إذا نجحت تونس في الانتقال الى الديمقراطية فإنها ستكون أول نظام في الشرق الاوسط إسلامي رسمياً، وديمقراطي حقيقي في الوقت ذاته. وهذا من شأنه أن يوضح لكل من المجتمع المحلي والدولي أنه «ليس هناك تناقض بين الديمقراطية والإسلام»، كما قال رئيس حزب النهضة الحاكم في تونس، راشد الغنوشي، في خطاب له ألقاه في واشنطن. وإذا كان الرجل على صواب، فربما سنسمع ما سمعته في بداية الربيع العربي - الحديث للكاتب - من العديد من أصدقائي المصريين، وهو انه «إذا تمكنت تونس من القيام بذلك فإننا سنتمكن من فعله أيضاً»، ويبدو أن الانتشار المحتمل للديمقراطية في المنطقة منوط بنجاح التونسيين. تحتاج إلى فترة زمنية كافية للخروج من مشكلات المرحلة الانتقالية سارة غولد*-اعلام دولي-الوسط التونسية: ترجمة: حسن عبده حسن عن «فورين بوليسي إن فوكس» بداية عام 2011 كانت جميع العيون مركزة على تونس، بعد أن تمكنت هذه الدولة من الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي وحكمه المستبد، إثر شهور من الاضطرابات، الأمر الذي أدى الى إطلاق ما بات يعرف بالربيع العربي. وبعد مرور ثلاث سنوات تقريباً، خرج التونسيون من دائرة اهتمام معظم المراقبين واختفوا عملياً من العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام. وأدى ذلك إلى ظهور فكرة مفادها أن تطور ما بعد الثورة ينطوي على أهمية بسيطة بالنسبة للشعب الاميركي. ولكن، إذا كانت واشنطن تنوي حماية مصالحها في المنطقة، فإنها ستقوم بالخطوات اللازمة للتركيز بصورة وثيقة أكثر على هذه الدولة الصغيرة الواقعة في شمال إفريقيا. وإذا نجحت تونس في الانتقال الى الديمقراطية فإنها ستكون أول نظام في الشرق الاوسط إسلامي رسمياً، وديمقراطي حقيقي في الوقت ذاته. وهذا من شأنه أن يوضح لكل من المجتمع المحلي والدولي أنه «ليس هناك تناقض بين الديمقراطية والإسلام»، كما قال رئيس حزب النهضة الحاكم في تونس، راشد الغنوشي، في خطاب له ألقاه في واشنطن. وإذا كان الرجل على صواب، فربما سنسمع ما سمعته في بداية الربيع العربي - الحديث للكاتب - من العديد من أصدقائي المصريين، وهو انه «إذا تمكنت تونس من القيام بذلك فإننا سنتمكن من فعله أيضاً»، ويبدو أن الانتشار المحتمل للديمقراطية في المنطقة منوط بنجاح التونسيين. وعلى المستوى الدستوري، حققت تونس عملا جيدا حتى الآن. وفي صيغة انتخاباتها عام 2011، أسست تونس نظاماً انتخابياً يضمن الشفافية الانتخابية بصورة معقولة، وأسست أيضاً مناطق انتخابية بمقاييس معتدلة، إذ يتم انتخاب عدد كاف من الاشخاص لتمثيل العديد من المصالح والافكار، ولكن دون أن تكون هناك آلية محاسبة الممثلين بصورة شخصية. وذكر وفد مراقبة الانتخابات المنبثق عن المعهد الوطني للديمقراطية «أن انتخابات الجمعية التأسيسية انجاز فوق العادة بالنظر إلى سرعة انجازه بعد أن عانت الدولة عقوداً من الحكم الاستبدادي». وجرى وصف حزب النهضة الذي حقق الاغلبية حالياً في الجمعية التأسيسية التونسية بأنه حزب سياسي إسلامي معتدل. وباعترافه فإنه بحاجة الى المساعدة ليتمكن من الحكم، وبمحاولة المساعدة على وضع نهاية للخصام المستمر بين الاسلاميين والعلمانيين، تمكن النهضة من تشكيل ائتلاف مع حزبين علمانيين رئيسين. وكان ذلك جهداً، ليس لتمثيل الغالبية، وإنما جميع اشكال الطيف السياسي المعتدل. وشكل استعداد النهضة لتقديم التنازلات، الرافعة الاساسية لإنجاح الانتقال الى الديمقراطية. وقال الغنوشي مؤسس الحزب ورئيسه «حاولنا جاهدين تجنب الاستقطاب الايديولوجي، لأن ذلك يشكل وصفة جيدة من أجل الفوضى والفشل، ولهذا قدمنا العديد من التنازلات، سواء في الحكومة او في