فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    أبطال إفريقيا: الأهلي المصري يقصي مازمبي الكونغولي .. ويتأهل إلى النهائي القاري    حالة الطقس لهذه الليلة..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طبيبة تونسية تفوز بجائزة أفضل بحث علمي في مسابقة أكاديمية الشّرق الأوسط للأطبّاء الشّبان    التعادل يحسم مواجهة المنتخب الوطني ونظيره الليبي    بعد دعوته الى تحويل جربة لهونغ كونغ.. مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بنزرت: ضبط كافة الاستعدادات لإنطلاق اشغال إنجاز الجزء الثاني لجسر بنزرت الجديد مع بداية الصائفة    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا وجاري العمل على تسهيل النفاذ إلى هذه السوق    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    سيدي بوزيد: ورشة تكوينية لفائدة المكلفين بالطاقة في عدد من الإدارات والمنشآت العمومية    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة ويساعد على القيام بمهامهم دون التعرض الى خطايا مالية    القضاء التركي يصدر حكمه في حق منفّذة تفجير اسطنبول عام 2022    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    وزارة التجارة تقرّر التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    منوبة: الاحتفاظ بصاحب مستودع عشوائي من أجل الاحتكار والمضاربة    أحدهم حالته خطيرة: 7 جرحى في حادث مرور بالكاف    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارمع المفكر الليبي سامي لطيف أحد الناشطين في صفوف التيار القومي الإسلامي
نشر في الفجر نيوز يوم 09 - 11 - 2008

يشكل القوميون وقطاع من الإسلاميين الكتلة الرئيسية من المتعاطفين مع إيران في العالم العربي؛ حيث رأوا في ثورتها الإسلامية مصدر إلهام وتحفيز لمسيرتهم المليئة بالصعاب، لكن هذه الصورة تعرضت في السنوات الأخيرة لهزات عنيفة، حولت إيران إلى ما يشبه اللغز المحير.
المفكر والباحث الليبي سامي لطيف، أحد الناشطين في صفوف التيار القومي الإسلامي "إيران ليست عدوا قائما ولا محتملا" للعرب.
هذا من منظور الإستراتيجية، لكن في إطار قراءة تفاصيل الواقع والسياسة يسجل سامي لطيف الكثير من نقاط "العتب" على إيران، سواء من زاوية سياساتها في العراق وأفغانستان، والتي يصفها ب"التواطؤ مع الأمريكيين"، أو من زاوية نشر التشيع ببعض الدول العربية، كما يأخذ لطيف على طهران محاولتها التغلغل في صفوف الشيعة العرب.
إيران كذلك، بحسب المفكر الليبي سامي لطيف، ليست مؤهلة لقيادة العالم الإسلامي؛ لأنها حصرت نفسها في الإطار المذهبي، من خلال "نص خميني مقدس" يؤكد على أن المذهب الجعفري الإثنا عشري هو المذهب الرسمي للدولة، و"إن كان هذا لا ينفي أنها تلعب دورا مهما جدًا على بعض الصعُد". كما رصد لطيف ما وصفها ب "مراجعات مهمة" داخل الفكر الشيعي، قام بها مفكرون ومراجع دينية بارزة مثل علي شريعتي، ومحمد حسين فضل الله، وحسين منتظري، مبديا أسفه لأنها لم تنعكس على مستوى الخطاب الديني الرسمي في إيران.
وسامي لطيف عضو في المؤتمر القومي الإسلامي، وكذا المؤتمر القومي العربي، كما أنه عضو مؤسس لمؤتمر الحملة الدولية لمناهضة الغزو الأمريكي للعراق، فضلا عن اشتباكه مع القضايا المثارة بالكتابة والتعليق.
*هل تشكل إيران تهديدا للنظام العربي، فهناك من يتحدث عن تهديد عسكري وسياسي وثقافي؟
- بداية لابد من العودة إلى التاريخ القريب وبالتحديد إلى فترة الإرهاصات التي سبقت نجاح الثورة الإيرانية سنة 1979؛ حيث وقف الشعب العربي وقواه الفاعلة وأنظمته القومية خاصةً في مصر عبد الناصر وليبيا القذافي والعراق والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب الشعب الإيراني الشقيق في مناهضته لحكم الشاه المعادي للإسلام وللعروبة، والذي كان مجرد أداة وظيفية لخدمة الإستراتيجية الإمبريالية الأمريكية في المنطقة.
والأمة العربية كانت ترى في مشروع الثورة الإيرانية عملا إستراتيجيا وسياسيا لصالح الإسلام والمسلمين وقوى التحرر في العالم، والجميع يعلم أهمية احتضان النجف العروبية وما تمثله من رمزية دينية ومرجعية كلية لإخواننا الشيعة لأغلب القيادات الثورية الإيرانية وعلى رأسها الإمام الخميني الذي مكث فترة طويلة مكنته من الإعداد والمتابعة لانطلاق الثورة الإيرانية التي اعتبرناها ثورة شعبية إسلامية حقيقية لصالح كل الشعوب الإسلامية ولخدمة الإسلام، بعيدا عن كل الشعارات المذهبية والطائفية.
لكن للأسف الشديد فوجئنا مباشرة بعد قيام الثورة بسياسات فيها شيء من الانفعال والعصبية والغطرسة والتطلع للهيمنة على المنطقة، رغم الشعار الإسلامي الكبير، وقد تعاملنا مع ذلك بشيء من التعقل والموضوعية؛ باعتبار أن كل الثورات في بدايتها تصاب بنشوة الانتصار، وتريد أن تتوسع وتتمدد، وهذا ما حصل مع الثورة الفيتنامية مثلا، فمن سخرية القدر أن فيتنام، وبعدما انتصرت بدعم من الصين، حاولت بعد سنة أو سنتين أن تدخل في حرب وصراع مع الصين؛ حيث شعرت فيتنام -حينئذ- بسيكولوجية المنتصر.
