رجة أرضية في الجزائر    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 18 و26 درجة    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع محمد المزوغي حول كتابه" العقل بين التاريخ والوحي"
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 11 - 2008

منذ زمن، لم يعد محمد أركون يُعدَم محاوراً، لا بل مناوئاً، فى ميدان الفلسفة، وخاصة فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة الإسلامية.
لكن د.محمد المزوغى وهو أستاذ الفلسفة بجامعة غريغوريانا "Università Gregoriana" بمدينة روما، منذ العام 1989، محاوِر/مناوئ، يتميّز عمن سبقه من نقّاد أركون بكونه أكثر جرأةً وموضوعية تبدَّتا فى كتابه الأخير: " العقل بين الوحى والتاريخ: حول العدمية النظرية فى إسلاميات محمد أركون" "منشورات الجمل، كولونيا ألمانيا بيروت 2007.
علاوةً على ذلك، الدكتور المزوغى مختصّ فى فلسفة الإغريق وفلسفة القرون الوسطى، كما أنه يدرّس الفلسفة فى المعهد البابوى للدراسات العربية والإسلامية "PISAI" بروما. ومن مؤلفاته: "العقل والإيمان فى الإسلام. موازنة تاريخية نقدية" "بالإيطالية 2004"، و"نيتشه، هايدغر، فوكو. تفكيك ونقد" "تونس 2004"؛ ومن أبحاثه، نذكر: "ابن خلدون والفلسفة. تقييم نقدي" "مجلة المستقبل العربي، العدد 329 يوليو/تموز 2006"، و"السياسة والتمدّن. أرسطو وابن خلدون" "مجلة "الحياة الثقافية"، تونس. عدد خاص بابن خلدون، العدد 173، مايو/أيار 2006".
* ماذا يحملك على نقد محمد أركون؟
د. المزوغي: أودّ فى البداية، أن أوضّح موقفي، مرةً واحدة ونهائية: أنا لا أنقدُ محمد أركون فى شخصه، وليس بَينى وبينه أى حلاف من أى نوع كان، كل ما يَعنينى من أركون، هو فى الدرجة الأولى، ما كَتبه وطرحه فى الساحة الثقافية، من أفكار على المثقفين الفرنسيين والعرب. كنتُ أقرأ كتابات أركون منذ التسعينات، أى منذ صدور كتابه "تاريخية العقل الإسلامي"، ثم نصوصه الأخرى الصادرة فى مجلات مختصة، بالإضافة إلى حواراته مع هاشم صالح المنشورة بمجلة "الفكر العربى المعاصر".
منذ أن كنتُ طالبا فى كليّة الطبّ بتونس، وأنا أتابع أعماله بصَبر ومثابرة. وبعد قراءة كل نص من نصوصه، كانت تنتابنى الحيرة ويعتمل فيّ الشك. كنتُ أتساءل، كيف أصنّف فكر أركون؟ هل هو تنويري؟ هل هو من دُعاة العلمانية؟
أم أنه يُوارى خلف تحاليله أغراضا نظرية وعملية أخرى؟ لقَطع هذه الشكوك، تعمّقتُ من جديد فى نصوصه وحاولتُ، قدر الإمكان، أن أغوص فيها بكلّ تجرّد وموضوعية، فبدأت تتبيّن لى بعض النقاط التى كانت غامضة من قبل، أعجز عن استكناه مغزاها الصحيح. وبدل أن أكتم شكوكى واعتراضاتى حاولتُ طرحها على المثقفين العرب، فجمعتها فى كتاب عنوانه: "العقل بين الوحى والتاريخ. حول العدمية النظرية فى إسلاميات محمد أركون".
* فى كتابك "ص 15"، تصف محمد أركون ب : "ازدواجية الرأي، عدم الثبات على فكرة واحدة، نقض المواقف السابقة، تقديم تعريفات وضمانات منهجية ثم خرقها أو إضعاف مفعولها، زحزحة المصطلحات عن معانيها الثابتة... ثمّ ترميه بتهمة "ساديّة الكتابة" "أى تعذيب القارئ بما تكتبه ويقرأه بالإطالة والثرثرة والتقعّر.."، علام استندتَ فى إطلاق هذا الكلام الخطير وإصدار هذا الحكم القاسي؟
د. المزوغي: لم أرمِ أركون بهذه التهمة، ولم أصفه بتلك الصفة هو تحديداً، أو على الأقلّ لم أجعل من هذه الصفة خصيصةً فيه وحده.
لكننى قلتُ بأن هناك تيارا كاملا من المفكرين الغربيّين ذا توجّه "نيتشوي/هايدغري"، وهذا التيار الفكرى له منحى عدمي. وهو أمر معروف فى الساحة الثقافية، ومعترف به من طرف خصومهم من المثقفين الغربيين أنفسهم. شددتُ على هذه النقطة بالذات، أعنى أن هذا المنحى الفكري، الذى انتهجه أركون "وهو يسميه "نهاية اليقينيات"" قد ساعدت على توطيده، وتركيز معالمه، إحدى النزعات الفكرية التى سادت الساحة الثقافية الفرنسية خلال العقود الثلاثة الماضية، والتى نَهَل منها أركون وتشبّع من تعاليمها، ثم عمل على تطبيقها فى مجال الإسلاميات.
ما معنى نهاية اليقينيات؟ ما المَغزى النظرى والعملى من القول بتاريخية العقل؟ ألا ترى أن الزعم بأن المتضادات غير موجودة، وبأن العقل الحديث كفّ عن طلب الحقيقة، أى الحقيقة "بألف ولام التعريف"، هو ضرب للعقل النظرى وللمكتسبات العلمية فى الصميم؟
كما نبّهتُ إلى أن الجانب السلبى من هذه التيارات الفكرية، التى يَنتحلها أتباع نيتشه وهايدغر فى فرنسا، أمثال فوكو ودريدا ودولوز، يكمن أساسا فى تركيز نقدهم على العقل العلمى التنويري، لزعزعة أسسه المنطقية والتقليل من شأن مشروعه التحرّري، مُفسحين بذلك، المجال أمام كلّ أصناف اللاعقل، مِن الجنون حتى الشعر والخيال والأسطورة1.
