة لهويّات الشعوب قد تحقّق مكاسب ظرفيّة ولكن سرعان ما يرتدّ عليها العمق الثّقافي.
المفروض أن يعبّر القانون وينظّم العلاقة بين القوى المجتمعيّة الحقيقيّة، أمّا أن يتجاهل الواقع أو أن يتحايل عليه ويسعى إلى الصّياغة المنفردة للمستقبل فتلك محاولات تعرف مآلاتها وليس المثال التّركي إلاّ آخر الدّروس وفيه آيات للمتبصّرين...
إن كان في بلادنا من حاجة إلى مثل مشروع النّهضة وإلى مثل ما قامت به من أدوار – ولا يراودني في ذلك شكّ – فسيبدع مجتمعنا من المضامين والصّيغ ما يكفل للمشروع مزيدا من البلورة والفاعليّة، أمّا إن زالت مبرّرات مثل ذلك المشروع فلن تفلح محاولات الإنعاش والتّنفيس الإصطناعي وإن تنوّعت وتعدّدت.

3 - الحوار نت: ما هو تحليلك للوضع الدولي العام والعربي والإسلامي وبخاصة التونسي منه وهل أنّ الحركة مازالت في طور البحث عن مصالحة مع نظام ابن علي أم أنها تستأمن الصحوة الجديدة على مشروعها الإصلاحي الديمقراطي الذي بدأته عام 1981 بولوج العمل السياسي؟
المهندس حمّادي الجبالي: لا يمكن التّطرّق لتحليل الأوضاع الدّولية دون الانتباه لسلطة مجموعة من العوامل الأساسية التي تعاظمت وتداخلت تأثيراتها خاصّة في العقد الأخير (الإعلام / شبكات التكنولوجيات الحديثة / العامل الاقتصادي / المجتمع المدني الدّولي / العامل الثقافي / العامل الجيواستراتيجي).
العالم أصبح قرية، بل بيتا من زجاج، لا تخفى فيه خافية، العلاقة بين مكوّناته معقّدة، بحثا عن السّيطرة، ضمن مخاض وتدافع لا يتوقفان.
كانت الأوضاع العالميّة قبيل تفجيرات سبتمبر 2001 تتّجه إلى تبلور وضع دولي جديد فيه أقدار من الاستقرار... التفجيرات أربكت المشهد برمّته، بتورّط القوّة العالميّة الأساسيّة في حربي أفغانستان والعراق بما أثقل كواهلها المادية وهزّ أرصدتها الأخلاقيّة هزّا وأضعف قدرتها على القيادة العالميّة...
إنّ المتتبّع للواقع العالميّ لا يمكن إلاّ أن يستدعي التّاريخ، وأحد قوانينه في تداول الأيّام بين الشعوب والثقافات: "وتلك الأيّام نداولها بين النّاس"
لا زلنا نعيش عصر الحضارة الغربيّة وندرك أنّ منظومتها تؤثّر بل تكيّف أنماط الحياة والمرجعيّات القيميّة في كلّ العالم. هي حضارة لها مظاهر قوّتها وتفوّقها الكثيرة، وبدأت تبرز مظاهر ضعف في أرصدتها القيميّة وفي قدرتها على التّحكّم - لا تخفى على حكمائها – وإن أنكرها ظلما وعلوّا حكّامها...
الأوضاع في حالة حراك، سمتها التّوازنات الهشّة المؤقّتة والصّراع من أجل إعادة توزيع القوّة في الخارطة العالمية، فتبرز قوى غير غربية تختلف مصادر قوّتها ومدى قدرتها على التأثير.
ضمن هذا المشهد العامّ نلاحظ حالة مخاض في الأمّة، وإرهاصات تشكّل وضع جديد تساهم فيه روافد متعدّدة ومن مواقع مختلفة ( دول / حركات مقاومة / حركات مشاركة في الحكم / حركات معارضة / حركات مضطهدة) بل إنّ التّململ على الصّعيد الدّولي ساهم في بروز ونموّ جماعات رافضة لمجمل المنظومة. هذا المخاض الواعد داخل الأمّة يواجه تحدّيات داخليّة متمثّلة في عوامل الشّدّ التي ورثتها من تاريخها وأخطرها ثقافة الانحطاط ومتمثّلة في عوامل الكبح السلطانية
كما يواجه تحديات خارجية مصدرها القوى الغربية التي لا يمكن أن تضمن استمرار هيمنتها إلا بعرقلة كل مشاريع النهوض المستقل. وبالتأكيد توجد علاقة تعاضد بين التحديين: يوجد تواطؤ بين الانحطاط والاستبداد من جهة وبين التبعية والإلحاق من جهة أخرى.
إنّ الدولة الديمقراطية هي التي تعبر عن إرادة شعبها وثقافته وهي التي تضع مصالحه فوق كل اعتبار ومن ثم فهي الدولة المستقلة حقيقة وبما أنّ القوى الغربية المؤثرة لا تقبل أن تصبح الدولة في فضائنا العربي الإسلامي قاطرة البناء الحضاري المستقل فإنها تدعم كل قوى الاستبداد والإلحاق.
إنّ خيارها هو الثاني: الاستقرار المستند إلى الاستبداد ولو كان هشا خير من استقرار حقيقي يفضي إلى مسار إصلاح جاد ولكن غير مضمون النتائج لضمان مصالحها. ومن جهتها فإن القوى المستفيدة من استمرار الأوضاع لا تستنكف من تقديم كل الخدمات والتنازلات التي تكفل استمرار الدعم الدولي لها للتفصي من القيام بإصلاحات حقيقية.
أما في بلادنا فلا شك أنها قد خرجت من نفق عقد التسعينيات المظلم وأنّ المجتمعين المدني والسياسي يشهدان شيئا من الحيوية والحركية ورممت العلاقات بين العديد من الفاعلين منهما. كما أنّ المجتمع يشهد حالة دينية متنوعة المصادر والتوجهات غير أنّ هناك سمات يتفق عليها معظم المراقبين لتوصيف الأوضاع وأهمية استمرار نهج الانغلاق في تعامل الحكم مع شؤون البلاد وملفاتها الأساسية نتيجة لتغول الدولة وسيطرة العقلية الأمنية وكل ذلك نتيجة بدوره لاختلال مشط في موازين القوى بين الدولة والمجتمع مما أشاع اللامبالاة والاستقالة في أوساط النخب وعموم الناس وخاصة الفئات الشبابية.

