بدأت قناة «تونس 21» في النصف الثاني من شهر رمضان بثّ مسلسل «صيد الريم» الذي تنتجه مؤسسة التلفزة التونسية، وكتبت السيناريو له رفيقة بوجدي فيما أخرجه علي منصور، الذي يعود الى التلفزيون بعد سنوات كثيرة ليقدم للمشاهد عملاً درامياً مميزاً من كل الجوانب. أمّا المنتج المنفذ فهو نجيب عياد الذي قدم للتلفزيون التونسي عدداً من الأعمال الناجحة من قبل. يطرح «صيد الريم» للمرة الأولى في الدراما التونسية قضية التحرش الجنسي بالمرأة بجرأة واضحة وبأسلوب فيه الكثير من الحرفيّة والدراية بخبايا المجتمع، من خلال تقديم صور عن حياة فئة مهمة من المجتمع التونسي، هي فئة «بنات المعمل» كما يصطلح على تسميتهن في تونس، أي عاملات مصانع الخياطة. هذه الفئة التي تمثّل عالماً بحد ذاته بكلّ مشاكله ومتناقضاته وحكاياته، حيث الفتاة التي تبحث عن الزواج بكلّ الطرق وبأسرع وقت، والمرأة الثرثارة التي لا همّ لها سوى الحديث عن الآخرين ونقل أخبارهم، والفتاة العانس، ثمّ الفتاة التي تسعى الى تثبيت مكانتها في العمل ولو من خلال علاقات غير شرعية بمرؤوسيها. كل هذا إضافة إلى الشاب الذي يعيش على استغلال زميلاته بوعدهنّ بالزواج لابتزازهنّ مادياً وجسديّاً معتمداً على وسامته. عالم خفي هذه الأجواء تتوافر كلّها في مصنع الخياطة الذي يبدو في ظاهره عالماً واضحاً وبسيطاً لكنه يخفي من المكر والتعقيد ما يسمح بتقديم صورة واضحة عن جانب مهمّ من المجتمع، حيث رب العمل الذي لا يجد أدنى مقاومة في صيد الريم (كنية عن الفتيات الجميلات). إلى جانب فضاء آخر هو الحيّ الشعبي المنغلق على مشاكله وهمومه والذي تنحدر منه غالبية العاملات وهو بحد ذاته عالم آخر من المتناقضات حيث وجه آخر من أوجه المجتمع يقدمها سكان هذا الحيّ الذين هم في معظمهم فقراء للحد الذي يجبرهم على البحث عن لقمة العيش خارج أسواره، لتكون محطة سيارات الأجرة ملاذاً ولكن هذا الفضاء تحكمه القوة الذكوريّة، حيث يشهد الأب على التحرش المستمر بابنته الصغيرة والجميلة والتي ستنهار بمجرد تركها العمل في المحطة والالتحاق بالمصنع حيث ستنساق نحو رغبات صاحب العمل الحاكم بأمره وينتهي بها الأمر إلى الانتحار، وهنا يظهر دور الأخت الصغرى التي نالت نصيباً من العلم لتنهض من صمتها وتسعى للانتقام. في الضفة الأخرى من المسلسل تبرز فئة اجتماعية أخرى هي طلبة الجامعات، وعلى رغم أنّ العمل قدم تلك الفئة مادياً أكثر ارتياحاً، إلاّ أنه لم يخف عديد المشاكل التي تعيشها من علاقات الحب والكره والانتقام والخوف والغدر والجشع والسخرية... في كلّ هذه الفضاءات التي اختارتها كاتبة السيناريو يقدم العمل للمرة الأولى على الشاشة التونسية وفي التلفزيون الرسمي قضيّة حرجة من أهمّ القضايا المسكوت عنها في المجتمع التونسي، وإن كانت أعمال أخرى قد تطرقت اليها بأشكال مختلفة، إلاّ أيّاً منها لم يكن بالجرأة والوضوح في طرح القضية والحديث عنها بجرأة. «صيد الريم» مثّل منعرجاً مهماً في تاريخ الدراما التونسيّة. هذا العمل قدم رؤية جديدة على مستوى المعالجة الدرامية وبناء الأحداث، أمّا على مستوى الأداء فقد أكد المسلسل أنّ تونس كانت وما زلت منجماً لطاقات تمثيليّة كبيرة يمكنها أن تقدم الإضافة الى المشهد الدرامي العربي متى كانت الفرصة متاحة أمامها. وإخراجاً لا يختلف اثنان في تونس على القيمة الفنيّة العالية للمخرج علي منصور الذي حتى وإن غاب سنوات عن الدراما إلاّ أنه كلّما أطلّ قدم عملاً مميّزاً.