أعاد حجز العدد الأخير من صحيفة "الطريق الجديد" الأسبوعية لسان حال حركة التجديد التونسية المعارضة، الجدل حول الحريات الصحفية في البلاد أشهرا قليلة قبل الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في أكتوبر تشرين الثاني المقبل. وقال احمد إبراهيم الأمين الأول لحركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) ومرشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة في مؤتمر صحافي عقد الأربعاء بمقرّ "الطريق الجديد" إنّ" الحجز الذي استهدف الصحيفة غير قانوني وهو اعتداء على حرية الصحافة". ويتابع :"لم يتمّ عرض الصحيفة في أي نقطة من نقاط البيع بكامل البلاد وهذا اعتداء جديد على حرية التعبير..وهو تعدي على حقيّ في إعلان ترشيحي وإعلان وجودي كون الحجز هذه المرة استهدف العدد الذي يتضمن تغطية خبر إعلان الترشح للانتخابات المقبلة". و ترجع قيادات حركة التجديد اليسارية أسباب حجز الصحيفة إلى التغطية الإعلامية للتظاهرة التي أقيمت الأسبوع الماضي وأعلنت فيها عدد من مكونات اليسار التونسي ترشيح السيد أحمد إبراهيم إلى رئاسة الجمهورية، و تضمّن العدد المحجوز عنوانا بالبنط العريض رآه متابعون في تونس استفزازيا و غير مألوف وجاء فيه"سأنافس مرشح السلطة منافسة الندّ للندّ". وطالب إبراهيم خلال المؤتمر الصحافيّ السلطات التونسية، بالإقلاع نهائيا عن "الممارسات المتخلفة التي من شأنها أن تضرب في الصميم مصداقية المسار الانتخابي برمّته". كما لمح إلى وجود تيار داخل الحكم في تونس "يشدّ إلى الخلف " على حدّ تعبيره كون الجهات الرسمية نفت أي علم لها بعملية الحجز مما دفع بمسؤولي الصحيفة إلى اتهام جهة "مسؤولة ومتنفذة" بالوقوف وراء قرار حجز العدد الأخير. السلطات التونسية نفت من جهتها مساء الثلاثاء إتهامات مسؤولي الصحيفة حول الحجز وقال مصدر رسمي لوكالة "يونايتد برس إنترناشونال " إن "العدد الأخير من صحيفة "الطريق الجديد" الناطقة بإسم "حركة التجديد" لم يتعرض إلى أي قرار بالحجز، وبعكس الإدعاءات الصادرة عن الحزب، فإن الصحيفة موجودة في الأكشاك وهي توزع بصفة عادية، ومن دون أية قيود، شأنها في ذلك شأن كل الصحف الناطقة بإسم أحزاب المعارضة." الاتهامات الموجهة إلى الحكومة التونسية بالوقوف وراء قرارات حجز أعداد معينة من صحف المعارضة لتضمّنها مقالات "حساسة" أو مضايقة عمليات توزيعها، تكررت في الآونة الأخيرة. و تتهم صحيفتا "الطريق الجديد" و "الموقف" لسان حال الحزب الديمقراطي التقدمي السلطات بإتباع سياسة ممنهجة تهدف إلى ضرب حرية الإعلام قبيل الانتخابات المقبلة. وفي تصريحات خصّ بها "إيلاف" قال الإعلامي مرسل الكسيبي رئيس تحرير صحيفة "الوسط" التونسية إنّ"حجز مثل هذه الصّحف يعبر بلا شك عن ضيق أفق بالرأي الآخر وبالإعلام الحر، وأظن أن أجنحة ما داخل السلطة باتت تخشى من تجذر السلطة الرابعة وتطورها الى رقيب قوي على السلطة التنفيذية ". ويتابع الكسيبي الذي تحدث لإيلاف من ألمانيا :"استهداف هذه الصحف بالتحديد لايمكن أن يعني غير استهداف واضح للنشاط المعارض، اذ أن كلا من صحف "الموقف" و"مواطنون" و"الطريق الجديد" تمثل رئية اعلامية لثلاث أحزاب قانونية خرجت عن المألوف في أفق انتظارات السلطة، وهو ماجعلها تتعرض دون غيرها الى هذا