هذا ما حصل في بداية الثورة الإيرانية، حيث رفعت شعار "تصدير الثورة"، وذلك بهدف التدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج العربي، وهو ما نتج عنه الكثير من التوترات السياسية والأمنية، وكان أحد الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب العراقية الإيرانية.
لكن ومن منظور إستراتيجي فنحن لا نرى في إيران عدوا على الإطلاق، ونعتبر الشعب الإيراني حليفا إستراتيجيا في ضوء ما يربطنا به من روابط مشتركة، دينية واقتصادية وجغرافية وتاريخية، وهذه جميعها حقائق لا يمكن تجاوزها أو إغفالها، لكن للأسف الشديد بعض سياسات إيران المعلنة وبعض التصريحات الإعلامية لمراجع دينية وسياسية عليا في طهران الآن لا تساعد في خلق أجواء إيجابية بيننا وبينهم، رغم حرصنا الشديد على أن نرى في إيران عمقا إستراتيجيا وإسلاميا، خاصة أننا وإياهم نواجه تحديات كبرى، ولذا فنحن لا نتمنى ولن نتمنى أن نكون في موقع نرى منه إيران كعدوة لأمتنا العربية.
بداية الافتراق
*هل شكل العراق، في ظل الاحتلال الأمريكي، أول احتكاك بين التيارين القومي والإسلامي وبين إيران الدولة، بما لها من مشاريع ومصالح؛ حيث تصادمت هذه المصالح مع المقاومة العراقية التي أيدها القوميون والقوى الإسلامية؟
- بلا شك هذا حصل، وهذا شيء مؤسف وأحدث شرخا كبيرا في العلاقة مع إيران، التي دخلت في شراكة ضمنية وتواطؤ مع الإمبريالية الأمريكية لاستهداف العراق واحتلاله، باعتبار أن لها مصلحة في ضعف العراق وتغيير جغرافيته، وهذه المصلحة تشترك فيها مع الأمريكيين والصهاينة؛ حيث ترى طهران أن العراق القوي والموحد يشكل تهديدا كبيرًا لأمنها، وهذه إستراتيجية بالتأكيد خاطئة، وليس لها صلة ولا علاقة بالإسلام أو الأخوة الإسلامية، وهذا التفكير يحدث خللا وشرخا كبيرا في التعاون الإستراتيجي بين العرب وإيران، ويشجع القوى القومية والإسلامية المتطرفة على أخذ مواقف ضد إيران، نحن لا نتمناها ولا نقبلها.
وما قامت به إيران في العراق كان تكرارا لما حدث في أفغانستان؛ حيث تواطأت ودخلت في شراكة ضمنية مع المشروع الأمريكي والصهيوني لإسقاط نظام حكم طالبان، ورغم تحفظنا على بعض الممارسات الطالبانية، وعدم اتفاقنا مع السياسات التي كانت تنتهجها طالبان، فإن هذا لا يعطي إيران الشرعية للتدخل في الشئون الداخلية لأفغانستان، بل والتحالف مع العدو التاريخي والمصيري للإسلام.
هذا الكلام ليس تخمينا بل تردد مرارا في تصريحات رسمية صادرة عن مراجع سياسية إيرانية عليا، وفي مقدمتها هاشمي رافسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو بالتأكيد شخصية نافذة في إيران، والذي صرح أكثر من مرة بأنه لولا الدعم الإيراني لأمريكا لما نجحت في غزو العراق أو أفغانستان.
مواقف إيران وضعت المتعاطفين معها في موقف حرج، في ظل وجود أصوات وتوجهات داخل التيارين القومي والإسلامي تنادي بوجوب اتخاذ إيران كعدو، ولكننا ما زلنا نتمسك بالتهدئة والتعقل، ولا نتمنى ولا نريد أن تتحول إيران إلى قوى معادية أو نستهدفها، أو نتواطأ مع أمريكا والصهاينة لضربها واستهدافها أو زعزعة استقرارها وأمنها الداخلي؛ لأننا نرى في إيران القوية والفاعلة سندا وعمقا إستراتيجيا حيويا لأمننا القومي وعزة لأمتنا الإسلامية، وفي الوقت نفسه من حقنا أن نطالب إيران بتغيير سياساتها وإستراتيجياتها في العراق خاصة موقفها السلبي من المقاومة العراقية الباسلة.
*ليست مشكلة إيران كدولة إقليمية لها مصالحها وأهدافها أن تسعى لتحقيق هذه الأهداف سواء في العراق أو أفغانستان، لكن المشكلة في العرب الذين يفتقدون إلى مشروع؟
- لا يمكن أن نوجه اللوم لإيران وحدها، فهي بطبيعة الحال كدولة لديها مشروع سياسي وإستراتيجي لتحقيق مصالحها ومستهدفاتها، سواء كانت سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو مذهبية، وحالة التفكك والتشرذم والضعف العربي هي التي تشجع إيران على الهيمنة، وما تفعله إيران في العراق ما هو إلا نتيجة لغياب مشروع قومي عربي، وغياب أي شكل من أشكال السياسات العربية الموحدة.