من هنا استنتجتُ، وكان استنتاجى فى محله، أن بعض المثقفين العرب، ومن بينهم أركون، تلقّفوا هذه الأفكار وركّزوا عليها تحاليلهم وأعطوها أهمية تفوق قيمتها الفعلية، من دون أن يفطنوا إلى المآزق النظرية التى تنجرّ عنها. ولقد عدّدتُ فى كتابى جملة تلك المآزق وحللتها بالتفصيل وأوردتُ النصوص التى تسندها وتؤيّدها. ولا أبتغى من وراء ذلك، سوى المحاججة بالنصوص، وبها وحدها.
* من المعروف أن أركون يجعل العقل مرجعاً له فى كل كتاباته، ومع ذلك فأنتً تقول أيضاً "ص 17 من الكتاب": "هل أن غاية أركون تكمن فى الإفساح فى المجال أمام اللاعقل والركون إلى مواقع دينيّة إيمانية؟ وهل يعنى ذلك أنه مفكر تَنعدم عنده الحقائق بالكامل ودوغمائى فى تشبثه بهذا الرأي؟"
د. المزوغي: الحقّ أن هذه مشكلة معقدة بعض الشيء، وإن لم نُحِط بجوانبها ووجوهها المختلفة.
فمن غير المُستبعد السقوط فى نوع من الاعتباط أو التسرع فى الحكم، ذلك لأن أركون فى بعض صفحات كتُبه يعمل على نقد النزعة التّكفيرية الإقصائية التى تنتهجها بعض التيارات الدينية، وهو لا يعنى فقط الأصولية الإسلامية، بل يسحب حكمه على جميع أشكال الأصوليات خصوصا فى الديانات التوحيدية. وهذا أمر مُتفق عليه من قِبَل المفكرين التنويريّين جميعاً.
لكن هل يعنى هذا أن أركون يتبنّى مقولات التنوير وأنه مقتنع بها تماما؟ فى هذا الإطار، أنا أشك فى ذلك؛ ولقد قدمتُ البراهين والنصوص التى تُثبتُ أن أركون يتبنّى موقفا معاديا لروح التنوير والعقلانية. فقولك إذاً، بأن أركون يجعل العقلَ مرجعاً له فى كل كتاباته، غير مطابق لواقع نصوصه.
خذ مثلا أطروحته المركزية بخصوص ما أسماه بالعقل "السكولاستيكي"؛ وتلك التسمية التى استمدّها فى الأصل، من السوسيولوجى الفرنسى بورديو، هى تسمية تحقيرية، فى الأساس، لأن أركون يعارض هنا العقل العلمى الوضعي، وهو العقل الذى قضى على الخرافات وحرَّر الإنسان من أسر الخيالات والأساطير الدينية، ويضع نصب عينيه هدفا محددا، هو أهم أهدافه، كما أقرّ بذلك صراحة، وهو الخروج من أسْر العقل والعقلانية.
وهو يقول بكل وضوح، فى كتابه :العلمنة والدين" ما يلي: "لقد تربّينا وتعلّمنا فى الغرب، منذ القرون الوسطى، فى أحضان ما يُدعى ب"عبادة العقل"." ""العلمنة والدين"، ص 26". ذلك لأن العقل، بالنسبة إليه، إما أنه عِلمى وضعى "متعجرف، لا يفسح أى مجال لكلام المؤمنين" ""الفكر الأصولى واستحالة التأصيل"، ص 41"، وإما مضروبٌ بنقص جوهرى فى بنيته الداخلية، وقاصر عن معرفة أى شيء فى هذه الدنيا؛ فلقد ذهبَت به منازعته للعقلانية إلى رفض أى تفاضل نظرى بين العقل والإيمان.
فهو يقول فى كتابه "الفكر الأصولى واستحالة التأصيل" بأنه يجب احترام "التمييز الحاسم والأساسى بين موقف الإيمان من جهة، وموقف العقل النقدى من جهة أخرى. ولا أريد هنا تأكيد تفوّق أحدهما على الآخر" "الفكر الأصولى واستحالة التأصيل، ص 40".
لقد اختار أركون التصوّر المُنهك للعقل، أو الضعيف "debile" كما يقول النيتشويون الإيطاليون، أعنى ذاك العقل الذى يصفه أركون فى كتابه "الفكر الإسلامي.
قراءة علمية" بأنه "يعترف بعدم قدرته الحاليّة على القبض على سلسلة الأسباب والنتائج. ذلك أنه كلّما راح العقل يفكّر بالعالم وظواهره المحسوسة كلما أدرك مدى عجزه وقصوره" ""الفكر الإسلامي. قراءة علمية"، ص 189".
تلك هى الأطروحة المركزية الثابتة التى شَيّد عليها أركون كلّ بناءاته "النظرية"؛ فالعقل لا يعرف إلاّ عجزه الذاتي، وهو قاصر عن إدراك حقائق الأشياء، وبالتالى فلا مبرّر لنكران الأساطير أو التملص من المعتقدات الدينية، لأن الاعتقاد ضرورى فى حياة الإنسان، لا بل إن هذا الأخير، أى الاعتقاد، بات يلفّ كلّ شيء وهو آخذٌ فى رأى أركون "يغزو النظريات العلمية الأكثر عقلانية" "راجع كتابه "الإسلام أوروبا الغرب"، ص 70"".
على أساسٍ من هذه الأطروحات وقد عدّ"دتُ الكثير منها فى كتابى وجدتُ نفسى مرغما على الاستنتاج التالي: إن عاية أركون، من وراء تركيزه الدائم على هذه النقطة، ليست ترسيخ العقلانية، بل بثّ النزعة التشكيكية فى قدرات العقل وتعليم قرّائه كيفيّة التخلص من ربقته.
وقد أكد مراتٍ عدَّة أنه "يجب أن نتذكّر ذلك لكى نتخلّص من تلك العقلية العلموية "أو المتطرفة علميا"". وبطبيعة الحال، ليس للتخلص من العقل العلمى سوى مخرج واحد، هو الارتماء فى أحضان اللاعقل بجميع أشكاله والتنكّر لإنجازات التنوير ليس إلاّ.
* لكنك تؤكّد فى كتابك أيضاً "ص 18" بأن "الأنثربولوجيا الحديثة المحمودة حسب أركون متأتية من الغرب، وكذلك الأنتروبولوجيا المذمومة "أى التى تجعل الغرب مركزاً"، فهى أيضا واردة من الغرب. ونعلم جميعاً بأن الذين نقدوا الأنثربولوجيا الاستعمارية وتنبّهوا إلى أرضيّتها العنصرية، هم من العلماء الغربيّين، وقد تصدّوا لها وفندوا مزاعمها وجعلوها تتراجع عن مواقفها اللاعلمية".
