: كعادة كل شمس شتويّة تبزغ فجأة في سماء عبوس تعربد فيها سحب مثقلة تلقي بظلال عتمتها على الأرض ، ظهرت الإذاعة الجديدة "شمس أف أم" لتستهل بثها تماما كما ظهرت كل من إذاعة "موزاييك" واذاعة "جوهرة" والاذاعة الدينية "الزيتونة" دون صخب قانوني ولا حراك اجرائي، وبدعاية إعلامية منقطعة النظير هذه المرة زحفت على كل الفضاءات الاعلانية للصحف والاعلام السمعي البصري الحكومي والخاص على حد سواء، كما نظم للغرض حفل افتتاح، يظهر من خلال ما تسرب من صور، أنه حفل بهيج يحتفي بقدوم مولود جديد في ظروف أكثر غموضا من تلك التي ظهرت فيها الرضيعة المختطفة "سارة" في حياة العائلة التي قامت باختطافها (التشبيه يتوقف عند غموض عدم ظهور بوادر الحمل القانوني ولا يتجاوزه إلى الاختطاف). ومثلما لم يخرج الترخيص الجديد عن الحدود الدموية التي تسيج دائرة المنتفعين به خلال السنوات الأخيرة تم المحافظة على الجو العائلي الحميمي لحزمة ذبذبات "الأف أم"، بعد أن أسند الترخيص الأخير نفسه إلى ابنة رئيس الدولة السيدة "سيرين بن علي"، لم تختلف ردود الأفعال المشيرة بإصبع مُشهرة نحو التساؤل عن سبب رفض منح التراخيص لعدد كبير من الخواص الذين سبق وأن تقدموا لوزارة الاتصال والوكالة الوطنية للترددات المسؤولة عن إسناد التردَدات الرَاديويَة، ولم يتلقوا أي رد سواء بالرفض أو بالإيجاب وهو ما دفع بأصحاب مؤسسة "الإعلان" التي تُصدر جريدة "الاعلان" في العدد الصادر يوم 24 ديسمبر2010 الى التساؤل" لماذا تظل بعض المطالب دون ردود"؟ مذكرين بأن مؤسستهم قد "تقدمت منذ سنتين بمطلب لوزارة الاتصال للحصول على رخصة "راديو" لكنها لم تحصل الى اليوم على أيّ رد". تساؤل ادارة مؤسسة الاعلان وغيره من المؤسسات والأشخاص الذين ينتظرون حُنُوّ سلطة الاشراف لتُوسع دائرة الاستجابة لمطالب تراخيص الإذاعات خارج أسوار "الفاميليا" (تماما كما كانت احدى الصديقات أيام الجامعة تنتظر أن تنفتّح أغلب العائلات الصفاقسية على تزويج أبنائها من غير بنات الجهة، حتى تتمكن من الزواج بالرجل الذي تحب، وقد نالت أمنيتها مؤخّرا فهنيئا لها والعاقبة لمنتظري تراخيص الراديو). من المستبعد أن يجد إجابة شافية من وزير الاتصال الذي قال بعد الاعلان عن منح الترخيص لإذاعة "شمس أف أم ان "إحداث هذه الإذاعة يأتي في سياق دفع المبادرة الخاصة في قطاع الإعلام.." ولم يذكر وزير الاتصال لماذا تأخرت عمليّة دفع المبادرة الخاصة كل هذا الوقت رغم أن بعض المطالب قد احتبست في أدراج المسؤولين عن القطاع منذ أكثر من عشر سنوات؟ ولماذا لا تنشط عملية الدفع الا اذا تعلق الأمر بالمنافسة العائلية المغلقة على احتلال الحيز الإعلامي ومراكمة المنابر لاستغلالها في تدعيم الأذرع الاقتصادية والسياسية الممسكة بكل القطاعات. ولأن المبدأ يقتضى أن يتمتع كل من يتوفر في ملفه الشروط القانونية لبعث هذا النوع من المشاريع فقد يفاجأ البعض بحقيقة أن جميع الطيف الإذاعي العائلي الخاص الذي أنشأ منذ بداية عملية "دفع المبادرة الخاصة" قد نشأ وفقا ل"سلطة تقديرية" لا تستند إلى أي اساس قانوني على اعتبار أن قانون 7 ماي 1997 (القانون الاساسي للاذاعة والتلفزة)قد أكد ما جاء في الأمر العلي الصادر في أفريل 1957 والذي ينص على احتكار الدولة لمؤسسات الإعلام السمعي البصري، وهو ما يجرّد عمليّة الترخيص للخواص في قطاع السمعي البصري من أي أرضية قانونية واضحة ويجعل أي مبادرة من هذا النوع لا تخضع سوى لأمر رئاسي يجعلها في ظرف أقل من خمس ساعات "تسير على بركة الله". هذه المعطيات يؤكّدها ردّ وزارة الاتصال على الدعوى التي تقدم بها الصحافي زياد الهاني مطالبا بتمكينه من ترخيص لمشروعه إذاعة "صوت قرطاج" أُسوة بمن سبق وأن غنموا الترخيص، حيث تضمن الرد اقرارا بأن القانون التونسي لا يزال يقيم حظرا على ملكية الخواص للمؤسسات الإعلاميّة السمعية البصرية، وأن المطالبة بالمساواة بمن ابتسم لهم القدر الأرضي لا تستقيم لأن لأصحاب القدر الوضعي وحدهم صلوحية البت في من يستحق الترخيص لإذاعة ومن يستحق العقاب على مجاهرته بمطلب المساواة. وقد يبدو الأمر أكثر غرابة عندما تتيح سلطة الاشراف لهذه الإذاعات دعم طاقمها البشري بتوظيف من يعملون في مؤسسات عمومية وفق نظام التعاون الفني أو وفق صيغ العمل المزدوج في الحكومي والخاص في الان ذاته، وهذا ما يحجره القانون بشكل واضح. ولكي لا يبدو الأمر وكأنه محاولة مبيتة لتنغيص فرحة "شمس أف أم" ببزوغها رغم كسوف الشموس الأخرى، فيجب التأكيد على أن ملكية الإذاعات الخاصة هي حق لكل من يستجيب مطلبه لشروط قانونية واضحة ودقيقة، هذا في ظل فرضية إحداث قانون يلغي بشكل بات احتكار الدولة للمؤسسات وينظم انتصاب الخواص في القطاع، على ألا تبقى ملكية هذا النوع من المشاريع حكرا على محيط القصر وأن تنفتح المبادرة الخاصة لتشمل جميع الأطياف الأخرى وتنتشر الاذاعات على الصعيد الجهوي والمحلي وتنفلت المضامين من الأحاديّة القاتلة..وبالتالي تتأكد أحقية "شمس أف أم" بالظهور في زمن الشروق العادي وتشرق شمس الحق..لتشع على الجميع وتبعث فيهم دفء العدالة.