فالتراجع الذي شهده النظام الرسمي العربي في السنوات الأخيرة جعل إيران تشعر بأن أمامها فرصة تاريخية للتمدد، وتحقيق مصالحها المعلنة والمخفية. وبالتأكيد إيران دولة إقليمية قوية وفاعلة، ومن حقها أن تتمدد في حال ضعفنا، فلا يمكن أن نطالب إيران بعدم السعي بأن يكون لها دور فاعل وقوي في المنطقة تحقق من خلاله مصالحها، ولو حدث خلل في هذه المسألة فاللوم يقع علينا كعرب، سواء كأنظمة رسمية، أو كقوى سياسية نفتقد الرؤية الإستراتيجية القومية.
دولة أم ثورة؟
*من انتقدوا مواقف إيران في العراق وأفغانستان كانت مشكلتهم الأساسية أنهم افتقدوا القراءة الجيدة لأهداف إيران ومشروعها كدولة، واقتصرت قراءتهم على شعارات "إيران الثورة"؟
- أولا يجب التأكيد على أن دور إيران في مسألة الصراع العربي الصهيوني دور يحترم ويثمن سواء لجهة دعمها قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، أو لتحالفها مع سوريا في لحظة إستراتيجية حرجة، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وقفت سوريا بمفردها تواجه مشروعا صهيونيا خطيرا وشرسا، ولذا لجأت لتأسيس تحالف إستراتيجي مع إيران.
إيران بالتأكيد سعت من خلال تلك المواقف لتحقيق مصالحها، بتقوية موقفها التفاوضي مع الغرب، وامتلاك أوراق ضغط سياسي، فإيران الآن شئنا أم أبينا تمتلك ورقة سياسية مهمة في التفاوض مع الغرب من خلال لبنان؛ حيث لديها حضور سياسي، وأيضا امتداد مذهبي، وإلى حد ما عسكري واقتصادي ومجتمعي في غاية الأهمية.
ولا شك أننا نتعامل مع المواقف الإستراتيجية بطريقة تتسم بالسطحية والسذاجة، ولا نمتلك قراءات دقيقة لما يجري في العالم من تحولات خطيرة، ولا نفهم كيف يدار العالم، وكيف يتم تأسيس التحالفات، ومواجهة الإستراتيجيات المعادية، وهذا خلل في الفكر الإستراتيجي العربي، وفي الثقافة السياسية العربية، فهي ثقافة غير مبنية على العلم والدراسة والبحث والمراجعة والتطور والتجديد المستمر، وتحتاج إلى إعادة إنتاج وتفعيل، فنحن نفسر ما يحدث في العالم من خلال قراءات واستنتاجات قديمة، انتهت ولم تعد مجدية، والكثير من تصوراتنا وأفكارنا وتحليلاتنا للعالم مبنية على أسس عاطفية وانفعالية تفتقد إلى الموضوعية والعقلانية والعلمية.
وللأسف الشديد الوطن العربي خال من مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الحقيقية والجادة، ولا يعترف صناع القرار لدينا بأهمية مطابخ الفكر والسياسة، ودورها في إنتاج إستراتيجيات وتصورات تحقق للأمة مصالحها وفي مقدمتها أمنها القومي بالمفهوم الواسع والشامل، وإذا وجدت بعض المراكز، وهي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، نجدها غير فاعلة لأسباب ذاتية وموضوعية، وهذا يشكل خللا فادحا في التفكير الإستراتيجي للوطن العربي، ما ساهم في تأزم الثقافة السياسية العربية وانحدار الوعي العربي العام.
*الفكر القومي كان سباقا في صياغة مفاهيم من قبيل: "النظام الإقليمي العربي" و"الأمن القومي العربي"، لكن معظم هذه المفاهيم افتقرت لرؤية إستراتيجية واضحة تجاه دور إيران في المنطقة؟
- حقيقة إن مصر بقيادة عبد الناصر كانت فاعلة وجادة في تأسيس نظام إقليمي عربي، يحقق العرب من خلاله وحدتهم ويحافظون على أمنهم القومي، وفي مرحلة الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات تم إنتاج تعبيرات ومفاهيم سياسية وثقافية وفكرية محددة، كانت سائدة في كل مفردات الخطاب السياسي العربي من الخليج إلى المحيط، ولكن حصل تحول خطير وتصدع كبير في نظرية الأمن القومي العربي بخروج نظام الحكم في مصر من الإجماع العربي بعقده اتفاقية "كامب ديفيد" مع الكيان الصهيوني، وخروج مصر من الصراع العربي الصهيوني.
كما وجه النظام الرسمي العربي ضربة قاضية للأمن القومي والنظام الإقليمي العربيين عند شرعنة بعض الأنظمة العربية من خلال جامعة الدول العربية الاستعانة بقوى خارجية لحل النزاع العراقي الكويتي سنة 1990 مخالفة بذلك ميثاق الجامعة والأسس القانونية والسياسية التي قامت عليها.
ولذا فنحن الآن نستطيع أن نقول وبصراحة إنه لا يوجد شيء اسمه نظام إقليمي عربي أو أمن قومي عربي، فمثلا احتلال العراق وغزوه من قبل أمريكا وحلفائها لم يكن ممكننا لولا الغطاء السياسي والتسهيلات العسكرية واللوجستية التي قدمتها 11 دولة عربية حيث سمحت بفتح مطاراتها وموانئها وأجوائها وأراضيها لقوات الغزو، وما زلنا نسمع حتى الأمس القريب أن الكثير من الأقطار العربية تعقد اتفاقات للتعاون العسكري وإقامة قواعد عسكرية للإمبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تحت ذريعة حمايتها من أي تهديدات.