ألا ترى أن أركون قد أسهم هو الآخر فى نقدها، وهو ذو الثقافة العربية الإسلامية، وله بحث قيِّمٌ حول مسكويه؟
د. المزوغي: المسألة الأساسية ليست هنا. أنا لا أنكر أن أركون صاحب ثقافة عربية إسلامية، ولا يغيب عنّى أنه قدم بحثا حول مسكويه.
يجب أن تضع كلامى فى إطاره الصحيح؛ فالمسألة تخص العقل التنويرى ودورَه فى بروز الحداثة. يحمل أركون فى كتابه "القرآن، من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني"، يحمل على الحداثة وعلى عقل الأنوار، فهو يقول إن عقل الأنوار "دعا إلى التسامح وحارب العصبية الدينية والطائفية والدوغمائية والإنعكاف على مصالح الأمة أو الملّة ورفْض كلّ ما هو خارج عن تلك المصالح..
ومن الملاحظ أن تلك الحداثة الفكرية فشلت فى تعميم الأنوار الحديثة والتخلّى عن ذهنية التحريم أو التكفير والحروب الدينية وإحلال ذهنية الأنسنة المتفتحة محلّها". ويُعيدُ أركون فشل الأنوار فى الوفاء بوعوده إلى هذا السبب، وهو أن: "العقل الحديث لم يتقيّد بتعاليم الأنتربولوجيا الحديثة [وذلك برغم كونها "متأتية من الغرب" والتعليق هنا لي]، وإنما اكتفى منذ القرن التاسع عشر بالغرب وحصر نفسه فيه".
هنا لا بدّ أن أذكّر القارئ بأن أركون يناقض نفسه: فهو يذهب إلى عكس ذلك، فى كتابه "قضايا فى نقد العقل الديني"، حيث يقول إن "العقل لم يُكذّب وعوده فى تبيان مقدرته على حلّ مشاكل الناس وبناء حضارة رائعة فى هذه الأرض. ولو أنه خلف بوعده لانصرف الناس عنه" ""قضايا فى نقد العقل الديني"، ص 320".
ولكنه فى الكتاب إيّاه، يُعيد الكرّة ويتهجّم على عقل التنوير، مُلقيا عليه التهم إيّاها التى أُلقِياها عليه اللاعقلانيون الغربيون، ومناهضو التنوير كميشال فوكو مثلاً؛ ذلك أن العقل حسب أركون: "نسى جذورَه الأولى ومعاركه التحررية الأصلية، وتحوّل إلى عقل مهيمن ومسيطر وبارد، بعدما فقَدَ حيويته الأولى وبراءته الأصلية ككلّ العقائد التى تترسّخ وتنتصر. وهكذا، فهو يَرفع شعار العلمانية ويَستغيث بفولتير كُلّما لَمح شبح الأصولية الإسلامية!".
أما فى ما عنى الأنثربولوجيا ودورَها فى خلق ذهنية منفتحة، فقد قلت بأن أركون جعل منها مخلصاً وكبشَ فداء فى آن معاً: الأنثروبولوجيا "الغربمركزية" متأتية من الغرب، والأنثربولوجيا "المنفتحة"، متأتية هى الأخرى من الغرب، والعالم الإسلامى بقى حسب زعمه "أبعد ما يكون عن ممارسة الفكر الأنثربولوجى بالمعنى الواسع الذى ندعو إليه، من العقل والثقافة والتفكير السائد فى الغرب".
والحلّ الوحيد للخروج من هذا المأزق هو النهل من علم الأنثربولوجيا "الذى يُخرج العقل من التفكير داخل "السياج الدوغمائى المغلق" إلى التفكير على مستوى أوسع بكثير: أى على مستوى مصالح الإنسان، أيّ إنسان كان.
كما أن العلم الأنثربولوجى يعلّمنا كيفية التعامل مع الثقافات الأخرى بروح منفتحة متفهّمة، وضرورة تفضيل المعنى على القوّة أو السلطة، ثمّ تفضيل السلم على العنف، والمعرفة المنيرة على الجهل المؤسس أو المؤسساتي".
لقد أفصحتُ عن شكوكى فى صحة هذه الأطروحة، وبيّنت أن الأنثربولوجيا التى يدعو لها أركون، وبخاصة أنثربولوجيا ليفى ستروس وأتباعه، لا تقود بالضرورة إلى التعامل مع الثقافات الأخرى بروح منفتحة. ولقد أعطيت مثالا على ذلك من خلال بعض مؤلفات ستروس، خصوصا كتابيه "العرق والتاريخ" و "العرق والثقافة" واعترافاته فى محاورة له مع ديدييه إريبون "Didier Eribon" الذى نشرها فى كتاب بعنوان "مِن بعيد ومِن قريب" "De près et de loin" .
فقد اعترف ستروس نفسه بأن عمله "أحدث فضيحة فى أوساط اليونسكو"، حيث دافع عن مُنظّر العنصرية المعروف غوبينو "Gobineau" مُدعيا أن هذا الأخير لم يكن عنصريا زلا إمبرياليّا.
كما يُعتقد؛ وكشف لمُحاوره حقيقة أن كُتبه تحتوى على الكثير من الشواهد المُقنَّعة "أو المكشوفة" المستمدّة من كتاب غوبينو "تفاوت الأعراق" "راجع مثلاً، آخر صفحات كتابه "المدارات الحزينة".
وكتابه "أساطير""، فأفكار غوبينو، بالنسبة إلى ستروس، لا تلعب دور المُصحّح للطريقة الخاطئة التى قرئ بها عمله "العرق والتاريخ" فحسب، بل هى الأرضية النظرية التى انطلق منها فى تأليف ذلك الكتاب "راجع: ديدييه إريبون "من قريب ومن بعيد"، باريس، طبعة 2001، ص 206 207؛ راجع أيضا: الباحث الإيطالى الذى كشف عنصرية كتاب غروتانيلّى "إيديولوجيات، أساطير، إبادات" "C. Grottanelli, Ideologie, miti e massacri, Palermo 1993, p. 167 - 169 لقد قال بأن اختلاط الأعراق يؤدى إلى الموات الحرارى "Entropie" ويسكّن صيرورة المجتمعات، وهذه التخمينات استقاها مباشرة من غوبينو.
