الأستاذ راشد الغنوشي : البعض لم يقبل إلى اليوم بنتائج الانتخابات ولم يقبلوا وصول الإسلاميين إلى السلطة ويطالبون دائما بإسقاط النظام ، وإسقاطه في النظم الديمقراطية لا يمر إلا عن طريق حجب الثقة في المجلس أو عن طريق الانتخابات أما إسقاطه عن طريق الشارع والدعوة إلى ثورة ثانية فهذا لن يؤدي إلا إلى الفوضى . فيما يلي ملخص لأهم ما قاله الشيخ راشد الغنوشي في لقائه مع قناة حنبعل : الدولة يجب أن تكون في خدمة الشعب وليس في خدمة الحزب لأن الشعب انتخب من يخدمه وليس العكس. تونس لم تحتج للدماء حتى تقرّ حكومة جديدة بل اعتمدت وسائل سلمية إلا أن الإعلام لم يهتم بالحدث وهو تشكيل هذه الحكومة الجديدة واعتبر ذلك أمرا تافها وتجده دائما يركّز على المآسي والفظائع . القناة الوطنية عندما تشكلت حكومة حمادي الجبالي وضعت الخبر في المرتبة الثالثة بينما كان في الإعلام العالمي هو الخبر الأول . الحكومة الجديدة ليست حكومة النهضة بل حكومة تونس . عندما نراجع التعيينات يجب أن ننظر هل هي ضرورية أم لا وهل كانت في مكانها أم لا وهل راعت جانب الكفاءة أم لا . رفضنا رفضا مطلقا إلغاء كل التعيينات واشترطنا توفر الكفاءة والنظافة والنزاهة . النهضة لم تخطئ عندما أرسلت أبناءها إلى الحكومة فهم منتخبون ودخلوها من بابها الشرعي وقد طلبنا منهم أن يخدموا فيها بتفان وان لا يجعلوها لخدمة الحزب . المعارضة في العادة تبشر بالأوضاع المثالية وتنتقد بحرية ولكن المعارضة اليوم نقدها غير موضوعي وهي لا تصور سوى الكوارث والمآسي وتضخمها . نحن في سنة ثانية ديمقراطية وممارستنا للحكم ليست مثالية ويجب التحلي بالحكمة والصبر. النهضة حركة دعوية امتدت بامتداد الإسلام لأنه دين ودولة وليس عبادات فقط ، والإسلام ينظم علاقة الفرد بالأمة والدولة ولكن عندما وصلنا للسلطة غلب علينا الجانب السياسي على حساب الدعوي ونحن اليوم سنتجه للتخصص بين ما هو دعوي وما هو سياسي . أبو يعرب المرزوقي فيلسوف معروف وقد التحق بالمجلس ضمن قائمة النهضة ولكنه ليس من النهضة . الشيخ مورو اجتهد ولكنه أخطأ فيما ذهب إليه . الغنوشي من الشعب ويعيش وسطه وقد انغمس وسط الناس في تالة ، أما الحجارة فقد اعتذرت عائلة الشهيد الرحموني عما قام به شباب طائش أجّرهم مناوؤون سياسيون . استطلاعات الرأي مازالت مبتدئة في تونس ولكن المؤكد أن لدينا كتلة وفية للنهضة لا تقل عن 37 بالمائة وما يُقال عن تراجع شعبية النهضة وارد لانه لا يوجد شيء ثابت في السياسة فقد تتخذ النهضة قرارات تزيد من شعبيتها وقد تفعل عكس ذلك فتتراجع تلك الشعبية مثلها مثل الإيمان الذي يزيد وينقص . الجبالي قدم مقترحا لحل أزمة التغيير الوزاري بعد أن ضجر من التجاذبات القائمة واقترح حكومة تكنوقراط بصفته رئيس حكومة لكن مؤسسات الحركة رفضت مقترحه وفاء منها لخيار الشعب في الانتخابات الفارطة . قرارات الحركة لا تصدر بسهولة فهي تمر بمراحل ودورات عديدة قبل الخروج بقرار من المؤسسات . الجبالي ساهم في اختيار علي العريض مرشحا لرئاسة الحكومة وأفشل كل من زعموا ان النهضة ستنقسم على نفسها . النظام الديمقراطي هو انعكاس لرغبة الجماهير والحركة مرنة وليست قالبا جامدا معاكسا لطلبات الشعب . النظام الحالي في تونس ليس له الحق في حل الجمعيات والأحزاب إلا عن طريق القانون وكل طرف له الحق في التظلّم وهو وضع يختلف عن الوضع الدكتاتوري الذي كان يحظر بنفسه الجمعيات والأحزاب دون العودة إلى القضاء . رفيق عبد السلام نظيف وكفء وهو لم يخطئ ولكن أرادوا تشويهه ، وقد رفع أمره للقضاء ، ونحن لسنا نظاما عائليا بل نظام مؤسسات . الجميع انتظر تشكيل الحكومة الجديدة فلما وُلدت ، تجاهلها الإعلام . المحاصصة الحزبية ليست كلمة فاسدة أو مرعبة وليست عيبا ولا جريمة ، فالحكم الائتلافي توزّع فيه الحقائب بحسب تمثيل الأحزاب وهي ليست طريقة عبثية ولا قرعة . أولويات الحكومة هي الأمن والتهدئة ونحن مستبشرون بوزير الداخلية الجديد وهو شخصية قوية ورجل حازم وقد نجح في القصرين ونأمل أن يطور عمل سلفه . نريد الانتهاء من قطع الطرق وهو أمر يمسّ من الأمن القومي وليس من حق المعارضة تعريض البلاد إلى الخطر وتكبيدها خسائر كبيرة بدعوى حق الاضراب ثم الطلب من الدولة أن تتفرج وتسكت . بن جعفر أعلن عن رزنامة تمنى تحقيقها وقد اتفق مع الكتل على الخطوات والمُدد اللازمة واستخلص ان أكتوبر هو الشهر المناسب للانتخابات . الدعوة المتكررة للحكومة لمساءلتها عطل الدستور والانتخابات . النهضة تندد بما حصل للسفير الفرنسي في بنزرت . بعض خصوم النهضة رفعوا شعار (الإسلامي الجيد هو الإسلامي الذي في السجن) وهي تُلزم من رفعه ولا تلزم من خرج معهم . البعض ظن ان وصول النهضة إلى السلطة يعني حصول حرب بيننا وبين أوروبا إلا أن العكس هو ما حصل وتم تطوير اتفاقية الشراكة معها ومنح تونس صفة الشريك المتميز ونحن نقدر لأوروبا انها احتضنت ابناءنا في وقت أغلقت فيه بعض دول الشرق أبوابها دوننا . لا توجد أزمة بيننا وبين فرنسا وقد اعتذرَت عما صرح به وزير داخليتها في حقنا ونحن حريصون على استقلال تونس ونريد من غيرنا أن يحترمه أيضا . الوضع الحالي ليس كله جيدا لان الحكم ممارسة بشرية . لقد أخطأنا عندما التزمنا بمهلة سنة واحدة لإعداد الدستور وهي مسألة تقديرية التزم بها 12 حزبا ولكن الإضرابات والحراك السياسي أجل ذلك . المجلس هو الذي يحدد موعد نهاية الدستور لانه هو من يملك الرزنامة وليس النهضة. صلاحيات المجلس واسعة وبالتالي لا تكفيه سنة واحدة لكتابة الدستور لأن لديه صلاحيات أخرى منها مراقبة الحكومة وسن القوانين . في بداية الاستقلال استمر عمل المجلس التأسيسي 3 سنوات ولم ينجز الدستور إلا سنة 1959 وهكذا الدساتير تحتاج إلى أن تُطبخ على نار هادئة ورغم ذلك فإنه يجب التعجيل فيه والخروج من الوضع المؤقّت. لم نشكّل لجنة لكتابة الدستور بسرعة مثلما حصل في مصر بل تركنا للشعب وممثليه الحق في كتابته. الموت مصيبة