إنّ أخطر الأخطار التي تهدد مجتمعنا هو استمرار سيطرة وباء الخوف وهيمنة منظومة الاستبداد على كل مظاهر الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ولا سبيل للخروج من هذه الأوضاع إلا بمسار نضالي جاد ورصين في نفس الوقت ومتنوع المداخل والمسالك.

وقد لا يكون مفيدا لا سليما حصر خيارات مسيرة انعتاق المجتمع في قوالب مستقل بعضها عن بعض إذ الأوضاع أعقد من أن تستوعبها ثنائيات متمايزة.

أما بشأن موضوع المصالحة الوطنية فلا أحد ينكر وجود فجوة بين الدولة ومجتمعها وجفوة بين السلطة وأطراف كثيرة من معارضيها وغربة لقطاعات من النخبة السياسية والفكرية عن واقع شعبها ولا أحد يهون من شأن التحديات التي تواجه بلادنا وبعضها مرشح لمزيد من التعقيد.

وهذه كلها دواع تؤكد إلحاحية مطلب المصالحة وتبين اتساع مدلولها وتعدد الدوائر المعنية بها فهي أوسع من أن تكون صفقة ثنائية أو ترميما لعلاقة بين طرفين.

أما بخصوص المصالحة بين السلطة والنهضة فلا أحد يمكنه التشكيك في استعداد الحركة وقابليتها لها بل وترحيبها بها وهي التي لا تفوت فرصة دون التأكيد أنّ تشريك كل فئات ونخب الشعب أفضل طريق لمجابهة التحديات الجسام التي تواجه البلاد.
غير أنّ إنجاز هذه المصالحة أو حتى الشروع فيها يتطلب ثقافة سياسية جديدة من مقوماتها التعايش بدل التنافي والإدماج بدل الإقصاء والإقرار في القانون والواقع بحق الجميع في الاجتهاد والاقتراح وتساويهم في حب الوطن والانتساب إليه والانطلاق من المصالح العليا للبلاد لا مصالح أي حزب أو فئة أو جهة.

كيف تترسخ هذه الثقافة الجديدة؟ تلك هي المسألة.