وحتى رفضه لإمبريالية الرجل الأبيض، التى شرّع لها غوبينو، هو رفضٌ جزئيٌّ، إن لم يكن فى الحقيقة تسليما مقنَّعاً. فبالنسبة إليه، الرأسمالية "والإمبريالية" هى الدواء الأخير لمرض تلاقح الشعوب، الذى قد يؤذن بتفسّخ خصوصياتها، إن لم تحاول حماية نفسها. ولقد قال ذلك، فى النص الذى طلبته منه منظمة "اليونسكو" لمجابهة مشاكل العنصرية فى العالم، أعنى "العرق والتاريخ".
الأنثروبولوجى الذى من المفروض أن يكون منفتحا على الآخرين وأن يعى بأن تنوّع الثقافات، لا يحول دون تقاربها وانصهارها، هذا الرجل الذى من المفروض أن يَقِيه علمه "أى الأنثربولوجيا"، الذى أثنى عليه أركون، من السقوط فى فخّ الأحكام المسبقة، هذا هو يقول حرفياً: "إن الاحتكاكات الوجيزة التى جمعتنى بالعالم العربى ولّدت فى نفسى كرها لا يمكن التخلّص منه" "من رسالة بعث بها إلى ريمون آرون"، وهذا الشعور نفسه يعتريه إزاء البلدان الإسلامية؛ فقد اعترف بذلك فى "المدارات الحزينة".
لكن الأدهى من ذلك أنه يبرّر قرفه من الشعوب العربية الإسلامية، بأنه يذكّر بالمشاعر نفسها التى انتابت عالماً اثنولوجياً أميركياً، إزاء بعض القبائل من سكان أميركا الأصليّين.
أنا لا أودّ التشكيك فى علم الأنثربولوجيا، أو تبخيس جهود العلماء، لكنى أدعو إلى الحذر من تلقّى أعمالهم بغثها وسمينها، وإلى اعتبار هذا العلم طريقاً يؤدى بالضرورة إلى الإنفتاح والمثاقفة.
* ورد فى كتابك أيضا ما يلي: "إن أركون يؤكّد هذه النسبوية السفسطائية ويردّد أطروحات الإنثربولوجيين الفرنسيين وجمهرة الفلاسفة أتباع التيار النيتشوي" "ص 24". هل تريد أن تقول بأن مراجع أركون هى المدرسة الغربية فقط؟
د. المزوغي: لقد أجبتُ عن هذا السؤال فى كتابي، وقلتُ بأننى لا أُعيب على أركون استخدامه للمناهج الغربية، وإلا فإن موقفى سيكون مُعيباً، فتلك شوفينية لا تليق بالمفكر الكوني.
ولو أننا تمسكنا بهذا الرأى لأقصينا من التاريخ إبداعات الفلاسفة العرب جميعا واعتبرناها أمورا دخيلة، ولكفّرناهم بالجملة. ثم إن الفكر الغربى ليس بصنم منحوت من حجر واحد، ففى الفكر الغربى تلوينات عديدة وتيارات مختلفة، متباينة ومتعارضة، بأشد ما يكون عليه التعارض...
وإذاً، فإنَّ السؤال يُطرَح على الشكل التالي: إذا كنّا مُلزَمين بالأخذ من الغرب والنهل من علومه، فماذا نأخذ منه وماذا نترك؟ ما الذى يقودنا فعلا إلى بناء مجتمع عالمى ومنفتح؟ فى ما عنى الأخذ عن الغرب، وهذا ما لا عيب فيه قط، فإن أركون وجد نفسه فى بعض الأحيان كما أشرتُ إليه فى كتابى فى موقف شبيهة بموقف خصومه الذين يَعيبون عليه اسقاط العلوم الغربية على النصوص الإسلامية.
المنهج العلمى الناجع يَتخطّى الأطُر الزمنية الضيّقة ويَتجاوز الحدود "العرقية" والثقافية. نحن نتأسى فى هذا الشأن بمواقف فلاسفة الإسلام "مثل الكندي، والفارابى وابن رشد" من علوم القدماء.
أعداء الفكر الفلسفى يتشابهون فى كل العصور، ولم تتغيّر التهمة الموجّهة إليهم، أى "الاشتغال بعلوم دخيلة على الإسلام"؛ لكن شعارنا ومنهجنا كان قد عبّر عنه أحسن تعبير الكندى الذى يرى أن القدماء من الفلاسفة اليونانيين، هم بمثابة الأنساب والشركاء "فى ما أفادونا من ثمار فكرهم التى صارت لنا سُبلا وآلات مؤدية إلى علم كثير"، وأنه يجب علبنا ألا نستحى "مِن الحق واقتناء الحق من أينما أتى.
وإن أتى من الأمم القاصية عنا والأمم المباينة، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق". ولا يَهم إن كان مَن تَقدّمنا، مشاركاً لنا فى الدين أم غير مشارك، كما يقول ابن رشد، "لأن الآلة التى تصحّ بها التّذكية لا يُعتبر فى صحة التذكية بها كونها آلة لمشاركٍ لنا فى الملة أم غير مشارك، إذا كانت فيها شروط الصحّة".
نحن نُسائل أركون بخصوص شروط صحّة الآلة، ونجاعة تلك المناهج، ونحاسبه على النتائج التى أستخلصها، ثمّ نأخذ عليه أيضا نكرانه للبداهة وعدم اعترافه بمصادره.
لكن، ثمة ما يصدمنا حقاً فى كلام أركون، حينما يستعير التهمة التى ألقاها عليه أعداؤه من الإسلاميين، ليُلقيها بدوره على المستشرقين، ويقول بأن الاستشراق أو الإسلاميات الكلاسيكية "هى عبارة عن خطاب غربى عن الإسلام، وهو صادر عن اختصاصيين باللغات الشرقية...
بمعنى أن المستشرقين ينتمون إلى ثقافتهم الخاصة عندما يراقِبون الإسلام، ثم يتحدّثون عنه انطلاقا من فرضيات مسبقة ومسلّمات فلسفية ولاهوتية وإيديولوجية خاصة بهذه الثقافة.." ""العلمنة والدين"، ص 37".
لقد سقط أركون فى دوامة الريبية والإقصاء التى سقط فيها خصومه، لا بل إنه أعطى لخصومه الذرائع لدحضه هو والمستشرقين جميعا. أفلن يعترض المستشرقون بدورهم على أركون، ويتهمونه عندئذٍ بأنه قرأ تراثهم وعلومهم الغربية من خلال إرثه الثقافى الإسلامي؟ فيكون بذلك، قد أسقط، بدوره، مسلماتٍ فلسفيةً وإيديولوجية ودينية، خاصة بثقافته، على ثقافة أخرى.
