شنت صحف وشخصيات معارضة في تونس هجوما على الحكومة التونسية والسفارة الفرنسية على خلفية انعقاد ندوة بالعاصمة التونسية مطلع فبراير، عُرِضت خلالها شهادات حول المحرقة التي يقول اليهود إنهم تعرضوا لها على أيدي النازي، فيما وصفه المنتقدون بأنه محاولة لفرض التطبيع مع إسرائيل، بحسب تقرير لإذاعة هولندا العالمية الجمعة 19-2-2010. واتهم معظم المنتقدين للندوة التي نظمها "المعهد الفرنسي للتعاون"، وعقدت بإشراف من السفارة الفرنسية في تونس، في إطار ما يعرف بمشروع "علاء الدين" الذي انطلق في العام 2009، فرنسا والحكومة التونسية ب"الاعتداء على مشاعر المواطنين في تونس باستضافة شخصيات صهيونية ومحاولة فرض التطبيع مع إسرائيل تحت غطاء حوار الثقافات والتسامح"، بحسب تقرير الهولندية. وقال الإعلامي التونسي نور الدين مباركي، وهو محرر بجريدة "الوطن"، لسان حال حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ذي التوجهات القومية إن مشروع "علاء الدين" "هو مبادرة متكاملة للتطبيع وجاء متناغما مع محاولات إسرائيل اختراق النخب العربية والإسلامية". وقال لإذاعة هولندا العالمية: "ما تعرض له اليهود (يقصد الهولوكوست) لا يمكن إنكاره، لكن أن تتحول المحرقة التي لا دخل للعرب والمسلمين فيها إلى شماعة يستغلها الكيان الصهيوني فذلك مرفوض". وكانت العاصمة التونسية قد استضافت في الثاني من فبراير "لقاء أدبيا وفكريا"، بحسب وسائل الإعلام التونسية، تم خلاله عرض شهادات وذكريات حول الهولوكوست، أو ما يعرف بالمحرقة التي يقول اليهود إنهم تعرضوا لها في الحرب العالمية الثانية في أوروبا على أيدي النظام الألماني النازي. وذكر الإعلام التونسي في حينه أن اللقاء الذي جرى فيما يعرف ب"المكتبة المعلوماتية" في العاصمة تونس "يأتي في إطار برنامج علاء الدين الذي يحمل دلالات رمزية تعبر عن التنوير والمعرفة وإقامة جسور بين مختلف الثقافات والحضارات". وقال محمد حسين فنطر، المشرف على مؤسسة "كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان" والذي حضر اللقاء المثير للجدل، إنه "لا مناص بالنسبة للتونسيين من مساندة هذا البرنامج باعتبار انتمائنا إلى فضاء مفتوح، نحن مستعدون لإقامة صلات مع كل الشعوب على اختلاف قومياتها ودياناتها ولغاتها". وكرسي بن علي لحوار الحضارات هو مشروع أطلقه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في العام 2002، ويهدف إلى "تعزيز التقارب بين الشعوب والانفتاح على الآخر واعتماد الحوار والتفاهم أساسا للتعايش"، بحسب بيان تأسيسه. استفزاز! وكان أكثر من أثار انتقادات معارضي التطبيع في تونس من ضيوف الندوة هو المؤرخ والمحامي الفرنسي من أصول رومانية سارج كلارسفيلد، حيث وصفته أوساط تونسية معارضة بأنه "من الشخصيات المعروف بأن لها علاقات عضوية مع إسرائيل". وشنت صحيفة "الموقف" التونسية الأسبوعية المعارضة هجوما حادا على كلارسفيلد في افتتاحية عددها الصادر بتاريخ 5 فبراير الجاري، قالت فيها: "السيد كلارسفيلد معروف بتتبعه للنازيين الألمان وعملائهم في فرنسا، وهو معروف بعلاقته العضوية مع إسرائيل، إذ أسس جمعية (يتامى يهود فرنسا المبعدين إلى ألمانيا) التي بنت معلما تذكريا في إسرائيل". وقالت الصحيفة إن كلارسفيلد "يستغل المحرقة للتسويق للصهيونية"، وإن استضافته في تونس "استفزاز لمشاعر التونسيين". أهداف أخرى! وتأسس مشروع "علاء الدين" الذي جاءت في إطاره الندوة في العام 2009 تحت إشراف منظمة اليونسكو، وبمبادرة من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، بهدف "إقامة جسور بين مختلف الثقافات والحضارات" و"التعريف بتاريخ معاناة اليهود في المحرقة النازية"، بحسب وثيقته التأسيسية. وانطلق العمل به رسميا يوم 27 مارس 2009 في مقر اليونسكو بالعاصمة الفرنسية باريس بحضور شيراك والمستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر والرئيس السنغالي عبد الله واد، ويضم مجلس رعاية المشروع شخصيات عربية من بينها الأميرة هيا آل خليفة من البحرين، والأمير حسن طلال رئيس منتدى الفكر العربي في الأردن. وشهدت بعض المدن العربية والإسلامية منذ إطلاق البرنامج ندوات وأمسيات ثقافية خصصت لمحاربة الأفكار التي تنكر وجود الهولوكوست، إلا أنه لاقى انتقادات من مثقفين ونشطاء عرب ومسلمين، رأوا لهذه المبادرة أهدافا أخرى لتشجيع التطبيع مع إسرائيل، باعتبار تركيزها على المنطقة العربية والإسلامية. ولا تقيم الحكومة التونسية حاليا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إلا أن تقارير إعلامية تتحدث عن تعاون تجاري كبير بين البلدين، إلا أن هذه التقارير لا تشير إلى أرقام محددة. كما تصاعدت الانتقادات داخل تونس ضد الحكومة في السنوات الأخيرة على خلفية زيارات قامت بها وفود طبية وأكاديمية إسرائيلية إلى تونس، وكان آخرها مشاركة وفد إسرائيلي في مؤتمر "الجغرافيين العرب" الذي عقد في العاصمة التونسية في 2008. ويعتبر الاحتفال السنوي الشهير الذي يقيمه آلاف اليهود في كنيس "الغريبة" اليهودي بجزيرة جربة، من أكثر المناسبات التي يثار فيها جدل التطبيع في تونس، مع وجود إسرائيليين ضمن اليهود الذين يشاركون في الاحتفال، وبحسب إحصائية أوردتها الهولندية، فإن احتفالات العام الماضي شهدت توافد قرابة أربعة آلاف يهودي على تونس، من بينهم أكثر من ستمائة إسرائيلي.