4 - الحوار نت: ما هو موقفك وربما موقف إخوانك ومن معك هناك من عودة بعض رموز الحركة إلى الداخل من مثل الدكتور عبد المجيد النجار؟ هل هو تعدد لمسارات الإصلاح أو هو إنقاذ للحركة أو هي هدية بالمجان لنظام ابن علي أو هو انشقاق داخلي أو هو انشقاق مرتب له؟
المهندس حمّادي الجبالي: مررت شخصيا بمحنة التهجير وأدرك جيدا رغم قصر المدة واختلاف الظروف ما تعنيه.
أما في السياق الحالي فتغيب عني كثير من تفاصيل هذا الموضوع ولذلك لا يمكنني إلا التأكيد على مجموعة من المبادئ الكبرى:
أولا: استمرار حرمان آلاف التونسيين من بلادهم لمدة عقدين معرة لا تليق بسمعة البلاد وتضر بمصالحها.
ثانيا: محبة الأوطان والحنين إليها والرغبة في العودة إليها حاجة فطرية إنسانية ثابتة.
ثالثا: الاستقرار الآمن في الأوطان وحرية التنقل فيها ومنها وإليها حق لا يجوز إخضاعه للابتزاز والمساومات.
رابعا: العلاقة بين الإخوان يجب أن تكون مبنية على الثقة والشفافية واحترام المتفق عليه إلى حين تغييره عند الإقتضاء والمؤمنون عند عهودهم.
خامسا: لا ضير من الاختلاف في وجهات النظر بل هو دليل حيوية وإحساس بالمسؤولية متى روعيت حقوق الأخوة وآداب التعايش وأرصدتنا الأخلاقية عند التعبير عن هذا الاختلاف.
فمسألة العودة على أهميتها مسألة جزئية ولا يمكن بحال القبول أن تبدد أرصدتنا الأخلاقية وأن تسمم المناخات وتوتر العلاقات.

ومن جهة أخرى لا أرى انشقاقا يهدد الحركة وما أظننا أننا نعجز عن إدارة الحوار بيننا في عظيم الأمور وفي صغيرها وأن نتواضع لما تفضي إليه شورانا ولا أرى سياقا جادا ومنتظما لطي ملف معرة التهجيز بل هو استمرار على نهج معالجة الملفات السياسية والحقوقية المهمة بأسلوب الجرعات الموظفة للتنفيس.

آمل أن تزال الحواجز بين التونسيين وأرضهم وأن تتاح لكل مهجر عودة آمنة كريمة ولكل مواطن حرية التنقل وأن يتم التخلي عن أساليب الابتزاز والمساومة المهينة للكرامة.

5 - الحوار نت: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن معركة الخلافة بعد ابن علي بين بعض أصهاره والعائلة المالكة من جهة وبين بعض رموز الحكم الظاهرين أو المستترين من جهة أخرى.. كيف ينظر المهندس حمادي للمسألة وما هو موقع المشروع الإسلامي الديمقراطي المعاصر في تلك المعركة.. هل ينحاز إلى هذا أو إلى ذاك أو هو حبيس الشلل وسجين الفرجة؟
المهندس حمّادي الجبالي: في أوطاننا العربية الكثير من المفارقات: ففي حين تجتاحنا قيم مجتمع الاستهلاك فتتنمط أذواق الناس وسلوكاتهم وأزياؤهم تترسخ غربة النظام السياسي العربي عن قيم العصر ومزاجه والثقافة السياسية التي تأخذ أبعادا كونية. ففي حين تنخرط أعداد متزايدة من الشعوب وتنعم ببركات الحكم الرشيد وتتواضع على قيمة الكرامة البشرية تشهد أوضاعنا نكوصا وردة عن بعض ما تحقق.

كنا نعد إرساء الجمهوريات خطوة إلى الأمام وهي كذلك وها هي ثقافة وتقاليد عصور الانحطاط تريد التشويش على هذا المكسب بل حتى الالتفاف عليه وسحبه مما أفرز وصفا عجيبا يجتهد المراقبون في نحت المصطلحات المعبرة عنه من مثل "العائلات الجمهورية" و"الجمهوريات الملكية" و "الاستبداد الديمقراطي" و "الأنظمة التسلطية الانتخابية"..
ومن المضحكات المبكيات أن نجد خمسة من الجمهوريات العربية لا ينشغل جهاز الحكم فيها اليوم إلا بتمهيد الطريق أمام توريث سلس ولا تنشغل نخبها السياسية المناضلة إلا بالبحث عن أنجع السبل للتصدي لهذه الفضيحة الجديدة.