إذا دخلنا فى دوامة هذه التّهم المتقاطعة فلن نخرج منها أبداً. أى أن أركون، على الرغم من تأكيداته ومحاولاته التملّص من منابعه، يبقى وليد الثقافة الفرنسية ونحن لا نعيب عليه ذلك إطلاقا ومُتشبّعا من مناهجها وتعاليمها، وقد امتزجت فيه تيارات فكرية شتّى، واستحوذت عليه، حتى فى الجانب اللغوى الاصطلاحي، مثل تاريخية العقل، اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه، صراع التأويلات.
* كيف تفسر "تشبث أركون بموقعه هذا" كما تقول فى كتابك "ص 57 ": "ومَن اطّلع على كتبه فإنه سيحدس بمفرده أن الرّجُل واصل فى تجذيره وترسيخ معالمه، وإطاره المرجعى لم يتغيّر طرفة عين بمرور الزمن، أعنى أركيولوجيا فوكو، تفكيكية دريدا، تأويلية ريكور وتاريخ مجموعة الحوليات. لقد ارتكز على هذه المناهج وجعل منها سمة مميزة لفكره"؟
د. المزوغي: يجب أن يُطرّح هذا السؤال على أركون بالدرجة الأولى. أنا لا أعيب عليه اتخاذه مرجعيات من ذاك القبيل، وإنما أُسائله عن النتائج التى استخلصها وعن مدى تقدميّة ذاك المسلك الفكرى الذى انتهجه.
فأركون، بحكم تكوينه الفرنكوفوني، اتجه إلى الثقافة الأقرب، أى الثقافة الفرنسية... لكنه اتَّبَع تياراً فكرياً لا يساعد على تجذير العقل التنويري. وقد بلغ من تشبثه بمنهجية تاريخ مدرسة الحوليات، أنه انزعج من مؤرخٍ فرنسى هو كوهين "Cohen" يعارض تلك المدرسة وينتقدها بشدّة؛ إذ يقول أركون، معرباً عن دهشته: "أعترف بأن كلود كاهين قد صدَمنى كثيرا وخيَّب أملى بسبب موقفه السلبى "وغير المفهوم" من فيرنان بروديل الذى لم يكن يَطِيق سماع اسمه!" " "قضايا فى نقد العقل الديني" ص 82".
ثمّ يستنكر أركون ويتساءل: "لماذا هذا الموقف العدائى من زعيم التجديد فى مجال البحث التاريخى والمنهجية التاريخية"، وينصح كوهين بالتراجع عن مواقفه وتقبّل تلك الأعمال التى تناقض أعماله التاريخية، سواء فى المنهج أو فى النتائج، كيما يتمكّن من فهم الشرق الإسلامي.
إذن، حتى بخصوص هذه النقطة ينبغى علينا اظهار هذه الحقيقة، أعنى أن أركون بالفعل استمدّ مناهجه ومجمل أرضيته النظرية من الفكر الفرنسي، ولكن من منطلق الانحياز إلى جهة دون الأخرى، ومنحى دون آخر، كانحيازه إلى مدرسة الحوليات دون الإستشراق مثلاً، وإلى اللسانيات البنيوية لا إلى الفيلولوجيا، إلخ..
* تقول إن "الفيلسوف ميشيل فوكو هو سيّد الموقف فى كلّ انتاجات أركون، وحضوره يربو عن كلّ المفكرين الفرنسيين الذين تأثر بهم وانساق وراءهم. لقد استوعب درس فوكو، "الذى تبنّى هو بدوره أطروحات جمعية الحوليات Les Annales"" "ص 71".
وما الضير فى ذلك، ما دام يعترف به وينفتح فى الوقت نفسه على النقاش والحوار؟
د. المزوغي: عندما أقول إن فوكو هو سيّد الموقف، أعنى بالتحديد فوكو النسبوى النيتشوى الهايدغاري، الذى لا يؤمن بالعقل، ويزدرى التاريخ الوقائعى ويتشبّث بأطروحات مدرسة الحوليات. على كل حال ماذا تعني، فى سؤالك، ب"ما دام يعترف بذلك ويقبل الحوار والنقاش"؟
المشكلة هى أن أركون لا يعترف صراحة بدينه للثقافة الغربية بعامّة، وللثقافة الفرنسية بخاصة؛ بل إنه ردّ على منتقديه متّهما أياهم بالجهل. يقول فى كتابه "الفكر الأصولى واستحالة التأصيل": "ربّما ظنّ بعضهم أنى تَبنّيتُ هذا الموقف المعرفى والمناهج التابعة له، تأثّرا منى بالتيارات العلمية المتتابعة السائدة فى الجامعات الغربية وبخاصة باريس.
وربما استنتجوا أنى أفرض على الإسلام والفكر الإسلامى ما لا ينطبق عليهما مِن إشكاليات ومنهجيات ومصطلحات وتأويلات خاصة بالفكر الغربى أو الأوروبي. كثيرا ما سمعتُ هذا الاعتراض. وكثيرا ما رأيتُ هذا "النقد" يَتردد فى تقديمات سريعة وسطحية لكُتبي. وهذا دليل على أن أصحابه لم يقرأوا بإمعان ما كتبتُ.
وإذا قرأوا فإنهم لم يدركوا أو لم ينتبهوا إلى ما بيّنتُ وشرحتُ فى مقالاتى ما أسميته بالإسلاميات التطبيقية أو المطبّقة "Islamologie appliquée""، لكن واقع الأمر، هو أن أركون تأثر، كما أشرتُ سابقا، بالفكر الذى استثمره فى البداية بشدة، ثم أنكره ورام التملّص منه، لكنه بقى ملازما له وتلبَّس جملةَ نتاجه النظري، على مدى ثلاثة عقود، على الأقلّ.
وبين زمرة أولئك المفكرين يبقى فوكو سيد الموقف. أقول سيّد الموقف إلى درجة أن أركون يُشبّه ما فعله فوكو بما يفعله هو الآن فى حقل الدراسات الإسلامية: "إن الثورة التى أحدثها ميشيل فوكو فى الساحة الفرنسية، عندما فكّك أُسس الإنسية البورجوازية والعنجهية والتقليدية الأوروبية، تُشبه ما نفعله نحن فى الساحة الإسلامية والعربية".
لكن طبقا للتسلسل الزمنى "الكرونولوجي" كان عليه أن يعكس الآية، ويقول إن أعماله تُشبه ما قام به فوكو، لا أن أعمال فوكو تشبه ما يفعله هو، فالخلط "الكرونولوجي" واضح هنا. " الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد. ص 334".