تحالف مطلوب
*من وجهة نظركم، أين تقع إيران من الأمن القومي العربي؟
- إيران من منظورنا ورؤيتنا للأمن القومي العربي يجب أن تقع كدولة حزام إستراتيجي، بيننا وبينها الكثير من الروابط والقواسم والمصالح المشتركة، ومن الأهمية بمكان أن نحافظ عليها ونعالج كل ما حصل من أخطاء وسياسات أضرت بهذا التوجه.
ولا يمكن لنا تصور أن تكون إيران خارج دائرة التحالف الإستراتيجي على المستوى السياسي والعسكري والثقافي والاقتصادي، ولا أن نسمح باستهدافها من قبل أي أحد، خاصة إذا كان الأمريكيون والصهاينة، رغم أن البعض في المنطقة العربية يؤيد هذا الطرح، ردا على ما فعلته إيران من تواطؤ في أفغانستان والعراق، لكن هؤلاء يريدون تكرار نفس الخطأ الذي حدث عقب دخول العراق للكويت عام 1990، من الاستعانة بقوى خارجية.
*هل امتلاك إيران للطاقة النووية يصب في إطار هذا التحالف العربي الإيراني أم يحدث به خللا؟
-من حق إيران أن تمتلك كل الوسائل، وخاصة النووية السلمية؛ لتوفير احتياجاتها من الطاقة، بل أنا شخصيا أذهب أكثر من هذا، وأؤيد حق إيران في امتلاك كل وسائل الدفاع عن نفسها، خاصة ونحن أمام كيان استيطاني استعماري يمتلك مئات الرءوس النووية، وللأسف الشديد لا يوجد برنامج نووي عربي طموح سواء لأغراض دفاعية أو سلمية.
ونحن نرى أن امتلاك إيران للقدرات النووية يشكل مصدر قوة للإسلام والمسلمين في حال تم استخدامها بشكل صحيح، وتم تبادلها بين الدول العربية والإسلامية وشعوب العالم الثالث، خاصة أننا الآن نعاني من مشاكل تتعلق بنقص موارد المياه والطاقة والغذاء والتصحر.
كما أنه من مصلحتنا أن نمتلك ورقة ضغط، من خلال برنامج إيران النووي؛ لإخضاع منشآت إسرائيل النووية للتفتيش الدولي، لكن القيادات الحاكمة والمؤسسات العربية مثل جامعة الدول العربية ليس لديهم الإرادة والاستقلالية والقوة لاستخدام هذه الورقة في نزع أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الكيان الصهيوني.
*لكن البعض يرى أن امتلاك إيران للطاقة النووية سيخل بالتوازن العسكري خصوصا في منطقة الخليج، بعدما أصبح العراق خارج المنظومة الأمنية؟
- بكل صراحة ووضوح لا يمكن صياغة معادلة للأمن تشمل دول الخليج العربي بمفردها في مواجهة إيران، ولذا فإنه من مصلحة هذه الدول إدماج شعبنا في العراق واليمن داخل المنظومة الخليجية؛ لأنهما مؤثران من حيث الكثافة البشرية والموقع الإستراتيجي، كما أن مجلس التعاون الخليجي من دون العراق واليمن لا يمثل أي ثقل عسكري، كما أنه لا يمكن توفير الأمن في الخليج من خلال تحالفات مع أمريكا، فمثل هذه التحالفات سوف تزج بالمنطقة في صراعات دولية لا تنتهي.
شيعة وأيضا عرب
*نبقى مع موضوع الأمن لكن من زاوية اجتماعية، فإيران لها حقها المشروع في التواصل مع القطاعات الشيعية في الوطن العربي، لكن هذا يثير مخاوف بعض الدول العربية من تنازع الولاء لدى مواطنيها، فكيف يمكن حل تلك المعضلة، بما يحافظ على وحدة الولاء والنسيج الوطني؟
- هناك مجموعة من الحقائق التي أود التأكيد عليها في هذا السياق:
أولا: بالنسبة لإخواننا العرب ممن نسميهم تجاوزا "شيعة"، فهؤلاء ولاؤهم وانتماؤهم للأمة العربية لا شك فيه، وهذا ثابت تاريخيا ولا يزال موجودا حتى الآن.
وحتى في العراق، الذي تريد إيران التغلغل وسط سكانه من الشيعة العرب، كان إخواننا الشيعة يمثلون أغلبية داخل حزب البعث الحاكم، وفي مختلف القطاعات السياسية والعسكرية والأمنية والثقافية، وهو ما يدحض أي اتهامات لنظام الرئيس الراحل صدام حسين بالطائفية أو اضطهاد الشيعة على أساس مذهبي.
وبشكل عام فأهل السنة عبر التاريخ لم يحملوا إطلاقا أي توجهات طائفية أو عنصرية، وكانوا يمثلون الإسلام الحقيقي السمح.. إسلام الجموع.. إسلام الأمة.
ثانيا: إن كثيرا من المرجعيات الشيعية، سواء في العراق أو في لبنان أو غيرها من الأقطار العربية، هي عروبية الانتماء والتأسيس، وبالتالي فإنها ثقافة وفكرًا وتوجهًا وانتماء تعد جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية، بل إن البعض منها تعرض للنيل والاستهداف ومحاولة التصفية من قبل أتباع إيران.
ثالثا: بلا شك أن بعض المراجع الدينية والأحزاب في بعض الأقطار العربية خاصةً في العراق تشكل امتدادا للنفوذ الفارسي الصفوي، الذي يحاول توظيف الأوضاع المضطربة والمذهب الشيعي لصالح تحقيق مصالح وإستراتيجيات إيرانية محضة ليس لها علاقة بالإسلام.
