"الشعب التونسي متعلم .. لماذا لا يتطوع لشغل هذه الوزارات..". هكذا تساءل رجل وهو يخطب في حشد من التونسيين. وبينما كان بعضهم يأكل الفشار وهم ينصتون للرجل التفت الحضور الى امرأة نحيفة وهي تخطب بصوت عال. قالت المرأة وهي تشير الى رئيس الحكومة المؤقتة الذي يتعرض لضغوط للاستقالة "سأقول لكم لماذا.. لان هناك اتصالات من الخارج. محمد الغنوشي يتلقى الضوء الاخضر من أمريكا. اذا قالوا له ابق فانه سيبقى. واذا قالوا لا فانه سيرحل." وتتعرض حكومة الغنوشي المؤقتة التي تشكلت بعد فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في 14 يناير كانون الثاني في وجه اضطرابات عنيفة لضغوط من جانب المحتجين المطالبين باستقالة شخصيات من الحرس القديم مازالت في السلطة. وقبل أسبوع فقط كان التونسيون يتابعون العالم من خلال المقاهي المنتشرة على الارصفة ولا يجرؤون على الجهر بارائهم خشية أن يكون الجالس على الطاولة المجاورة أحد أفراد الشرطة السرية. أما اليوم فانهم يقفون على قارعة الطريق يتحدثون بصوت عال ويتجادلون عمن يجب أن يبقى أو يرحل من الوزراء. وفي شارع الحبيب بورقيبة أكبر شوارع العاصمة التونسية تجمعت مجموعات من التونسيين للحديث في السياسة. كان كل من الحاضرين يشير باصبعه الى الاخر ويرفعون أصواتهم غير مبالين بمن يستمع الى ما يقولون. وغير بعيد عنهم وقف رجال الشرطة بعضهم يستند الى الاشجار في حين كان اخرون يستمعون بدون اهتمام للجدل المحتدم. وقبل بضعة ايام وقف رجل على صندوق أحمر وهو يعبر عن رأيه أمام المارة غير مبال بمن يهتم بالانصات اليه. وسخر اخر من الخطابات الجافة لبن علي أول زعيم في الشرق الاوسط تطيح به انتفاضة شعبية منذ عدة سنوات. وقال رجل طويل القامة يرتدي معطفا رمادي اللون "نحن نرفض بقاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي) في السلطة لكن يجب أن نعي أنهم يريدون هذه الفوضى حتى يستولي الجيش على السلطة. الجيش لا يعمل لمصلحة الناس." وشق رجل يرتدي الجينز ومعطفا من الجلد طريقه وسط الحشد معترضا وهو يقول "الجيش لا يمكنه اتخاذ أي قرار في تونس. 27 ألف جندي لا يمكن أن يهزموا 160 ألف شرطي." وقاطع رجل اخر المتحدث ليعبر عن رأيه. كان التغيير مثيرا. كان الحديث همسا هو الامر المفضل في وجود شرطة أمن الدولة في عهد بن علي لانه كما يقول المثل الشعبي "الجدران لها اذان". وحتى داخل سيارات الاجرة التونسية ذات اللون الاصفر لم يكن أحد يجرؤ على الحديث في السياسة. وغالبا ما كان رجال الشرطة السرية يستوقفون سائقي سيارات الاجرة لسؤالهم عن مكان اخر راكب استقل السيارة واين نزل منها. وكان السائقون لا يتحدثون مع الركاب خشية الوقوع في شرك رجال الشرطة. وقال السائق الاسعد الطرابلسي "في ظل النظام القديم ما كنت أستطيع أن أتحدث معك في هذا الحوار". وخارج مكتب رئيس الحكومة نصب شبان من المناطق المهمشة بوسط البلاد خياما وهم يحملون الاعلام واللافتات. وغطت الكتابات بعض جدران المباني في تونس. وكتب أحد المحتجين على حاجز معدني وضع لحماية فندق بوسط تونس العاصمة "الشرطة تقول لا للدكتاتورية". وكتب اخر على قصاصة ورقة تدلت من غصن شجرة بشارع الحبيب بورقيبة "لا عودة للوراء.. نعم للحرية". من لين نويهض Tue Jan 25, 2011 6:02pm GMT