بمناسبة إضراب الفاهم بوكدوس عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحه، أقدّم لأصدقائي فكرة موجزة عن إضراب الجوع داخل السجن خاصة وأنني كنت قد عشت هذه التجربة سابقا. يلجأ السجين إلى إضراب الجوع للضغط على السلطة وللتعريف بقضيته لدى الرأي العام الداخلي والخارجي عندما تفشل كل المحاولات الأخرى من أجل الاستجابة لمطالبه. إن إضراب الجوع داخل السجن يختلف عنه خارجه. فالسجين يكون في مواجهة مباشرة مع إدارة السجن ومحروما من الزيارات اليومية ومن الأخبار إلا ما يصله عن طريق الزيارات العائلية التي لا تدوم سوى بعض الدقائق وتخضع للمراقبة الشديدة من طرف الإدارة التي قد تقطعها إذا تضمنت أخبارا أو معطيات حول إضرابه. كما أن ظروف السجن القاسية تزيد من معاناته (اكتظاظ، ضجيج، أوساخ، تدخين...). يبدأ المضرب عن الطعام إضرابه داخل السجن بقرار يتخذه هو بالتشاور مع عائلته. بعد ذلك يعلم السجين عائلته بتاريخ الإضراب. في اليوم الأول من الإضراب يصدر المضرب بيانا موجها إلى الإدارة يعلن فيه عن إضرابه وعن مطالبه. وقد جرت العادة أن تتجاهله الإدارة في الأيام الأولى وتكلف بعض أعوانها من المساجين بمراقبة المضرب والتثبت من مدى جديته في تمسّكه بالإضراب مع محاولة إقناعه بعدم جدوى إضراب الجوع وأنه لن يجني منه سوى الإعاقة والألم. وعندما تتأكد الإدارة من أن المضرب مصرّ على مواصلة إضرابه تستدعيه لمساءلته حول الإضراب ومحاولة إقناعه بقطعه وإعطائه وعودا بأن قضيته في طريقها إلى الحل. لكن لا بد من التأكيد أن سلوك الإدارة هذا ليس ثابتا ويختلف حسب الزمان والمكان ونوعية القضية. فالتعامل مع مساجين الحق العام يختلف عنه في التعامل مع مساجين الرأي، وقد نجد بعض الاختلافات من سجن إلى سجن آخر. كما أن التعامل مع المضربين عن الطعام في بداية وأواسط التسعينات يختلف عنه في بداية القرن الجديد. وحسب شهادات المضربين عن الطعام في بداية وأواسط التسعينات فإن إدارة السجن تعتمد أسلوب القمع المباشر في التعامل معهم. فما إن يصل خبر دخول سجين في إضراب عن الطعام حتى تبادر الإدارة إلى معاقبته بوضعه في السجن الانفرادي (السيلون) وقد يصل الأمر إلى تعذيبه واستعمال "الحقنة" معه أي إدخال الأكل من خلال دبره. لكن مع بداية القرن الجديد تراجعت السلطة بعض الشيء في تعاملها مع المضربين عن الطعام وخاصة مع من أصبحت قضيتهم معروفة لدى الرأي العام الداخلي والخارجي. في الأيام الأولى يشعر المضرب برغبة في الأكل لكن شيئا فشيئا تختفي هذه الرغبة ويبدأ الجسم بالتعوّد على الجوع. يشرب المضرب الكثير من الماء والقليل من السكر، وهناك بعض المضربين يتناولون القليل من القهوة والشاي. بعد الأسبوع الثاني يشعر المضرب بالدوار والغثيان ومع مرور الأيام يصبح غير قادر على التحرّك بمفرده. وقد جرت العادة أن يتمّ أخذ المضرب إلى طبيب السجن يوميا. والخطير في إضراب الجوع أن المضرب كلما تقدّم في الإضراب إلا وازداد إصرارا على مواصلته حتى النهاية وقد يتخذ إجراءات أخرى لمزيد الضغط من أجل تحقيق مطالبه، مثل رفض زيارة الطبيب أو رفض الدواء، وقد يصل الأمر بالبعض وخاصة مساجين الحق العام إلى الدخول في إضراب "متوحش" أي الكف عن شرب الماء وعن تناول السكر وغالبا ما يكون ذلك في آخر أيام الإضراب ممّا يشكل خطرا حقيقيا على حياتهم وقد يلقى بعضهم حتفه. إن إضراب الجوع هو من أكثر أشكال الاحتجاج داخل السجن. وهو يعتبر شكلا من أشكال النضال المشروعة رغم ما يشكله من خطورة على حياة صاحبه. وقد توفي بعض المضربين داخل السجون التونسية سواء كانوا من مساجين الرأي أو من مساجين الحق العام. كما أن العديد من المضربين خرجوا بأمراض وبإعاقات دائمة. هذه بسطة عن إضرابات الجوع داخل السجون التونسية، وقد تعطيكم فكرة عمّا يعانيه الفاهم بوكدوس، المضرب عن الطعام منذ يوم 8 أكتوبر الجاري، الآن داخل السجن، لكن ما يزيد من معاناته هو أنه مريض بمرض مزمن وخطير وهو مرض الربو الذي تزداد حدته مع كثرة التلوث والأوساخ والتوتر النفسي وقلة العناية الطبية. كما أن الدواء الذي تناوله الفاهم طوال سنوات عديدة له مضاعفات سلبية على صحته تطال القلب والرئتين وضغط الدم والكلى. لذلك فإن كل يوم يمرّ هو إنذار بإمكانية تعرض حياته للخطر، وهو ما يفرض التحرك العاجل من أجل إطلاق سراحه وإنهاء معاناته ومعاناة عائلته. عبد الجبار المدوري 15 أكتوبر 2010