والذي أحب أن أؤكد عليه بالخصوص أن كل هذه المرجعيات والأحزاب ذات منشأ غير عربي ولا تمت إلى الإسلام المحمدي بأي صلة، بل على العكس جميعها يحمل توجهات عنصرية وتحريفية معادية للعروبة والإسلام. وفي ذات السياق أطالب الأقطار العربية التي يوجد بها ما نسميه تجاوزا بأقليات شيعية أن تتم معاملتهم معاملة المواطنة العربية في الحقوق والوجبات، ورفع كل أشكال الظلم عليهم حيثما وجد؛ لأنهم أشقاء وإخوة لنا في العروبة وفي الإسلام.
*البعض يرى في الحديث عن تنامي النفوذ الشيعي في أوساط الشيعة العرب مجرد انعكاس لضعف الدولة العربية، وغياب مشروعها الوطني؟
- هذا أيضا كلام حقيقي، فغياب المشروع القومي العربي الإسلامي النهضوي الديمقراطي يعطي الفرصة لإيران لأن تتمدد وتتوسع وتحقق مصالحها على حساب الأمة العربية، ونحن لسنا ضد أن تحقق إيران مصالحها وأن يكون لها دور إقليمي، لكن الشرط الوحيد هو أن لا يكون هذا على حساب العرب، وألا يهدد كياننا القومي.
وعلى القيادات السياسية والمرجعيات الدينية والفكرية في إيران أن تعلم أن الجسد الإيراني يعاني الكثير من الأمراض والضعف في مجالات عديدة سياسية واقتصادية ودينية ومذهبية وعرقية وجغرافية وغيرها، ولكننا نربأ بأنفسنا في أن نستخدمها ضدها أو أن نفكر في اختراقها من خلالها؛ لأننا نرى في ضعفها انعكاسا سلبيا علينا وعلى أمتنا الإسلامية.
ولكن الذي نشاهده أمامنا في بعض الأحيان يتضمن تناقضا بين ما هو معلن من سياسات نحترمها ونباركها، وما نشاهده على الأرض من ممارسات تتناقض مع هذه السياسات، فالممارسات على الأرض تعكس توجها مذهبيا فارسيا يهدد كياننا ووجودنا ومستقبلنا، وعلى إيران أن توضح لنا وبشكل صريح كيفية رؤيتها للأمة العربية، وهذا أمر لابد أن يكون في غاية الوضوح.
متطلبات النهضة
*إذا أردنا الحديث عن مشروع نهضوي إسلامي كبير، تكون إيران جزءا منه، فما هي الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك؟
مما لاشك فيه أن الخطوة الأولى تبدأ بتهيئة الأجواء الإيجابية، ومعالجة كل أسباب التوتر والانقسام، سياسية كانت أم مذهبية، وإطلاق حوار إستراتيجي تشارك فيه كل الفاعليات والنخب؛ بغية تأسيس أرضية قوية لمشروع نهضوي إسلامي.
وهناك خطوات مطلوبة من الجانب الإيراني، وأخرى من الجانب العربي، ولنبدأ أولا بالجانب الإيراني، فعليه أولا: إصدار بيان رسمي من الدولة الإيرانية يعبر عن مؤسساتها السياسية والدينية ترفض فيه المساس أو النيل من صحابة رسول الله صلوات الله عليه ورضوانه وأمهات المؤمنين.
وعلى إيران أيضا أن تتوقف عن توظيف واستغلال أشقائنا الشيعة العرب واعتبارهم امتدادا سياسيًا ودينيا ومذهبيًا لها، فهذا أمر في غاية الخطورة، وهم بالنهاية جزء لا يتجزأ من هذه الأمة، وهم عرب ولن يسمحوا إطلاقًا أن يكون ولاؤهم لغير الأمة العربية.
وثالثا: على إيران أن تقبل بتسوية قانونية لمسألة الجزر العربية الإماراتية الثلاثة التي تحتلها، وهذه قضية شائكة تمثل عائقا كبيرا أمام تطوير العلاقة مع إيران، ونحن طالبنا منذ زمن طويل بإحالة الملف برمته إلى التحكيم الدولي.
ورابعا: على إيران أن توقف سياساتها في نشر التشيع، فهذا يضر بتطوير العلاقة بيننا وبينهم، فنحن لدينا معلومات بأن إيران لديها مشروع مذهبي من خلال إقامة حوزات شيعية تابعة لها في الدول العربية، كما أن هناك حوزات دينية في إيران تقوم بتدريب كوادر عربية، من مصر والسودان والجزائر وغيرهم، لنشر التشيع بين السنة العرب، كما أنه ورغم تقديرنا لمساندة إيران للمقاومة الفلسطينية، لكننا أيضا ندين محاولتها التغلغل للداخل الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة، من خلال تأسيس مجموعات مقاتلة متشيعة، هي خارج النسيج الفلسطيني.
وتجدر الإشارة هنا أن العلامة والشيخ الجليل الدكتور يوسف القرضاوي المعروف بمواقفه الصلبة في دعم المقاومة العربية والإسلامية ووحدة الصف الإسلامي وحرصه على التقريب بين مختلف المذاهب الإسلامية، عندما تحدث عن نشر التشيع بين السنة كان ذلك بدافع حرصه على استمرار العلاقة مع إيران، وأيضا حرصه على الوحدة الإسلامية وإزالة كل المعوقات في طريقها، إلا أنه للأسف الشديد ردة الفعل التي أتت من تعبيرات رسمية في إيران ومرجعيات شيعية عربية تربطنا بها علاقات أخوة وصداقة في لبنان وغيرها، اتسمت بالانفعال ووصلت إلى حد الشتائم والتهم التي لا يقبل بها أي مسلم عاقل، سواء كان سنيا أو شيعيا.
