تختلف آراء السياسيين والنخب في العالم العربي حول ما إذا كانت إيران تشكل خطرا على الأمن القومي العربي أم لا. وبينما يرى قسم من السياسيين العرب أن إيران لها أجندتها الخاصة في المنطقة التي قد تتطابق أو تتناقض مع المصالح العربية، على خلفية الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية وموقف طهران مما جرى ويجري في العراق، يتحدث قسم من الكتاب والسياسيين العرب عن أن إيران تمثل داعما للحق العربي وليس العكس، ويستدل هذا الفريق على ذلك بالموقف الإيراني من القضية الفلسطينية ومن التهديدات التي تتعرض لها سوريا منذ سنوات بسبب موقفها الداعم للمقاومة. وقد أثار التقارب السوري الإيراني الذي برز بوضوح أكبر في الآونة الأخيرة حفيظة عدد من الدول العربية الرئيسة التي أبدت استغرابها من اتجاه سوريا نحو إيران على حساب عمقها العربي. ومنذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان وخطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي انتقد بشدة مواقف بعض الدول العربية من الحرب، ووصفها بأنها مواقف "أنصاف الرجال" والمخاوف العربية تتزايد من النتائج السلبية على المنطقة من الاتجاه السوري نحو إيران. وقد اعتبر الدكتور سمير التقي مدير مركز الشرق للدراسات في العاصمة السورية دمشق أن اتجاه سوريا إلى التحالف مع إيران ينبني على أساس قناعة ومبادئ. وقال التقي "ببساطة شديدة لو أن للدول العربية أي تصور لمجابهة الغطرسة الإسرائيلية وإحلال السلام العادل والشامل، لكانت سورية في صفهم". وأكد التقي أن دمشق التي تحالفت في السابق مع الشيوعيين الملحدين من أجل مصالحها الاستراتيجية في السلام العادل الشامل تتحالف اليوم مع إيران على ذات الأرضية. وانتقد الدكتور التقي شعور الهزيمة الذي يطبع مواقف معظم القادة العرب، وقال "إن من يتخوفون من التقارب السوري الإيراني هم العرب الذين هزموا معنويا وداخليا، وهؤلاء لسنا في حلف معهم". وقسم مدير مركز الشرق للدراسات العرب إلى قسمين: قسم قال إنه مع المقاومة التي مثلها حزب الله ضد إسرائيل في الحرب الأخيرة على لبنان، والقسم الثاني هو من النوع الذي يقدم الشاي للجنود الإسرائيليين في مرجعيون. واستغرب التقي ما قال إنه "اصطفاف بعض العرب إلى جانب إسرائيل في سلام تصنعه هي نفسها ومضمونه إغلاق ساحات الصراع العربي الإسرائيلي فهذا غير مقبول في سوريا". من جهته قلل سليمان حداد عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب السوري (البرلمان) من المخاوف العربية من التقارب السوري الإيراني، وقال إنهم في دمشق يتحالفون مع كل من يعتقدون أنه يقف معهم في خندق واحد، فسوريا صديقة لأميركا الجنوبية وفنزويلا والأرجنتين وغيرها من دول العالم مثلما هي صديقة لإيران. لكن سمير العبد الله أمين عام حركة "إرادة شعب اليمن" اعتبر أن التقارب مع إيران الفارسية هو الذي يشكل تهديدا للأمن القومي العربي، أما التقارب السياسي فذلك من حق كل دولة أن تبحث عن حلفاء لها في ظل الضعف العربي. وقال: "سوريا دولة مهددة من قبل إسرائيل ومن حقها أن تبحث عن حماية نفسها". وميز العبد الله "بين الدور الإيراني في العراق الذي قال بأنه سيئ وبين الدور الإيراني في سوريا التي تعتبر نسبة التشيع فيها قليلة مما يجعل الخطر أقل". إزعاج للمصالح الأميركية وفي القاهرة ميز عبد الله السناوي رئيس تحرير صحيفة "العربي" الناصرية بين الحلف والتحالف، وقال "إن ما بين سوريا وإيران هو تحالف وليس حلفا، وهو تحالف يمكن فهم أسبابه على خلفية أن الدولتين في حالة حصار". واعتبر السناوي أن هذا التحالف يشكل خطرا على المصالح الإسرائيلية وإزعاجا للمصالح الأميركية في المنطقة، مستغربا في ذات الوقت ما قال إنه تعاون استخباري سوري مع الإدارة الأميركية كبير لكنه لم يشفع لدمشق حتى الآن لتحسين علاقاتها مع الولاياتالمتحدة الأميركية. وأعاد السناوي الانزعاج العربي من التقارب السوري الإيراني إلى الانحياز العربي لصالح السياسة الأميركية في المنطقة، وأكد أنه لا توجد أي مخاوف حقيقية من هذا التقارب "اللهم ما تروج له بعض الجهات التي تريد تخويف الخليجيين من السلاح النووي الإيراني". وقلل السناوي من مخاوف البعض من البعد الطائفي لهذا التحالف لأنه "تحالف تكتيكي سياسي بالدرجة الأولى". مخاوف مبالغ فيها وفي الجزائر التي رجحت مصادر إعلامية مطلعة أن تكون لزيارة الأمير مقرن بن عبد العزيز، رئيس الاستخبارات السعودية، الأخيرة إليها وتونس من دون معرفة تفاصيل تلك الزيارة، غير بعيدة عن التحرك الأمني الذي يريد توحيد الموقف العربي منه، قال سليمان شنين مدير مركز الرائد للدراسات والأبحاث "إن الحديث عن مخاطر للتحالف السوري الإيراني على العالم العربي مبالغ فيه، خصوصا بالنسبة لدول المغرب العربي البعيدة عن التشيع". ونفى شنين وهو واحد من الناشطين الإسلاميين في الساحة السياسية الجزائرية وجود انتشار للتشيع في المغرب العربي عموما وفي الجزائر على وجه التحديد، وقال: "هناك إعجاب بالتشيع لكن لا توجد عندنا ظاهرة تشيّع". مشروع استعماري جديد وفي الكويت انتقد الدكتور حاكم المطيري الأمين العام لحزب الأمة ما قال إنه "محاولة لاستنفار العرب من أجل تمرير مشروع استعماري أميركي"، واعتبر أن من يروج لخطر التحالف السوري الإيراني "يصطفون خلف المشروع الأميركي الاستعماري مثلما فتحوا أبوابهم سابقا لاحتلال العراق". واستبعد المطيري الذي قال إن لديه تحفظات كبيرة على الدور الإيراني السلبي في العراق، أن يكون التحالف السوري الإيراني خطرا على الأمن القومي العربي، لأن الوطن العربي برأيه كله تحت الاحتلال، حسب تعبيره.