أين متقفو هذا الوطن من هموم التنمية ؟وماهي مساهمتهم المجانية بالعلم والعمل لبني جلدتهم الأقل منهم حظا في العلم والمال والمعرفة ؟, ولماذا تتحول الوطنية إلى نظام الدفع المسبق ككروت الهاتف النقال بمعنى أن نعمل لمن يدفع مسبقا ! الوسط التونسية- مقالات واراء- فوزي عمار اللولكي * : تعرف الثقافة بأنها قضية حسب المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد كما يعرف الاشاعرة الثقافة بأنها نضال ، أن مفهوم الثقافة لم يبق منحصرا في المجال الأدبي والنظري بل تجاوزه إلى مجالات أوسع كما تعرف اليونسيكو الثقافة بأنها : منظومة تظم السمات المميزة للأمة من مادية وروحانية وفكرية وفنية ووجدانية .. وتشمل مجموعة المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية المستقرة فيها وطرائق التفكير والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني وسبل السلوك والتصرف والتعبير وطرز الحياة كما تشمل أخيرا تطلعات الإنسان للمثل العليا ومحاولاته إعادة النظر في منجزاته والبحث الدائوب عن مدلولات جديدة لحياته وقيمه ومستقبله وإبداع كل ما يتفوق به على ذاته . ومن هذا المنطلق يمكننا أن نلخص الثقافة بأنها ليست الحديث بالنحوي كما يتصور البعض بل الجمع بين هموم الفكر وهموم الوطن كما تعرف العبادة بأنها الجمع بين الأيمان والعمل الصالح . أما مفهوم التنمية فلم يبق مقتصرا على الجانب المادي الصرف بل تجاوزه إلى مجال أوسع وأشمل . إنه حاليا أصبح يتضمن ما يسمي بالاقتصاد اللامادي وخاصة بعد تطور المجالات التكنولوجية ورسوخ مجتمع المعرفة. فأين متقفو هذا الوطن من هموم التنمية وماهي مساهمتهم المجانية بالعلم والعمل لبني جلدتهم الأقل منهم حظا في العلم والمال والمعرفة , ولماذا تتحول الوطنية إلي نظام الدفع المسبق ككروت الهاتف النقال بمعني أن نعمل لمن يدفع مسبقا . وأين مفهوم الكرم العربي القديم وأين مفهوم المسئولية الاجتماعية المعاصر ، ان الكرم العربي اليوم تحول إلي نكتة فلا يجد الضيف القادم من القرى إلي المدينة مكانا ينام فيه بأقل من 100 دل (لا يوجد دينار عربي ) علي الأقل في الليلة الواحدة ، ونحن امة تتغني كل يوم وليلة بالكرم الحاتمي . ان دولة مثل بريطانيا تقول الإحصائيات أن أكثر من 45 % من شعبها ينخرط في الإعمال الخيرية المجانية داخل وخارج الدولة ، فتري منضمة اهلية مثل مؤسسة اكوسفام البريطانية أول مؤسسة خيرية وصلت وتعمل في دارفور حتى ألان ، قال لي احد سكان دافور التقيته صدفه في مطار هيترو في لندن تستقبله منظمة اكوسفام : أين العرب والمسلمين من هذه القضية في بعدها الشعبي والإنساني والديني ؟؟؟. وانا أقول أين نحن من هذه الثقافة (ثقافة العمل الصالح ) ؟؟ اليس التاريخ الإسلامي مليئا بهذه المبادئ والعبر، والنصوص ؟؟ بداءا من الزكاة وصولا الي الصدقة ومرورا بالوقف الإسلامي ، قصص سيدنا عمر وتوزيعه الدقيق ليلا علي فقراء المدينة ، قول الامام علي : خير الناس من نفع الناس ، ولكن المشكل ان كل هدا تحول الي تاريخ ولم نستطع اليوم إدارة بيت من بيوت الشباب او توزيع ملابس واغذية لفقرائنا ولفقراء الدول الاشد فقرا علي غرار ما يجري في العالم المتقدم اليوم . تشير الإحصائيات الي وجود أكثر من 100مليون عربي امي يعيش تحت خط الفقر بأقل من دولار في اليوم ، أنا أتفهم ان نكون دولا متأخرة علميا وتقنيا ، ولكن ما لا افهمه أن نكون شعوبا ودول متأخرة إنسانيا واجتماعيا و حضاريا . لقد تحول المثقفون العرب بجميع تصنيفاتهم ( مثقفون داخل السلطة ، مثقفون خارج ألسلطة) من فئة تستشرف المستقبل الأفضل إلي منظرين ومفكرين ومهاجمين للأخريين ، ولا يري المثقف (المفترض ) إلا أخطاء غيره ولا يعترفا بأحد حيا سواه ، ويتحدث في كل الموضوعات وعندما يأتي الحديث عن العمل لا تري إلا غباره من سرعة الفرار . يقول المفكر محمد عابد الجابري : (إن المعرفة بالشيء لا تعني اكتسابه ) ، يقول أخر معللا إن سيطرة المستوي السياسي علي باقي المستويات مثل الاجتماعية والاقتصادية , والثقافية جعلنا نتأخر في هذه المجالات جميعها . ولكن من جهة أخري أتبث العمل الشعبي الغير منظم في تونس قدرة عالية جدا في دعم اللاجئين من أبناء الثورة الليبية ، فمثلا لقد استضافت مدن جنوبتونس وخاصة تطاويين قرابة خمس ألاف عائلة ليبية من النازحين إلي مخيمات اللاجئين دون توقع مقابل أو منة ، في صورة تعبر عن وقوف الأخ مع اخيه ونعم الجار الذي استضاف قرابة بلد بكامله ،وهدا ليس بغريب عن تونس وشعبها ، تونس التي ألهمت ثورة ليبيا ومن قبلها ألهمت ثورة مصر ، مصر الأخت الكبرى للعرب تستمد ثورتها من تونس وتعتبرها نموذجا يحتذي به ، وهذا إن دل علي شئ فانه يدل علي مدي رقي وأصالة الشعب التونسي ومدي ارتباطه باخوته الشعب المصري و الليبي والدي أتمني أن تستمر هدا العلاقة في جميع المجالات والبدء بالتخطيط معا في ليبيا وتونس للتنمية الثقافية تماما كالتخطيط للتنمية الاقتصادية وعلى أن يتصدر العمل الثقافي مقدمة الاهتمامات والأولويات وفي أولي أولياته ثقافة العمل الخيري( العمل الصالح ) وخاصة بين تونس وليبيا و تتحول إلي عمل منظم وتنمية مستدامة للشعبين وللثورتين ، ثورة الياسمين التونسية وثورة الصبار الليبية . فوزي عمار اللولكي * *كاتب من ليبيا -الوسط التونسية بتاريخ 22 ديسمبر 2011