والإخوة في إيران يعلمون جيدا أن الشيخ القرضاوي يمثل امتدادا لتوجه حواري تقاربي، تأسس في فترة الخمسينيات والستينيات في الأزهر الشريف تحت رعاية الشيوخ الأجلاء رحمة الله عليهم ورضوانه كالشيخ محمود شلتوت والباقوري وغيرهم من الذين أطلقوا أول دعوة للحوار والتقريب بين المذاهب تحقيقا لوحدة الإسلام والمسلمين ووأد الفتن المصطنعة من قبل أعداء الإسلام.
خامسا: على إيران أن تبذل جهودا قوية وسريعة لوقف المذابح والتصفيات التي يقوم بها أتباعها في العراق ضد القوى السنية المقاومة للاحتلال، والشيعية المناهضة للتمدد المذهبي الصفوي في العراق، فالقاصي والداني يعلم بكل تفصيلات ذلك، ولم يعد يجدي نفعًا مسألة التنصل والإنكار والإدانات التلفزيونية، فالإخوة العراقيون يروون قصصا بشعة عما يتعرضون له من قتل وتنكيل وتعذيب على أيدي قوى تابعة للحرس الثوري الإيراني، وتأتمر بأوامر مباشرة منه.
أما بالنسبة للجانب العربي، فعلى أقطار الخليج العربي الكف عن الاستعانة بالقوى الخارجية في حماية أراضيها ومياهها وأجوائها، وأن تتوقف كذلك عن سياسة منح التسهيلات العسكرية بحرية وجوية وبرية إلى الأساطيل العسكرية الخارجية؛ نظرًا لما تشكله من تهديد لأمن الخليج العربي والمنطقة واستفزاز لبلدانها، وهو ما يستتبع بالضرورة عدم الدخول في تحالفات سياسية أو عسكرية تهدد وتستهدف أي بلد في الخليج العربي والمنطقة.
جدلية السياسي والمذهبي
*توجد رؤيتان فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، رؤية تصر على المدخل الديني المذهبي، ورؤية أخرى تصيغ العلاقة مع إيران من خلال المدخل السياسي المصلحي، فأيهما الأفضل؟
- هذه اتجاهات انفعالية عاطفية لم تنبن على تحليل موضوعي وتفكيك حقيقي للإستراتيجيات العامة لإيران، فنحن نؤيد الموقف الإيراني تجاه العديد من القضايا العربية، وفي مقدمتها الصراع العربي الصهيوني، لكن لإيران مصالحها ولنا مصالحنا، وهناك مساحة كبيرة للتوافق وبناء مشتركات سياسية وإستراتيجية.
أما فيما يتعلق بالرؤية المذهبية، فنحن لا نريد أن ننبش صفحات التاريخ، وإن كنا نرصد منذ فترة بعيدة مراجعات مهمة ونوعية داخل إيران وخارجها لإعادة قراءة النصوص الشيعية القديمة، ومراجعة تاريخية شاملة للفقه الشيعي وما حصل فيه من تأويلات سلبية في غير صالح الإسلام والمسلمين، مثلما فعل المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي، والمرجع العراقي الراحل محمد باقر الصدر، والمرجع الإيراني الراحل محمود طلقاني، والسيد مطهري، وحسين منتظري، والمرجع شريعة مداري، ومؤخرا المفكر الإيراني أحمد الكاتب، والمرجع اللبناني محمد حسين فضل الله، لكن للأسف الشديد لم ينعكس ذلك على مستوى الخطاب الديني الرسمي في إيران.
بالمحصلة، فإن الرؤية السياسية التي ترى في إيران حليفا إستراتيجيا أو داعما أساسيا لبعض المواقف العربية هي رؤية جيدة، ولكن هذا لا يعفي أصحابها من مسئولية التحدث مع دولة إيران بصراحة بغية إنتاج مصالحة حقيقية مبنية على أسس موضوعية وعقلانية، أما التيار الديني الذي لا يرى في المذهب الشيعي إلا أنه مذهب معادي للسنة، ففي بعض مواقفه وتصريحاته الكثير من الانفعال وردة الفعل التي نتفهمها ولكن لا نباركها، ونحن نطالبهم بإنتاج رؤية إستراتيجية متكاملة في كيفية التعامل مع إيران، تستجيب لاحتياجاتنا ومتطلباتنا السياسية والدينية معًا؛ ما يعني تحالفا سياسيا إستراتيجيا من ناحية، وتوافقا وتسامحا دينيا مذهبيا من ناحية أخرى.
نحن حريصون كل الحرص على إنتاج علاقة إستراتيجية صحيحة مع الأشقاء في إيران، ولا نرى فيهم لا عدوا قائمًا ولا عدوا محتملا، ولكن الكثير من الممارسات والسياسات والتصريحات الإيرانية التي تستهدف قوى عربية وإسلامية قد يكون لها رد فعل من جانبنا، لا يخدم الجانب الإيراني ولا يخدمنا نحن.
وعلينا أن نفكر في ترتيب أولوياتنا، فالعدو الأول لكل العرب والمسلمين هو الكيان الصهيوني ومن يسانده ومن يدعمه ومن يتحالف معه، أما غير العدو الصهيوني فهناك اختلافات وخلافات مع كثير من القوى والبلدان، بالإمكان تجاوزها أو التوصل فيها لتسويات وتوافقات خاصة مع الإخوة في إيران، لكن هذا يتوقف على ما نأمله من تحول في السياسة والإستراتيجية الإيرانية تجاه أمتنا العربية.
