بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع على اندلاع أول مواجهات مسلحة بين عناصر مجموعة تونسية منظمة ومتشددة تقاطعت كل الدلائل على انتمائها لتيار مايسمى ب"السلفية الجهادية" ذي الامتداد المغاربي وبين عناصر من الأمن الداخلي مسنودة من عناصر الجيش الوطني,بات في عداد المؤكد أن الفرق الأمنية الخاضعة لاشراف وزارة الداخلية التونسية لم تعد مسيطرة بمفردها على مجريات الأوضاع الأمنية بالبلاد ,فلقد أشارت كل التقارير الواردة من تونس الى حصول انتشار عسكري واسع يذكر بفترات اعلان حالات الطوارئ بعيد أحداث الخبزة سنة 1984 وأحداث الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1978 . جاءت كل المعلومات التي تحريناها من خلال افادات وكالات الأنباء العالمية ومن خلال الصحف الدولية ومصادر المعارضة التونسية داخل البلاد قاطعة الشك باليقين حول عجز الأمن الداخلي عن التصدي لمجموعات ارهابية انتشرت حوالي محور العاصمة تونس مابين حمام الأنف ووسط المدينة-باب بنات وباب سعدون-ومدينة سليمان المحاذية لولاية نابل,ومن هنا فقد توجب حسم الأمور بقوة التدخل العسكري المحترف من قبل عناصر الجيش الوطني ,حيث أوردت الكثير من التقارير خبر تدخل سلاح الدبابات على مدخل مدينة سليمان من أجل تطويق وهزيمة العناصر المسلحة,وهو ماتوفقت له بعد يوم كامل من المصادمات الدموية حسبما أفادت بذلك وكالة الأنياء الألمانية ,التي أفادت بتواصل الاشتباكات الى ساعة متأخرة من مساء يوم الرابع من جانفي 2007. وفيما توقفت الاشتباكات على مايبدو بعد اخر المواجهات الدامية بسليمان والتي أسفرت عن 25 قتيلا بحسب ماأفادت به وقتها وكالة رويترز للأنباء ,الا أن التقارير الاعلامية اتجهت الى التأكيد على استمرار حالة الانتشار العسكري على امتداد الطريق السيارة بين العاصمة تونس وجنوب البلاد ,في الوقت الذي استمرت فيه عمليات التجنيد القسري وعملية التعبئة الاعلامية من أجل التحاق الشباب طوعيا بالخدمة الوطنية المسلحة. وحيث يعزو المؤرخون تراجع الدور الكبير للمؤسسة العسكرية التونسية الى فشل محاولة الانقلاب التي خططت لها سنة 1963 مجموعة لزهر الشرايطي ,وتقييد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لدور هذه المؤسسة دستوريا وقانونيا وسياسيا على ضوء تورط بعض عناصرها في محاولة الانقلاب ,فان الكثير من المؤشرات تدل على أن مايعترض تونس من تحديات أمنية بارزة وثقيلة في ظل مخاطر مغاربية الجماعات الارهابية المتشددة وشبكاتها اللوجستية المعقدة على مستوى الشمال افريقي ,ثم القدرة القتالية البارزة لعناصرها في ضوء خبرات ارهابية اكتسبتها من تجربة العمل المسلح والدموي في الجزائر,هذه المؤشرات تدل على اقبال جديد في الاعتماد على مؤسسة لها قدرات تسلحية تفوق قدرات عناصر الأمن الداخلي,وهو ماسيفتح الباب في نظر البعض من المراقبين للمشهد السياسي في تونس أمام دور عسكري متقدم سيلعبه مستقبلا قادة الجيش الوطني على خلفية أن دورهم لم يعد مقصورا فقط على حماية الثغور والحدود والتدريب الروتيني وانما أصبح يتعداه الى الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي. اذا ماتكررت عمليات الوجود الارهابي المسلح داخل تونس ومدنها وعجزت فرق الأمن الكلاسيكي المؤتمرة بأوامر وزارة الداخلية عن ايقاف هذا النزيف الذي بات يهدد أمن واستقرار البلاد ونمو حياتها السياسية بشكل طبيعي ,واذا تكرر انتشار الوحدات العسكرية بالبلاد وتدخلها من أجل ضبط الأمن والسيطرة على عناصر متمردة ترفع السلاح في وجه قانون احتكار القوة المسلحة من قبل الدولة ,فان تونس ستكون أمام وضع انتقالي جديد سيلعب فيه العسكريون الكبار دورا غير مسبوق في تاريخ البلاد ,وهو مايعني اطلالة عسكرية قوية على الحياة السياسية ربما تمهد لوضع انتقالي تونسي على الشكل الموريتاني من شأنه أن يعيد الروح الى العملية الانتخابية ومكونات الفضاء العام,وربما تفسح الباب للقوات المسلحة من أجل اعادة ترتيب أوضاع الدار على خلفية حقبة تاريخية سيكون من أولوياتها مكافحة الارهاب وهو ماسيجعل تونس أمام دور خارجي , جديد ومطلوب قد يزيد من تعسير شروط الحياة السياسية المدنية والطبيعية في ظل رغبة أمريكية جامحة في التصدي وبصرامة أشد الى فلول وجماعات العنف المسلح بمنطقة الصحراء الكبرى والشمال الافريقي. حرر بتاريخ 10 جانفي 2007 للتواصل مع الكاتب : [email protected]