أوضح المدير التنفيذي للشبكة العربية لحقوق الإنسان، أن الحكومات العربية تنظر إلى الإنترنت باعتباره "خصماً عنيداً". وأكد جمال عيد في حديث مع سويس إنفو أن سياسات الحكومات تدعو للحدّ من حرية استخدام الإنترنت وتداول المعلومات عبر الشبكة، مشيراً إلى أن "أغلب دول العالم العربي تغيب عنها حرية الرأي والتعبير". أوضح الباحث القانوني جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لحقوق الإنسان، أن الحكومات العربية تنظر إلى الإنترنت باعتباره خصماً عنيداً وأن سياساتها تدعو للحدّ من حرية استخدامه وتداول المعلومات عبر الشبكة العنكبوتية، مشيراً إلى أن "أغلب دول العالم العربي تغيب عنها حرية الرأي والتعبير، وعلى رأسها السعودية وتونس وسوريا ومصر". وقال عيد في حوار خاص مع سويس إنفو: "رغم العمليات الكبيرة التي تقوم بها بعض الحكومات العربية لمحاربة الحريات على الانترنت، فقد وجدنا أن مواقع الانترنت تزداد انتشاراً. فمقابل كل موقع يتم حجبه، تصدر عدّة مواقع أخرى، وبالتالي، تفشل المخططات الحكومية لوأد الحريات". جمال عيد: الشبكة العربية لحقوق الإنسان، منظمة غير حكومية، تعمل في مجال حرية الرأي والتعبير، واستخدام الإنترنت جزء أصيل منها، كما وجدنا كثيرا من المسؤولين في الحكومات العربية يشككون في مِصداقية تقارير مُعظم المنظمات الدولية، مثل: مراسلون بلا حدود وهيومان رايتس ووتش، على اعتبار أنها منظمات غربية وغير وطنية، فقررنا من خلال شغلنا وتواجدنا على أرض الواقع بمصر أن ننقل صورة واقعية عما يحدث من سياسات الحكومة في التعامل مع الإنترنت، ثم تطوَّرت الفِكرة ليَشمل التقرير الحكومات العربية ولا يقتصر على مصر. جمال عيد: فعلاً.. تقريرنا ليس سنويا ولا دورياً، وقد اتفقنا أن يصدر كلما كان هناك جديد يستدعي إصداره، فلم نرد أن يكون تقريراً دوريا روتينيا يكرّر نفسه، فالعديد من التقارير الدورية لا تجد فيها جديداً. جمال عيد: هذا التقرير هو الثاني الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تحت عنوان "خصم عنيد.. الإنترنت والحكومات العربية"، بعد حوالي 30 شهرا من صدور التقرير الأول، الذي خرج للنور في منتصف عام 2004، تحت عنوان "الإنترنت في العالم العربي: مساحة جديدة من القمع؟". وقد بدأنا فيه منذ يوليو 2004، أي بعد شهر واحد من إصدار التقرير الأول، وهو يقع في 190 صفحة متضمِّنا 19 فصلاً عبارة عن فصول ل 18 دولة عربية، وفصل عن المدوّنات العربية، بالإضافة إلى مقدمة عن العالم العربي. جمال عيد: أعلنا عن التقرير في مؤتمر صحفي عُقد باللغتين، العربية والإنكليزية، بمقر نقابة الصحفيين بمصر يوم الأربعاء 13 ديسمبر 2006 بمشاركة لجنة الشؤون العربية ولجنة التدريب والمتابعة بالنقابة، وتم توزيع نُسخ منه باللغتين، العربية والإنكليزية على الحضور، وهو موجود بنصِّه على موقع الشبكة على الإنترنت. جمال عيد: اعتمدنا على اللِّقاءات الميدانية مع بعض نشطاء الإنترنت وأيضاً على استطلاع رأي أعدته الشبكة، إضافة إلى بعض التقارير الحقوقية والصحفية، فضلا عن رسائل مُتبادلة بين الشبكة وبعض أصدقائها في عدد من دول العالم العربي. جمال عيد: عَملياً، شارك من مصر 6 باحثين، إضافة إلى شبكة من المتطوعين، غير الزيارات الميدانية التي قمنا بها إلى عدد من الدول العربية مثل: المغرب واليمن ولبنان والأردن، إضافة إلى الرسائل التي وصلتنا من المتطوِّعين من بعض الدول العربية الأخرى. وقد أعَد التقرير وحرَّره إيهاب الزلاقي، الصحفي بجريدة الدستور المستقلة والصحفية سالي سامي، مديرة البرامج بالشبكة العربية، وقمت بمراجعته وكتابة التقديم والجزء الخاص بالمدوّنين العرب، كما قامت داليا زيادة بترجمته إلى اللغة الإنكليزية. جمال عيد: التقرير صدر بدعم من الصندوق النرويجي لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية تدعم منظمات حقوق الإنسان في مناطق الشرق الأوسط، ورغم أن شمال إفريقيا ليس جزءا من المناطق محل اهتمامها، إلا أنها وافقت على دعم مشروعنا لمَّا شعرت بأهميته. جمال عيد: التقرير يُغطي 18 دولة عربية، ويتناول تحديثا لتطورات الصراع بين حكومات 11 دولة، التي تناولناها في تقريرنا الأول، ويتميَّز عن سابقه برصد ملامح الصِّراع ومعلومات جديدة عن 7 دول إضافية لم يتناولها التقرير الأول، كما تضمَّن فصلا عن نشأة المدوَّنات ونشاط المدوِّنين العرب، الذين برزوا بقوة كمناصر قوي، ليس فقط لحرية استخدام الإنترنت، بل لحرية التعبير وحقوق الإنسان بشكل عام مؤخراً. سويس إنفو: وما أهم ما توصلتم إليه من نتائج؟ جمال عيد: عندما أصدرنا التقرير الأول، وجدنا أن الحكومات العربية تُصادر على حريات مستخدمي الإنترنت ووجدنا مساحة جديدة من القمع ضدّ مستخدمي الشبكة العنكبوتية، والآن، وبعد صدور التقرير الثاني، وجدنا أن سياسات الحكومات العربية تعمل باجتهاد مخطَّط للحد من حرية استخدام الإنترنت وتداول المعلومات عبر الشبكة العنكبوتية. سويس إنفو: عفواً.. لكن المُطالع للتقرير، يلحظ أنه افتقد للتوازن والحيادية وأنه متحامل على الحكومات؟ جمال عيد: بالفعل، فنحن لسنا طرفا محايدا في الصراع، ولكننا داعمون لحرية التعبير، ومنها حرية استخدام الإنترنت، فما نراه من الصراع بين الحكومات العربية ومستخدمي الانترنت هو جزء صغير من جبل الجليد، الذي يمثل صراعا حقيقيا بين هذه الحكومات وحرية التعبير، كملمح من ملامح الديمقراطية، التي طال غيابها عن العالم العربي. سويس إنفو: ولكن إلى أي مدى نجحت الحكومات في مصادرة الحريات عبر الإنترنت؟ جمال عيد: رغم العمليات الكبيرة التي تقوم بها بعض الحكومات العربية لمحاربة الحريات على الإنترنت، وجدنا أن المواقع تزداد انتشاراً، فمقابل كل موقع يتم حجبه، تصدر عدة مواقع أخرى، وبالتالي، تفشل المخططات الحكومية لوأد الحريات. سويس إنفو: وما أهم الاستنتاجات والملاحظات التي رصدتموها؟ وما أكثر الدول عداوة للإنترنت؟ جمال عيد: هناك غياب لحرية الرأي والتعبير في أغلب دول العالم العربي، مثل السعودية وتونس وسوريا ومصر وليبيا، والأخيرة كانت منظمة "مراسلون بلا حدود" المختصة بحقوق الإنسان استبعدتها من قائمة الدول المعادية للإنترنت، لكننا نرى أنها لا زالت مُعادية، بدليل أول صحفي قُتل لكتاباته على الإنترنت، وهو الصحفي الليبي ضيف الغزال، الذي شوِّهت أصابعه في رسالة قاسية للكتّاب الرافضين للقمع والفساد. سويس إنفو: وهل كل الحكومات العربية، بلا استثناء تعادي الإنترنت؟ ألا توجد بارقة أمل؟ جمال عيد: للأسف، فإنه حتى بعض الدول التي كانت معروفة باعتدالها واحترامها النِّسبي لحرية استخدام الإنترنت، مثل الأردن والإمارات، والتي كنَّا نعتبرها بارقة أمل واستثناء عن القاعدة تراجعت ودخلت حلبة الصراع، غير أن الأمانة المهنية تقتضي القول بأن هناك دولاً تقف على الحياد حتى الآن، وتظهر احتراما لهذه الحرية، مثل لبنان والمغرب. سويس إنفو: وماذا بوسع هذه التقارير أن تفعل في مواجهة هذه الحكومات؟ جمال عيد: في التقرير الأول، قدمنا نصائح وتوصيات، وفي التقرير الثاني، وبعدما رصدنا السياسات الحكومية، وكيف تتعامل مع مستخدمي الإنترنت، أطلقنا صرخة تحذير وكشفنا حقيقة الحرب وأسلحتها، وبيَّنا أن الحرية في العالم العربي في خطر، وليس بوسعنا كمنظمة حقوق الإنسان أن نفعل أكثر من ذلك، فنحن لسنا حِزباً ولا جماعة ولا قوة سياسية، وإنما منظمة حقوقية تعنى برصد وتحليل الظواهر والتنبيه والتوعية بمخاطر الأمور. سويس إنفو: ولكن، ما فائدة منح المزيد من الحريات لمستخدمي الانترنت؟ جمال عيد: الفائدة كبيرة، ومنها إعطاء مساحة أوسع للمعلومة والخبر اللذين ظلا طويلاً يعانيان من صعوبات الإعلام التقليدي، المتمثل في الإذاعة والتلفزيون والصحافة المطبوعة، وللعِلم، فإن الإنترنت مساحة تصعب الرقابة عليها تماماً، وهي ليست مستحيلة، لكنها ليست سهلة، فقد تنجح في منع موقع، ولكن من الصعب منع خبر من الانتشار، ومن خلال تقنية (RSS) يمكنك بث الخبر بمجرد إضافته. سويس إنفو: ولكن، إلى أي مدى ترفض الرقابة على الإنترنت؟ وهل الرقابة دائماً شرا؟ جمال عيد: الرقابة ليست شراً مَحضاً، ولكنني ضدّ الرقابة الحكومية، وأؤيد رقابة المستخدم من خلال برنامج لمنع استخدام المواقع الإباحية (البورنو)، كما أؤيد رقابة القضاء "صاحب الخِبرة" في التعامل مع هذه القضية، ويمكن للدولة أن تعيِّن هيئة مستقلة للحكم في ذلك، فلا يصلح للسلطة أن تكون خصماً وحَكماً في ذات الوقت.