وعلينا جميعا أن نحشد طاقاتنا ونركز جهودنا العربية الإسلامية لمواجهة التحديات الكبرى، فهناك مثلا التغلغل الصهيوني في الكثير من الدول الإسلامية في آسيا وإفريقيا تحت غطاء التعاون العلمي والتنموي، وكذلك التنصير الذي تقوم به الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية الأمريكية التي ترصد عشرات المليارات من الدولارات لتحويل الملايين من المسلمين في البلاد العربية والإسلامية عن دينهم.
وفي هذا السياق أود أن أنقل عبر هذه النافذة مطالب عديدة وملحة من قبل قوى فاعلة في التيارين القومي والإسلامي للقيادة في ليبيا، وقائد الثورة العقيد معمر القذافي تطالبه بأن تعيد ليبيا إنتاج دورها القومي الفاعل، خاصة أن الأمة العربية الإسلامية تمر بأخطر مراحلها عبر التاريخ، وهي بحاجة إلى دور قيادي قومي إسلامي فاعل، يستعيد للأمة العربية المعذبة مكانتها التي تليق بتاريخها ومشروعها الحضاري، والجميع يتطلع لهذا الدور المنشود من القيادة الليبية المؤهلة بجدارة وبقوة له.
كما أدعو أيضا لمراجعة كبرى في السياسات العربية خاصة لدى أطراف مركزية مهمة، مثل مصر والسعودية، بأن تعيد للتضامن العربي والنظام الرسمي العربي مناعته وقوته ومحدداته بحيث نستطيع أن نتعامل مع الأطراف الإقليمية القوية، عبر اتصال فاعل ومؤثر نحقق من خلاله مصالحنا ومستهدفاتنا ونحافظ على أمننا القومي وأمن دائرتنا الحضارية الإسلامية والإفريقية.
*هل التحالف بين سوريا وإيران يمكن اعتباره نموذجا يحتذى به؟
- لجوء سوريا للتحالف الإستراتيجي مع إيران مطلع التسعينيات كان رد فعل على خروج الاتحاد السوفيتي من المعادلة الدولية، وكانت خطوة في غاية الأهمية حافظت على مناعة سوريا، ووفرت لها قدرا من الصمود، وكان هذا توجها سليما في ظل حالة التفكك والضعف العربي، فالورقة الإيرانية بالنسبة لسوريا حققت الكثير من الفوائد وفي مقدمتها إمكانية دعم حركات المقاومة.
وفي المقابل إيران -بلا شك- استفادت من هذا التحالف في تقوية دورها الإقليمي، واستخدمت الورقة السورية واللبنانية والفلسطينية لكي تقوي موقفها التفاوضي مع الغرب، وهذا حقها، وبالتأكيد أن إيران ليست جمعية خيرية، لكن هناك نقاط سلبية في هذا التحالف؛ حيث إن بعض القوى الإيرانية استغلت هذه العلاقة وقامت باختراقات عدة للمجتمع السوري، بالتمدد ونشر المذهب الشيعي، وإقامة مزارات وحسينيات في سوريا، والقاصي والداني يعرف ذلك، وحتى النظام السوري سكت عليها فترة طويلة، لكنه تحرك لوقف ذلك، وهنا أفصح لأول مرة عن معلومة لا يعرفها الكثيرون وهي أن سوريا قامت قبل سنوات بإبعاد السفير الإيراني "أختري"، وطلبت منه مغادرة سوريا؛ بسبب ممارسته في مسألة التشيع واختراق المجتمع السوري، بوسائل مالية كبيرة وبطرق أخرى.
وهناك نقطة سلبية أخرى، وهي أن إيران صارت إلى حد ما ترى في الحليف السوري حليفا ضعيفا على المستوى الاقتصادي والسياسي والتسليحي والإستراتيجي، وبالتالي تري أنها صاحبة اليد العليا في فرض بعض الشروط وتحقيق بعض المصالح لديها.
وهنا أنا أيضًا لا ألوم إيران ولا سوريا؛ فسوريا وجدت نفسها في موقف إستراتيجي وسياسي ضعيف في مواجهة النفوذ والمشروع الصهيوني في المنطقة، وكانت مضطرة لعقد هذا التحالف، ولكن أين نحن كعرب؟ وما هي إمكانياتنا لإخراج سوريا من حالة الاحتياج إلى إيران، وتحقيق استقلالية تلبي وتستجيب لمصالحها، وتحقق مصلحة الأمن القومي العربي، وتوفر لها استقلالية وندية في التعامل مع إيران على أسس توازن المصالح والأهداف؟
وبشكل عام، فإن مجمل النظام الرسمي العربي يحتاج لإعادة نظر، بل أعتقد أن هذا النظام انتهى منذ زمان، ومن مصلحة جميع الأقطار العربية أن تسعى وبسرعة، فالوقت صار متأخرا جدًا لتأسيس نظام رسمي عربي بصياغات ورؤى جديدة؛ لأن العالم يسير بسرعة نحو إقامة كيانات كبرى وعملاقة، لا مكان فيها للدول القزمية والكارتونية.