ومقتل بلعيد كارثة على تونس لكن في الكوارث يجب التماسك وليس الكلام بطريقة كلها هذيان واتهامٌ للنهضة بالتخطيط والتآمر والتنفيذ . أرادوا تحويل دم بلعيد إلى (بزنس) للمتاجرة به بطريقة تذكر بمقتل عثمان رضي الله عنه واتخاذ البعض من قميصه مطية للمطالبة بإسقاط حكم علي رضي الله عنه . حزب أقلّي يريد افتكاك السلطة عن طريق المتاجرة بدم بلعيد . الجزائر لم تمسك أحدا والداخلية لم تستلم منها احدا وكل ما قيل في الصحافة ليس سوى كذب ولا مصلحة للنهضة ولا للحكومة في إخفاء القاتل . يريدون تدويل القضية والحال انها ما تزال بيد القضاء . قانون تحصين الثورة طرحته 5 كتل نيابية وهو ما يزال مطروحا بالمجلس ، كما يوجد أيضا قانون العدالة الانتقالية . حصل خطأ وهو انه كان ينبغي ان يتم التعجيل بقانون العدالة الانتقالية حتى لا يرى الشعب جلاديه ومجرميه يتجولون بسلام دون محاسبة ، كما ان رجال الاعمال معطلون فلا هم حوسبوا ولا هم سُرّحوا ويجب فتح ملفاتهم حتى تمر تونس إلى الأمام. قانون العدالة الانتقالية أوسع من قانون تحصين الثورة وقد يُغني عنه وأنا مع الإسراع في المحاسبة مهما كان القانون الذي سيتم تبنيه . الصراع السياسي مقبول وهو جزء من حركة التاريخ بشرط أن يبتعد عن العنف ، ولهذا فنحن نرى أنه يجب أن يُحكم هذا الصراع بالقانون والعقل والأخلاق وإلا تحول إلى حرب حقيقية . من الطبيعي ان يكون للنهضة منافسون بشرط أن تكون المنافسة بوسائل سلمية أخلاقية . المصالحة أكيدة ولكن بعد المحاسبة حتى نمضي للمستقبل في وفاق وطني . العنف هو إنذار لكل من يتعاطى السياسة ولهذا السبب دعَوْنا أن يحكم الصراع بقواعد القانون والأخلاق والعقل ، وفي سياق التاريخ ، كل الثورات مرت بمراحل متقلبة ففي فرنسا عادت الملَكية وأعداء الثورة وسالت فيها دماء كثيرة ولكن وضعنا في تونس ليس كارثيا والحمد لله . البعض لم يقبل إلى اليوم بنتائج الانتخابات ولم يقبلوا وصول الإسلاميين إلى السلطة ويطالبون دائما بإسقاط النظام ، وإسقاطه في النظم الديمقراطية لا يمر إلا عن طريق حجب الثقة في المجلس أو عن طريق الانتخابات أما إسقاطه عن طريق الشارع والدعوة إلى ثورة ثانية فهذا لن يؤدي إلا إلى الفوضى . من صوتوا للحكومة الجديدة ليسوا كلهم من الترويكا بل من أحزاب وكتل أخرى . التجربة التونسية متميزة وغيرها من التجارب انقسم فيها الناس بين إسلاميين وعلمانيين وقد قدمت النهضة تنازلات وتضحيات حتى لا يحصل الانقسام على أساس إيديولوجي لأن البديل هو الإرهاب وسقوط الدولة . الشاب الذي حرق نفسه نرجو له الرحمة ولعائلته الصبر وادعو الشباب أن لا ييأس فتونس لها مستقبل كبير ولديها ثورة رائعة أبهرت العالم وموقعها ممتاز ولديها طاقات بشرية كبيرة وتحتاج اليوم إلى تفاهم السياسيين فيما بينهم . تونس ستكون في ظرف 5 أو 10 سنوات شبيهة بسنغافورة وبلدان النمور الآسيوية إن شاء الله. تحديث : 20 مارس 2013 المصدر :الموقع الرسمي لحركة النهضة