الاستهداف المتجدد." واستنادا إلى الكسيبي فإنّ السلط التونسية تبدو مهمومة بالحفاظ على حالة الصمت التي فرضتها بقوة الأمن لابقوة القانون أو بقوة الحجة على حد تعبيره،" وهي لذلك تبدو في أحيان كثيرة غير مكترثة بتشوّه صورتها الخارجية على صعيد حرية الاعلام أو حتى على صعيد الحريات وحقوق الانسان بوجه أعم. ويرى رئيس تحرير "الوسط" المحجوبة في تونس أنّ الحكومة " ترصد عن كثب ردود الأفعال ومواقف المنظمات المحلية والدولية التي تدافع عن الحريات الصحفية، من باب أنها تخشى من توسع الهوة، وتجرأ مزيد من رجال الاعلام على خرق حالة الحصار المفروضة على الكلمة الحرة، هذا علاوة على مخاطر وتداعيات تراجع هذه الصورة على مكانتها الاقليمية والدولية. و اتهم الكسيبي ما سماها " بعض الجهات داخل السلطة المهووسة بتداعيات كرة الثلج الاعلامية" بالوقوف وراء التضييقات على الصحافة و تابع:" تخشى هذه الجهات من فتح ملفين هامين هما محل تساؤل الكثير من التونسيين، فقضايا الحريات وحقوق الانسان علاوة على قضايا الفساد، وهي من القضايا المؤرقة التي تتجنب بعض الجهات فتح ملفاتها أمام مرأى ومسمع الرأي العام، ومن ثمة فانه من المهم بالنسبة لهؤلاء غلق كل الفضاءات الاعلامية الحرة التي تشكل عدسة دقيقة على ما يشق الفضاء العمومي من خروقات أو تناقضات أو اكراهات مثيرة". وبخصوص التصعيد الأخير ضدّ عدد من الصحف المعارضة في تونس و تواصل سياسة حجب المواقع و المدونات الالكترونية التي تعنى بالشأن العام، و تأثير كل ذلك على المشهد الإعلامي اشهرا قليلة قبيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية اعتبر الكسيبي المشهد الإعلامي في البلاد منقسما الى 4 أقسام رئيسة هي الاعلام الرسمي والاعلام شبه الرسمي والاعلام الحزبي المعارض وأخيرا الاعلام الحر أوالمستقل. "أما بالنسبة للصنف الأول فلا تطور يذكر بشأنه وبخصوص الصنف الثاني فقد بدأنا نرصد حالة من التمرد ومحاولات الخرق من خلال بعض البرامج الحوارية ذات الصبغة الثقافية أو الاجتماعية ويمكن اعتبار قناة "حنبعل" واذاعة "موزاييك" مثالا لهذا الصنف الاعلامي شبه الرسمي. وفيما يتعلق بالإعلام الحزبي المعارض والإعلام المستقل فإنهما باتا يشكلان مصدر حراك سياسي قبيل مشهد الاستحقاق الرئاسي، وهو مايعني أن كليهما يمثل زاوية أخرى أو عينا أخرى على هذا المشهد الذي تغيب فيه الفرص السياسية والمادية المتكافئة "وفي تقديري فان أي انتخابات حرة ونزيهة بلدية أو تشريعية أو رئاسية لايمكن أن تقع دون تحرير وسائل الاعلام ورفع الوصاية عنها". ويتفهم الإعلاميّ التونسي المقيم بألمانيا "وجود اعلام رسمي وهو أمر ضروري ومشروع، غير أنه "لا يتفهم في بلد له كل هذا الرصيد الحضاري والثقافي وكل هذه الثروة البشرية وكل هذه النخب الاعلامية سياسة حجب الصحف والاذاعات الالكترونية والمدونات وغلق مواقع "اليوتوب" و"الدايلي موشن" ومواقع المنظمات الدولية لحقوق الانسان،و منع الصحف من التوزيع أو مصادرتها من الأسواق أو احالة بعضها على المحاكم، أو منع موجات الأثير أو البث الهرتيزي على الاذاعات والفضائيات الوطنية المستقلة". ويختم الكسيبي بالقول:"مازلت آمل أن يكون مشهد الاستحقاق الرئاسي فرصة ثمينة لمراجعة ما اختل أو اعتل من سياسات اعلامية سابقة أو راهنة ".