* وتقول أيضاً "لقد تمثّل أركون هذه الأفكار العدمية وحتى أطروحات بعض المراجعين للتاريخ "révisionnistes" وقال مُؤيداً النسبوية التاريخية: يُمكن للعَرب أن تكون لهم قراءتهم الخاصة عن الثورة الفرنسية، وهى قراءة تلبّى حاجيات المجتمعات العربية ومطالبها الإيديولوجية فى لحظة ما من لحظات التاريخ، أكثر ممّا تقدّم صورة حقيقية عن الثورة الفرنسية ذاتها".
ألا ترى بأن هذا الحكم يقصو على رجل اضطر إلى مغادرة وطنه الأم، بغيةَ العيش بأفكاره؟
د. المزوغي: أنا بعيدٌ جداً عن اتّهام أركون بأنه مراجع؛ فما نبّهتُ إليه هو انقياده لهذا التيار وغفلته عن خطورة المنعرج الذى أخذته بحوث أشباه المؤرخين الجدد، الذين يحاولون إعادة كتابة التاريخ وحذف أو تشويه الأحداث التى لا تتماشى مع نزعتهم السياسية "جلّهم من اليمينيّين".
لقد أشاد أركون بأعمال المُراجع "révisioniste" الفرنسى ف. فوريه "F. Furet"، وهذا الرجل المعروف فى الدوائر العلمية الفرنسية والعالمية بأنه مراجع للتاريخ، يقول إنه بوصفه مؤرخاً، استعاد مصطلح نقد العقل. وهو، أى فوريه، بحسب اعتراف أركون، "أول من استخدمه من أجل هدف تاريخي" " الفكر الإسلامي، نقد واجتهاد. ص 232". ويؤكد أركون أن فوريه، أعاد أيضا التفكير فى الثورة الفرنسية "بالمعنى القوى للكلمة".
كما أنه، يا للأسف، تَقفّى أثره فى هذه المغامرة الخطيرة، ودعا إلى القيام بتلك المراجعة التاريخية على صعيد أشمل، قائلا إن "فرنسا وجميع الأوروبيين مدعوّون لإعادة قراءة تاريخ الثورة الفرنسية الكبرى" "معارك من أجل الأنسنة. ص 279".
ثم أننى أشرتُ إلى أن إعادة التفكير فى الثورة الفرنسية على طريقة فوريه لها مواصفات المراجعة التاريخية التى قام بها فى ألمانيا إرنست نولته "E. Nolte" للنازية، ودى فيليتشى "R. De Felice" فى إيطاليا للفاشية.
على أن المؤرخ فوريه نفسه اعترف صراحة بأنه يتبنّى نهج هذين المراجعين، ولكن طبقا لاتجاه معاكس، أعنى أن نُولته انطلق من تشويه مُغرض لثورة أكتوبر كى يَصِل إلى إدانة الثورة الفرنسية، فى حين أن فوريه ابتدأ من الثورة الفرنسية لكى يُدين ثورة أكتوبر.
العملية هى نفسها والهدف واحد: إنها المراجعة التاريخية كنزعة إيديولوجية، ثقافية وسياسية تصبو إلى إدانة الحركة الثورية التى تمتد من سنة 1789 وصولا إلى 1917. ولا تقف المراجعة عند هذا الحدّ، بل إنها علاوة على إدانتها الشاملة لروح المقاومة الشعبية، بغيةَ نزع المشروعية عن حركات التحرر، فإنها تُنكِر الهولوكوست وجرائم الإبادة التى قام بها الاستعمار.
أركون لم يكن مراجعا للتاريخ اطلاقا، لكن أقواله قد تسبب شيئا من البلبلة وتثير الشكوك فى ذهن القارئ. لقد اعترف أركون، بصورة مدهشة حقا، أنه لا ينتمى إلى زمرة المفكرين المعادين للاستعمار، ويكفى هذا الاعتراف كى يثير مخاوفنا؛ فهو يتباهى بعدم سقوطه فى "أحضان الخطاب الضدّ كولنيالي".
* تقول أكثر من ذلك: "لو أنّ عدمية أركون اقتصرت فقط على الجانب المعرفى لما أوليناها أهمية كبرى، لأنها من التهافت والهشاشة بحيث أنه من الهيّن جدّا على الفيلسوف أن ينقضها جملة وتفصيلا.
لكن مُعاداته للعقل التنويري، الذى يدعوه بكل احتقار، أسوة بعالم الاجتماع الفرنسى بورديو ب"العقل السكولاستيكي"، لها استتباعات لقد أدت بأركون، فى نهاية المطاف، إلى مناهضة الديمقراطية وإلى تِكرار تُهَم غالبا ما كرّرها الأصوليون والدكتاتوريون فى العالم العربي، واليمين المتطرّف فى العالم الغربي" "ص 93"، فى حين أن تصريحات أركون تُفيد عكس ذلك، فهو مع المستنيرين؟
د. المزوغي: قد يكون أركون كذلك، وأنا أسعد بأى مفكّر تنويرى صادق مع نفسه ومع قرائه، فالعالم العربى بأمسّ الحاجة إليهم.
ولكن أركون لا يساعدنا على هذا الإستنتاج: تهجماته المستمرة على المستشرقين؛ عدم بتّه فى قدسية كتب الأديان التوحيدية؛ نكرانه على العقل معرفة العالم أو نيل أى قدر من الحقيقة الثابتة، تهجماته المتتالية على العلمانية، كل هذا لا يقود إلاّ إلى نوع من العدمية النظرية.
وقد تبدو استنتاجاتى لأول وهلة مجانبة للصواب أو أنها لا تصور بصدق آراء أركون وتوجهاته السياسية، على الأقل على مستوى التنظير. أعنى بالتحديد ما ذهبتُ إليه من أن استتباعات نهج أركون فى التفكير قادته إلى مواقف مناهضة لفكرة الديمقراطية.
أنا أحتكم، كما أكّدتُ على ذلك مرارا، إلى النصوص فهى واضحة وصريحة إلى درجة أنه متعذر على المؤول اخراجها من معناها الصريح أو اضفائها أى معنى رمزي. الديمقراطية الغربية يصفها أركون بأنها ديمقراطية استهلاكية، تحيى وتموت فى حينها ويقول بأنه "على الرغم من ذلك فإنهم، أى الغربيين المسيطرين، يأمرون الشعوب النامية والثقافات المتخلفة باعتناق هذه الديمقراطية التمثيلية الليبرالية الانتخابية "الفكر الأصولى واستحالة التأصيل، ص 177".
