يتناول كتاب "تاريخ الاسلام والمسلمين في فرنسا منذ القرون الوسطى الى اليوم" تحت اشراف البروفسور محمد اركون العلاقات بين الاسلام وفرنسا التي امتدت الى اكثر من الف سنة. وفي حديث، يقول اركون وهو بروفسور في جامعة باريس 3-السوربون الجديدة وبروفسور محاضر في العديد من الجامعات الاوروبية والاميركية ان هذا العمل الضخم يشكل "حدثا فكريا". ويضيف ان الكتاب "ليس قائما فقط على التذكير بالاحداث او الشخصيات، انما هو رواية لتاريخ لعلاقات بين فرنسا والاسلام من نظرة معينة، ومن الناحية النفسية والثقافية". ويعتبر ان الهدف من هذا الكتاب هو تكوين "ضمير مدني، مع نظرة تاريخية نقدية لدى الجانبين الى كل ما جرى"، لكي لا يبقى المسلم هو "الآخر"، انما مواطن بكل معنى الكلمة. ويروي العمل كيف ان معركة بواتييه، التي اوقف خلالها قائد الفرنجة شارل مارتيل عام 732 الفاتحين المسلمين والتي لا نملك اي وثيقة عنها، اصبحت "رواية تأسيسية في المسيحية، وتمت الاستعانة بها في ظل الجمهورية (الفرنسية) الثالثة وما بعد". ويقول اركون ان "خيال التلامذة الفرنسيين لطالما تأثر بهذه الجملة الواردة في كتاب التاريخ: شارل مارتيل اوقف العرب في بواتييه". ويضيف "كذلك فان تاريخ الاستعمار لطالما كان عبارة عن خطاب ايديولوجي حول دور فرنسا الحضاري لدى الدول المتخلفة". وهناك اساطير من الجانب المسلم ايضا، لا سيما بشان الحروب الصليبية التي يخصص لها الكتاب فصلين يظهران انها لم تكن حروبا على الاسلام الذي لم يكن معروفا جدا في الغرب في اواخر القرن الحادي عشر. ويعج الكتاب بروايات بعضها يثير الدهشة، مثلا حول وجود ارقاء مسلمين في جنوبفرنسا بين القرن الثاني عشر والخامس عشر، واسطورة الحشاشين، ومخططات الامبراطورية العثمانية بدمج اوروبا اليها، والتأثر بالعادات التركية في العهد الكلاسيكي، وعلاقة نابوليون بالمسلمين، وتاثير "الف ليلة وليلة" على الكاتب الفرنسي مارسيل بروست، الخ. وشارك نحو 75 مؤرخا وكاتبا في هذا العمل الذي يعد موسوعة حقيقية مؤلفة من 1217 صفحة ومؤلفة من اربعة اقسام (القرون الوسطى وعصر الحداثة والفترة المعاصرة والمرحلة الحالية) ومزودة بتسلسلات زمنية وصور مع تعليق. ويضاف الى كل ذلك وثائق من الحقبات المختلفة ومقتطفات من كتاب مثل امين معلوف وجان لاكوتور وجان دانييل وعبد اللطيف لعبي وصلاح ستيتيه. وفي مقدمة العمل، يعتبر المؤرخ جاك لوغوف ان تاريخ العلاقات بين فرنسا والمسلمين "يطغى عليه قبل اي شيء تناقض وهو انه رغم العداوة التي يظهرها الفرنسيون ازاء المسلمين الذين يلومونهم على هذا الشعور، فقد اقتبست فرنسا من القرون الوسطى حتى ايامنا هذه، امورا ثقافية وانسانية اغنت ولا تزال تغني حياتها الاجتماعية والفكرية". ويظهر هذا الاسهام الفكري والفني والعلمي حتى في اللغة التي يرد فيها كلمات مأخوذة عن العربية مثل الكيمياء والاكسير والجبر والسفر والقيثارة...والكحول.