لم يخطئ رجال السياسة في فرنسا حين عبّروا عن استيائهم من "استهجان" النشيد الرسمي الفرنسي في مباراة كرة القدم التي جمعت المنتخب الفرنسي والمنتخب التونسي قبل أيّام ...لكنهم أخطأوا حين دعوا إلى وقف المباراة مع منتخبات شمال "إفريقيا" وحين مسّت تصريحاتهم شعوب المنطقة. بعض هذه التصريحات لم تخل من عقلية من المفروض أنّه تمّ تجاوزها منذ عشرات السنين حين حصلت هذه البلدان على استقلالها وبنت سيادتها ما حصل في مباراة المنتخب الفرنسي لكرة القدم والمنتخب التونسي من "تصفير" وصراخ عند عزف النشيد الرسمي الفرنسي،أمر مرفوض ولا يمكن أن يقبل به أيّ كان.. لكن قبل التعبير عن أي موقف وقبل توجيه أي اتهام، لا بدّ من طرح سؤال : من قام بهذا العمل؟ ولماذا قاموا به؟. الستون ألف متفرج الذين حضروا المباراة لم يأتوا كلهم من تونس أو من الجزائر أو من المغرب،إنّ الأغلبية الساحقة منهم حاصلون على الجنسية الفرنسية ...ولدوا وتربّوا وتعلّموا هناك.وإن كانت "أصولهم مغاربية" (كما يقولون)، وعليه إذا كان لابد من توجيه اتهام فإنّه يُوجّه إلى السّياسة الرسمية التي عجزت عن إدماج هؤلاء في المجتمع الذي ولدوا فيه وتمدرسوا وتعلّموا. هذا هو مربط الفرس !.. رجال السياسة في فرنسا من المفروض أن يبحثوا عن آليات جديدة وسبل أخرى لإدماج الجيل الثاني والثالث من المهاجرين لا أنْ يوجّهوا الاتهامات التي لا تخلو من روح استعمارية قديمة. قبل نحو ثلاث سنوات، قامت الدنيا ولم تقعد في الضواحي الباريسية بسب احتجاج مجموعة من الشباب على مقتل مهاجر وبدل التحقيق في هذه الحادثة وجهت اتهامات ونعوت لسكان الضواحي منها أنّهم "أوباش" فحصل ما حصل وقتها واشتعل حريق الضواحي الذي هزّ فرنسا كلّها. المهاجرون في فرنسا باختلاف أجيالهم يعانون ومشاكلهم لم تعد خافية على أي كان: مشاكل البطالة والمعاملة غير العادلة،فمن الطبيعي أن يولّد ذلك ردود فعل تظهر من حين إلى آخر وتأخذ أشكالا مختلفة. وما حصل في مباراة المنتخب الفرنسي مع المنتخب التونسي،وقبل ذلك مع المنتخبين الجزائري والمغربي يمكن النظر إليه من هذه الزاوية رغم أنّه تم تضخيم ما حصل، فقد صرّح ميشال بلاتيني (رئيس الإتحاد الأوروبي لكرة القدم وأحد أهم رموز كرة القدم في فرنسا) أن "قصة صافرات الاستهجان أصبحت قضية سياسية بامتياز لا علاقة لها بالرياضة" وقال في حوار مع صحيفة لوموند نشر يوم السبت الفارط:"قبل 30 عاما عندما كنت ألعب مع فرنسا، كنّا نسمع أحيانا هذه الصّافرات عند عزف النشيد الوطني الفرنسي، في تلك الحقبة لم يكترث السياسيون بكرة القدم ولم يحدث مثل هذا الفعل أيّة صدمة لدى أي منهم". من حقّ رجال السياسة في فرنسا (وأي مواطن فرنسي) أن يدافعوا عن النشيد الرسمي لبلادهم وأن يرفضوا أي "استهجان" له (ميشال بلاتيني قال إنّ هذا الأمر لا يشكّل سبّا لفرنسا وإنّما نوعا من أنواع التظاهرضدّ منافس رياضي").. ومن حقّنا أيضا أن نرفض أي تصريحات تسيء لنا.