قد تكون الليبرالية، فى وجهها الاستعمارى العنيف، عنصرا غير محدِّد فى الحكم الديمقراطي، أما التمثيل البرلمانى وتَعدّد الأحزاب والانتخابات الحرّة فهى الثوابت التى تجعل من الديمقراطية كذلك. لستُ أدرى هل أن أركون لديه ديمقراطية أخرى ونظام حكم مغاير، بمقدوره أن يتجاوز الديمقراطية التمثيلية الانتخابية.
وإن كان الأمر كذلك فليُعطنا الوصفة كى نطبقها فى عالمنا العربي؟ النظم الديمقراطية والأحزاب السياسية والحملات الانتخابية هى فى أعين أركون مجرّد تمويه.
والغريب فى الأمر أن الرجل يقول ذلك بالحرف الواحد، دون أن يوضّح موقفه أو يميز بين القاعدة والنشاز. كلام أركون هو هذا: " كلّ حملة انتخابية تَجرى فى البلدان المدعوّة "ديمقراطية" مبنية على عملية التمويه والتغطية هذه. أعنى تمويه الحقائق وتغطيتها "العلمنة والدين، ص 20 21"".
ألا يعلم أن إحدى شعارات الدكتاتورية فى العالم العربى هى هذه: "التمثيل تدجيل"؟ أركون يُجذر الفكرة التى ترى أن الأحزاب السياسية هى مجرد تمويه ولا يفرّق فى ذلك بين البلدان الديمقراطية، حيث تعددية الأحزاب وحرية الانتخابات منصوص عليها ومصانة من طرف الدستور، وبين والدكتاتوريات حيث الحزب الواحد والزعيم الواحد والانتخابات المزورة هى القاعدة.
لقد جمع الكل فى بوتقة واحدة وادعى أنهم يودّون امتلاك الساحة السياسية والسيطرة عليها: " وهذا ما تفعله بالضبط الأحزاب الأوروبية الغربية التى تريد أن تكون ديمقراطية وترغب فى أن تكون ديمقراطية.
وهذا ما تفعله القوى الاجتماعية فى الجزائر وغيرها، حتى ولو لم يكن هناك إلاّ حزب واحد يفرض الصمت على الآخرين. فهذا الحزب الواحد يحتكر كلية الساحة السياسية بطريقة أكثر صراحة من الأماكن الأخرى. ولكن اللعبة تظل واحدة.
فالرهان المطلوب هو السيطرة على السلطة، ولكى يتوصلوا إلى ذلك ينبغى عليهم استخدام المجريات والوسائل التى تهدف إلى شرح رهانات السياسة. وهذا "الشرح" الذى سيقدمه الحزب الحاكم أو الحزب الطامح للحلول محلّه سوف يشكل بالضرورة عملية من عمليات التمويه والتغطية وإسدال القناع على حقيقة الأشياء".
* فى الصفحة 121 تقول: "أودّ أيضا أن أنبّه القارئ، إلى أن أركون يُرغم مؤوّله على التكرار والرجوع إلى نفس الفكرة، من زوايا مختلفة، والدوران حول الموضوع، والهروب إلى مواضع قصيّة، ثم إعادة طرح نفس الإشكالية بتعابير أخرى والتحرّك داخل الحلقة ذاتها.
إنه تشتّت ذهنى يُمرّره عنوة للقارئ ويُضنى به المؤوِّل؛ حقيقة لستُ أرى أية فضيلة فى هكذا عمل، ولكن شيئا واحدا لا أودّ السكوت عنه وهو أن العدمية النظرية أدت بأركون إلى هذه الازدواجية الظاهرة، والتأرجح فى المواقف ولكن، فى العمق، يبقى غرضه دائما غرضا إيمانيا حتى وإن وَارَاه خلف ركام من الخطابة." كيف ترى ذلك؟
د. المزوغي: ما كتبتُه هو مجرد ملاحظة حول منهجية أركون، وأسلوبه الشخصى فى الكتابة وفى طرح الاشكالات وعرض أفكاره.
وسواء قرأنا كتبه بلغتها الأصلية، أعنى الفرنسية أو مُترجَمة للعربية، فإن كمية الخطابة التى تعجّ بها لا تتناقص، ولونها لا يخبو أبدا. وهذه ليست من الأساليب التى يختص بها أركون بمفرده، بل إن لدينا الكثير منهم فى العالم العربي، والبعض من المثقفين الآن أضافوا إلى الخطابة والتقعر، السجع، وأدب المقامات، مثل المفكر التونسى أبى يعرب المرزوقي.
أركون أيضا يعمد فى العديد من الأحيان إلى تشتيت الأفكار والسياحة فى مناطق لا يجمعها جامع. انظر مثلا كيف يحاول الربط بين مواضيع قصية جدّا مثل التاريخية، والتاريخانية، أزمة الطاقة، انقطاع البترول، والكينونة والوجودية وهايدغر..الخ. " الفكر الإسلامي. قراءة علمية، ص 118".
وبخصوص ما قلته بشأن توجهه الإيمانى فهذا صحيح، لأن الركام من الخطابة التى قد تؤدى إلى إغراق القارئ لا ينبغى أن تُنسينا بأن مواقف أركون فى النهاية، وإذا عرفنا كيف نتجاوز عقبة التذبذب والازدواجية، تبقى مواقف مؤمنة، بل إننا فى بعض الأحيان وبسبب فرط تشدّده ضد المستشرقين وضد العقل الوضعى إذا ما حذفنا اسم أركون من بعض نصوصه ووضعنا اسم أى كاتب اسلامى ملتزم فإننا لا نجد أى فارق بينهما.
وأرى أنّ أركون فى كثير من الأحيان يطلب ذلك، بل، إن لم أخطئ، فإن أقواله فيها نوع من الرسالة الواضحة إلى المؤمنين والمشفرة بعض الشيء إلى العلمانيين.
* حول تفكير أركون فى "اللامفكَّر فيه"، تتساءل فى كتابك "ص 194" "وكيف استطاع هو أن يُفكّر فى اللامفكر فيه؟
ولا ندرى أيضا كيف له أن يفكر فى المستحيل التفكير فيه إن كان مستحيلا؟" ثم تتهمه بأنه "يتساهل مع مقولات المنطق، ولا يُعِير أية أهمية لضبط مصطلحاته وتحديدها بدقّة".