الدستور بغية تجنب المخاطر». وفي حقيقة الأمر فإن «النهضة» تنازلت عن العديد من الحقائب الوزارية لمرشحين مستقلين. ولوضع دستور تمثيلي شامل، شاركت النهضة مع عدد من اللاعبين السياسيين المتنوعين ومنظمات المجتمع المدني، وهي إشارة ايجابية بالنسبة للمستقبل، حيث يحتفظ كل من الحكومة والمجتمع المدني بعلاقة جيدة تمتاز بالاحترام المشترك. وجاء تتويج 16 شهراً من المباحثات، بما فيها خمسة أسابيع من الحوار الوطني بين ابرز الأحزاب السياسية، انبثاق المسودة الأحدث من الدستور التونسي الجديد التي تعكس «الحريات السياسية والتوزيع السلمي للسلطة والاحترام المشترك، والدولة المدنية، والجهاز القضائي المستقل، ورفض سيطرة الدولة او العنف»، حسبما ذكره المحلل مارك لينش، وكذلك قبول حرية التعبير، وعالمية حقوق الانسان. وهي توزع أيضاً السلطة التنفيذية بين الرئيس ورئيس الحكومة، وهي واحدة من الاجراءات التي تتخذ لمنع حدوث الاستبداد بالحكم. وأهم التنازلات ذات الدلالة التي قدمها حزب النهضة هي قراره بعدم ذكر الشريعة في الدستور بالمطلق، وليس أنها مصدر التشريع. وهذا التنازل بالتحديد يعلن أن النهضة يمكن أن تحمل إمكانية القيادة الناجحة لحكومة ديمقراطية على نحو حقيقي. لكن بالنظر الى استعداده لتقديم التنازلات فإن حزب النهضة خسر بعضاً من عضويته ودعمه من قبل الاحزاب السلفية المحافظة، التي توجد غالباً في المناطق الاكثر فقراً، وبناء عليه فقد عمد العديد من هؤلاء الغوغاء الى تدمير متاجر المشروبات الكحولية، والاضرحة الدينية، كما أنهم هاجموا خصومهم. وهذا جزء من قضية كبيرة وملحة، مفادها أن الوضع الاقتصادي للأفراد الذين أطلقوا الثورة لم يتحسن قيد أنملة. وعلى الرغم من التوقعات الكبيرة التي وضعها التونسيون لهذه الثورة، إلا أنهم يفتقرون الى الصبر الملائم، وهذا يعني أن القادة التونسيين بحاجة الى تعزيز جهودهم من أجل تحفيز التطور الاقتصادي، وبسرعة، ولكن كيف يقومون بذلك بينما هم مشغولون بتشكيل الحكومة برمتها؟ يأتي هنا دور واشنطن. علمنا من الماضي ان الولاياتالمتحدة لا تفهم بصورة شاملة المراحل الانتقالية التي تشترك فيها، ومع ذلك فإنه من الواجب على واشنطن ان تدعم تونس، طالما استمرت في مواصلة هذه المرحلة، خصوصاً في ما يتعلق بالاقتصاد، وإذا ظل الاقتصاد على وضعه الحالي فإن التونسيين المحبطين، خصوصاً الشبان الذين شاركوا في اطلاق الثورة، يمكن أن يثوروا من جديد، إما ضد من هم في السلطة أو ربما ضد المؤسسات الديمقراطية نفسها، وهذه واحدة من أكبر التهديدات التي تواجه نجاح المرحلة الانتقالية في الدولة. وفي الواقع فإن اصلاح الدول وإعادة هيكلتها، ليس بالعمل الذي يتم انجازه سريعاً، اذ إنه يستغرق وقتا طويلا، كما أن النتائج لن تكون مثالية، ولكن تونس تسير على الطريق الصحيح. ويتعين على واشنطن أن تعمل ليس على تسريع العملية فقط، وإنما تمكين تونس من العمل بوتيرة تضمن فاعلية قراراتها. ويمكنها القيام بذلك عن طريق المساعدة في معالجة التهديدات الناجمة عن الاقتصاد الضعيف، سواء عن طريق توسيع المبادرات التي تدعم الاعمال المتوسطة والصغيرة، وزيادة عدد ومدى البرامج التي تساعد على بناء المهارات التسويقية للشباب، أو عن طريق التبرع لتخفيف الديون، ويجب أن تكون جميعها مشروطة بالتزام الحكومة بالديمقراطية وحماية أسس الحريات. ويبدو الصبر في حالة تراجع وتضاؤل، لكن تونس بحاجة الى مزيد من الوقت لتنفيذ هذه المرحلة الانتقالية المهمة، وتستطيع الولاياتالمتحدة أن تشتري هذا الوقت وعليها ان تفعل ذلك، فتونس يجب ألا تفشل. *كاتبة في «فورين بوليسي إن فوكس» «فورين بوليسي إن فوكس» - 2 جويلية 2013