لمن القيادة؟
*هل هناك مشكلة عربية في أن تتولى إيران قيادة العالم الإسلامي، فالبعض ينسب للخميني عند عودته من باريس لقيادة الثورة الإيرانية قوله: "آن الأوان أن يتولى الفرس قيادة العالم الإسلامي"؟
- عندما نتحدث عن جموع المسلمين، وهم مليار ونصف مليار مسلم، غالبيتهم العظمى تتبع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، أعتقد أنهم لا يقبلون بقيادة إيران لهم، خاصة أن إيران أكدت وأصرت منذ السنة الأولى للثورة وبنص دستوري واضح وصريح على أن المذهب الجعفري الإثنا عشري هو المذهب الرسمي للدولة، وهذا نص خميني مقدس، تسبب في عزل ومذهبة إيران، وبالتالي نجد صعوبة في توليها قيادة الأمة الإسلامية؛ إذ أوجد هذا النص حساسية كبيرة لدى المسلمين في العالم، خاصة أنه قد صاحبته سياسات معادية للإسلام المحمدي، والذي يعد بالمناسبة هو الإسلام الصحيح، ولا نريد أن نقول أكثر من هذا؛ حيث أن التشيع وما في داخله من مذاهب متفرعة وتناقضات لا يشكل أكثر من 5% من تعداد المسلمين في العالم.
وبالنسبة للدور العربي في قيادة الأمة الإسلامية فهو ليس دورا شكليا، فمصر خلال المرحلة الناصرية كانت تقود مشروعا حضاريا عربيا إسلاميا، وكانت القبلة السياسية للمسلمين في العالم قاهرة عبد الناصر، قاهرة الثورة، قاهرة الأزهر، وبفضلها تم تأسيس منظمة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومؤتمرات كثيرة تأسست وتبلورت وأنشئت خلال المرحلة الناصرية، أسهمت وبشكل فاعل في نصرة الإسلام والمسلمين على المستوى العالمي.
وقد حاولت السعودية عقب غياب المشروع الناصري أن تقدم نفسها كدولة رائدة وقائدة للعالم الإسلامي، لكن للأسف الشديد ومع احترامي وتقديري لشعبنا في السعودية فإنها فشلت في ذلك، لأسباب عديدة منها ما هو بنيوي ومنها ما هو هيكلي، ثم حاولت إيران ملء حالة الفراغ في قيادة العالم الإسلامي، لكن جموع المسلمين في العالم يرون أن سياسات إيران مبنية على البعد المذهبي الضيق، وبالتالي فهي غير مؤهلة ولا يمكن أن يقبل المسلمون أن تطلع بالدور الريادي والقيادي في العالم الإسلامي، وإن كان هذا لا ينفي أنها تلعب دورا مهما جدًا على بعض الصعُد.
*هل يمكن اعتبار مواقفكم مؤشرا على مراجعات تجرى داخل التيار القومي الإسلامي فيما يتعلق بالموقف من إيران؟
- نحن كعرب عاطفيون جدًا، وهذا ينطبق على عموم الناس وعلى النخب أيضا، وقد جرت محاولات لتأسيس جمعيات وصداقات ومنتديات حوار مع الجانب الإيراني، لكن هذه الحوارات لم تكن بها صراحة ووضوح وندية؛ بحيث نؤكد للأخوة في إيران احترامنا لهم وتقديرنا لبعض مواقفهم، وفي الوقت نفسه ننتقد مواقفهم السلبية، بدافع الحرص على هذه العلاقة وعلى سمعتهم في الوطن العربي.
وبشكل عام فإن التيار القومي، على اختلاف مدارسه وتباين مواقفها، في حالة مراجعة علمية مدروسة للمواقف الإيرانية؛ نتيجة لما حصل في السنوات الأخيرة من سياسات إيران كدولة، وليس كثورة، ورغم وجود تباينات في داخل التيار القومي، فإن القطاع الأكبر حريص على أن يكون هناك حوار صريح وجاد مع إيران حرصًا على تطوير العلاقة معها، وقد ينجح هذا وقد لا ينجح، وفي حال لم ينجح أعتقد أن الخاسر الأكبر سيكون هم وليس نحن.
وعلى القيادة الإيرانية والمرجعيات الدينية التي نقدرها ونحترمها أن لا تتعامل مع حالة الضعف والتفكك التي يعيشها العرب الآن باعتبارها حالة دائمة وأبدية، ونحن نعيش الآن بداية النهوض الحقيقي للأمة العربية المتمثل في المقاومة العراقية الأسطورية التي بفضلها أربك وأضعف المشروع الإمبراطوري الأمريكي الذي يشاهد العالم الآن بداية سقوطه المتهاوي على كل الأصعدة وخاصة العسكرية والاقتصادية والنفسية.
كما أطالب مثقفي ومفكري الأمة العربية ونخبتها السياسية والأكاديمية، بأن تضع إستراتيجيات العالم تحت المجهر؛ لكي نفهم وندرك ونستوعب ونعرف ونقيم أين موقعنا فيها، وما يستهدفنا منها، وما يهدد أمننا ووجودنا وهويتنا القومية والدينية، ونبحث عن نقاط التلاقي وما هو مشترك معنا يخدم مصالحنا ويحقق أهدافنا وبالتالي إنتاج إستراتيجيات قومية عربية للتصدي لها أو التفاعل والتعاون معها، خاصة أن العالم يعيش هذه الأيام لحظة راهنة ومناسبة سينتج عنها بكل تأكيد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب على أنقاض الأحادية القطبية التي سادت العالم في العقدين الماضيين وانتهت مؤخرا بسقوط الإمبريالية الأمريكية ونظامها الاقتصادي المتمثل في الرأسمالية المتوحشة.

إسلام أون لاين.نت
الأحد. نوفمبر. 9, 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.