في بلادنا ولغياب تعامل شفاف مع الشأن العام وإعلام مسؤول يبين حقائق الأمور تروج داخل النخب وفي الأوساط الشعبية إشاعات كثيرة عن مرشحين وصفقات نأمل أن تكون من نسج الخيال.

وفي كل الحالات لا يليق بسمعة بلادنا ولا بتاريخ نخبتنا ولا بنضج شعبنا أن تفكر جهة في إمكانية أن تدار شؤونه بعيدا عن إرادته الحرة وأن يبقى متخلفا عن مزاج العصر. إنّ مجرد التفكير في إمكانية التوريث في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين خطوة أكثر شناعة من إقرار الرئاسة مدى الحياة أواسط سبعينيات القرن الماضي.


6 - الحوار نت: هل تروي لقرائنا طرفة واحدة على الأقل من حياتك في السجن وواحدة أخرى على الأقل من حياتك في الحركة قبل السجن أو بعد السجن أو في المهجر.. طرف معبرة في أي اتجاه تريد..
المهندس حمّادي الجبالي: أكتفي بطرفة واحدة تبكي أو تضحك حسب زاوية النظر.

كنت سنة 2003 في عزلة انفرادية مغلظة في سجن صفاقس ولم يكن لدينا من وسائل الإعلام إلا بعض صحف نشتريها وتمن بها الإدارة علينا منا. كنا نقرأ تلك الصحف من حرفنا الأول حتى حرفها الأخير. قرأت حينها مقالا عن نية البرلمان الإيطالي مناقشة قانون يحمي رئيس الوزراء برلسكوني حينها من ملاحقات قضائية لتجاوزات اشتبه بارتكابها. سطرت في المقال على كلمة (حصانة immunite). بعد أيام عثر أحد الأعوان على الصحيفة واسترعى انتباهه السطر تحت الكلمة فأرسل بكل ضمير مهني المقال إلى الدوائر المعنية فتجشمت فرقة من أمن الدولة القدوم مباشرة من تونس لاستجوابي حول المقال وحول سر اهتمامي بذلك الموضوع وبتلك الكلمة.


7 - الحوار نت: مهندس حمادي.. ذكرى السادس من جوان: بماذا توحي إليك وما هي الرسالة بمناسبتها إلى أبناء الحركة في الداخل والخارج أو إلى السلطة إن شئت أو إلى المعارضة والنخبة أو إلى أي طرف آخر..
المهندس حمّادي الجبالي: أجدد التحية لكل الشهداء والمناضلين وللشيخ الصابر الصادق شورو ولزعيم الحركة الشيخ راشد ولكل العاملين في كل المواقع وإلى شركاء الوطن عسى أن نلتقي على أرضية مشتركة إذ أنّ الممارسة العملية تقرب الفرقاء وتزيل سوء الفهم فضلا عن القناعة بإمكان تعدد الحلول للمشكل الواحد وتنوع المداخل لمعاجلة قضايا التغيير والإصلاح في بلادنا: فالعدالة الاجتماعية مدخل والليبرالية السياسية مدخل وحقوق المرأة مدخل وحقوق الإنسان مدخل والثقافة والتربية مدخل والوحدة المغاربية والعربية مدخل ولا ضير في أن تختلف درجات تركيز فرق الإصلاح والتغيير على هذا العنصر أو ذاك.

في ذكرى التأسيس لي قول في بيان التأسيس: كلما قرأت ذلك البيان تأكد أنه ولد كبيرا لا لأنه تضمن حلولا لما قد يطرحه المستقبل من مشكلات بل لأنه أشر على منهج جديد في الاجتهاد والفهم يؤلف بجرأة بين الأصل والعصر ومنهج جديد في العمل يبحث عما يجمع أكثر من بحثه عما يفرق وتلك هي بعض معاني بيان التأسيس التي تثبت الأيام جدواها.

مع دعائي بالتوفيق.


8 - الحوار نت:: مهندس حمادي.. شكرا جزيلا على قبولك إجراء حوار معنا وحتى نلتقي في مناسبات قابلة تفضل بتلقي أطيب الكلام وأحر السلام.

الحوار نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.