ما أجمل كلمات النصر والفتح والظفر وحسن المعونة من الله عز وجل، وعودة دولة المسلمين العزيزة التي يرفرف على جبينها علم الحق والفرقان، إنها الغيث المحبوب بعد طول زمن الجفاف مع توالي الهزائم والانكسارات،ويقال نَصر الغيثُ الأَرض نَصْراً:غاثَها وسقاها وأَعانها على الخِصْب والنبات ،وما أحوجنا إلى غيث النصر وسقياه وخصبه ونباته وينعه، وقد طال الشوق وطال الانتظار،وما تخلف نصر الله يوما ولكن نحن من تخلف وعطل الأسباب التي تجلب الانتصار. قال الله عز وجل:"من كان يَظُنّ أَن لَنْ ينصُره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ "أي من ظن من الكفار أَن الله لا يُظْهِر محمداً ، على مَنْ خالفَه فليَخْتَنِق غَيظاً حتى يموت كَمَداً، فإِن الله عز وجل يُظهره، ولا يَنفعه غيظه وموته حَنَقاً،فناصر محمد باق على الدوام ينصر السائرين على دربه،وينصر الأوفياء لمحجته البيضاء علما وعملا ودعوة وانتصارا. فالنصر الحق إما ظفر بغلبة العدو وصد عدوانه وإما شهادة وخلود في الجنان ،قال تعالى:"قل هل تتربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون"قال ابن عباس:"الحسنيين:شهادة أو ظفر بكم".وأقول:الظفر أعظم أمنيات المسلمين في مجموعهم،والشهادة أعظم أمنيات أفرادهم.والمقاصد تصفو بقدر ما كانت النية إعلاء كلمة الله.والغرور يزول بإرجاع النصر إلى الله بعد بذل الوسع فيما تيسر من أسباب،قال تعالى:"وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم"فهو سبحانه خير الناصرين،قال تعالى:"بل الله مولاكم وهو خير الناصرين"قال القرطبي:الله متولي نصركم وحفظكم إن أطعتموه . وهوالمدافع عن المومنين،قال تعالى:"إن الله يدافع عن الذين آمنوا"و يرد كيد الكافرين وحتى من غير أن يسيل شيئا من دمائهم ،قال تعالى:"ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا"ووعد عز وجل المظلوم والمعتدى عليه بالنصر،قال تعالى:"ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور" كما أن معيته سبحانه تضعف شأن الكثرة الكافرة،قال تعالى:"إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين"فلا غالب للمسلمين مع نصر الله لهم،قال تعالى:"إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون"وأنه عز وجل لن يجعل للكافرين على المومنين سبيلا،قال تعالى:"فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"وهو سبحانه متم نوره ولو كره الكافرون،قال تعالى:"يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" والله يهيء للمومنين أسباب النصر،قال تعالى:"إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام"فيثبت الله الذين آمنوا ويلقي الرعب في قلوب الكافرين ،قال تعالى:"إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان"وقال تعالى:"وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم (أي من حصونهم)وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا"وقال عز وجل:"هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار"ويوهن عز وجل كيد الكافرين،قال تعالى:"ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين"و يجعل الغشاوة على أعينهم ،قال تعالى:"وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون"وينتقم الله منهم ،قال تعالى:"فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام" وينعم الله بإنزال السكينته على عباده المومنين،قال تعالى:"هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما"و يبارك الله في قتال ورمي المومنين المجاهدين، قال تعالى:" فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم" "و يقلل الكثرة الكافرة في أعين المومنين،قال تعالى:" إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور"و يمد عباده بجند من عنده،قال تعالى:"إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين"وقال سبحانه:"بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين"وقال أيضا:"يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا" ومن جهة الأمثلة والنماذج فقد نصر الله أنبياءه في معركتهم مع خصومهم،قالتعالى:"ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين،إنهم لهم المنصورون،وإن جندنا لهم الغالبون"وقال عز وجل:"كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز"فالله نصر نبيه نوحا و هودا و شعيبا وإبراهيم ولوطا ومن معهم ونصر موسى على فرعون،ونصر داود على جالوت،ونصر عيسى ومن معه،ونصر نبيه محمدا والمومنين معه،ونصر المسلمين بعده في مواطن كثيرة.كما أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر بأن العاقبة ستكون للمسلمين في معركتهم مع العدو، وبشر صلى الله عليه وسلم بتأييد الله لعيسى عليه السلام بنصره على الدجال.فنصر الله عباده المومنين عقيدة جازمة،وما بقي غير الانخراط في زمرتهم ونيل نصيب مما وقر في قلوبهم وصدقته أعمالهم،والسير خلف ما سلكوه من سبيل وأتوه من أسباب.