كما أنك تهاجم الباحث هاشم صالح الذى نقل كتبَ أركون إلى العربية، بقولك: "ومؤوّله هاشم صالح يُصعّد الموقف، جاعلا من عقل أركون عقلا شموليا يضاهى العقل الإلهي".. وكيف تحلل هذه الإشكالية يا دكتور؟
د. المزوغي: أنا معارض مبدئيا لمصطلحات "المُفكَّر فيه" " le pensé" و"اللامفكّر فيه" "l'impensé" التى أدخلها أركون فى إسلامياته. وهى فى حقيقة الأمر مصطلحات التأويلات التعسفية لهايدغار حين قراءته نصوص فلاسفة اليونان.
إن معارضتى ليس بسبب استخدام هايدغر لهذه المصطلحات بل لقناعتى بأنها لا تفيد شيئا وفاقدة للمعنى أصلا. وقد أضاف أركون ثنائية أخرى هي: "الممكن التفكير فيه" و"المستحيل التفكير فيه".
أنا أرى أن، من وجهة نظر سيكولوجية كل شيء قابل للتفكير فيه، وما لم يدركه العقل النظرى فإن المخيلة تستطيع أن تتخيله والذاكرة بإمكانها استحضاره. قلت بأن هاشم صالح قد جعل من عقل أركون عقلا يضاهى العقل الإلهي، ولم أبالغ فى ذلك، ولا هو عيبٌ عليّ، بل العيب، إن كان مسوح لنا باستصدار أحكام قيمة، ينبغى أن يُلقى على من كتب تلك الأشياء التى أوقعته فى ذاك النوع من المبالغة.
هاشم صالح، فى تعليقاته على نص أركون الذى يتحدث فيه عن المفكر فيه واللامفكر فيه، يُبرّر مسؤولية أركون العلمية، ويشرح المصطلحين أعلاه قائلا: " كلّ ما أتيح للفكر العربى الإسلامى أن يُفكِّر فيه خلال تاريخه الطويل "المفكَّر فيه" وكلّ ما لم يُتَح له أن يفكِّر فيه "اللامفكّر فيه" "الفكر الإسلامي. قراءة علمية، ص، 18"".
لكن أركون، حسب مؤوّله، يُفضِّل دراسة " ما لم يُفكِّر فيه الفكر الإسلامي" لأنه " أهمّ وأجلّ شأنا مما كان قد فَكَّر" وبالتالى فإن مهمّة أركون " كمُجدّد للفكر الإسلامي"، تتمثّل تحديدا فى فتح " تلك القارة الواسعة من اللامفكّر فيه، والتى بقيت مُغلقة زمنا طويلا".
واللامفكّر فيه ليس إلاّ " تراكما للمستحيل التفكير فيه فى عدّة مراحل متعاقبة من التاريخ وذلك لأسباب دينية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها". لقد قلتُ بأن هذا، كلام فضفاض، يمكن أن يحمل المعنى ونقيضه، لكن الشيء المحقّق والبيّن من أقوال أركون ومن تأويلات هاشم صالح هو أن هناك مشروعا ضخما ومسؤولية جمّة، لدراسة أشياء غامضة، موغلة فى القدم وتمتد لتشمل فترات طويلة جدّا، أعنى " التفكير بكل ما لم يفكِّر فيه الفكر العربى الإسلامى طيلة أربعة عشر قرنا من الزمن وبكلّ ما فكّر فيه أيضا". إن لم تكن هذه مبالغة، فلست أدرى ما معناها بالضبط.
* فى ختام كتابك "ص 356" تقول: "..وقراءة أركون فى حدّ ذاتها، هى عملية مُضنية نفسيا وفاقدة للجدوى عِلميا، لأن كتابات أركون لا ترحم، فهى تعجّ بالتقسيمات والتناظرات، والاستدراكات، وبمفاهيم يصفها هو نفسه بأنها "تنفّر الكثير من القراء أو تثقل عليهم "أركون، الفكر الاصولي، ص 48""، ممزوجة بسيرة حياة وهُمُوم شخصية، ولكن فى الأخير، وبعد عناء القراءة وانتظار أن يَتمخض عن ذاك الرّكام الهائل من النصوص شيء ما، لا نحصل إلاّ على " تفاهات"...
ومع ذلك، فقد كان من نتائج قراءتك أركون أنها حملتك على تأليف هذا الكتاب الضخم... فكيف يحدث ذلك؟
د. المزوغي: أمّا أن تكون قراءة أركون هى عملية مضنية، فهذا أول انطباع يخرج به القارئ عندما يقرأ كتبه... وقد تحسّس هو نفسه هذه الحقيقة واصفاً عباراته بأنها "تُنفّر الكثير من القراء أو تُثقل عليهم".
أما بخصوص مزج همومه الفكرية بسيرة حياته فهذه من الأمور التى لا يمكن أن تَخفى على أحد من قرائه، ولكثرة تواجدها فى كتبه الأخيرة فإننى أفردت لها فصلا كاملا من كتابي. بخصوص الحصيلة التى وصفتها بالتفاهات قد أكون قاسيا فى حكمى هذا، لكن أركون لا يقل قسوة منى فى استعمال نعوت تحقيرية إزاء المثقفين العرب وحتى الجماهير العربية. "انظر الفصل الأخير من كتابي".
أنا، على كل حال، لم أكن الأول الذى قال هذا الكلام، لقد أورد أركون، بصراحته المأساوية المعهودة، هذا الحكم على لسان نقاده الغربيين حينما قالوا له: "أنتَ لم تأت بشيء جديد.
كلّ ما تفعله شيء تافه، مَلَلنا منه، عفا عليه الزمن "قضايا فى نقد العقل الديني، ص، 23"". بعيدا عن التنابذ أو العنف اللفظي، أنا مقتنع بمّا أقول وقد قدّمتُ البراهين والنصوص التى تثثبِته.
أما أعتراضك عن جدوى تخصيصى كتابا ضخما لهذه التفاهات فإننى قد أبدو لك أكثر قسوة لو قلتُ بأن تلك التفاهات، إن أصبحت حصان طروادة لبناء شهرة عالمية ولغزونا واكتساحنا، فالواجب العِلمى والأخلاقى يفرض علينا مجابهتها وإيقافها عند حدها. وهذا ما فعلت.
العرب أونلاين
____________
* مدير مكتبة العالم العربى فى باريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.