قبل ثلاثة أشهر أرسل لي المفكر الكويتي المرموق الدكتور عبد الله النفيسي مقاله بعنوان "الحالة الإسلامية في قطر" للنشر في مجلة المنار الجديد ، هذه هي المرة الأولى التي يشاركنا النفيسي بالكتابة واعتبرتها إضافة مهمة تضم إلى النخبة العربية والإسلامية التي شرفنا بها في المنار الجديد مثل أصحاب الفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية والشيخ سلمان العودة ومفكرون أعلام مثل الدكتور عبد الوهاب المسيري والدكتور محمد سليم العوا والمستشار طارق البشري والعشرات من النخبة التي أثرت المجلة على مدى تسع سنوات ، عندما قرأت عنوان المقال الذي تفضل بإرساله على الفاكس وجدته بعنوان "الحالة الإسلامية في قطر" ، واستغربت اهتمام النفيسي بهذا الموضوع ، لأن الحالة الإسلامية في قطر بكل المقاييس لا تمثل حضورا كبيرا في عموم الحالة الإسلامية ، ولكني بعد أن فرغت من قراءة المقال قررت على الفور جعله هو الافتتاحية للعدد ، وذلك أن القضية التي عالجها الدكتور عبد الله النفيسي كانت تحليلا لتجربة فريدة في العمل الإسلامي ، وخاصة في إطار تجربة الإخوان المسلمين ، النفيسي عرض بالتفصيل للدراسة التي أجراها إخوان قطر والتي انتهت إلى قرارهم بحل التنظيم والتحول إلى تيار فكري واجتماعي ، واعتبر النفيسي أن هذه التجربة بكل أبعادها وتفاصيلها الفكرية تصلح تماما للتعميم ، بل إنه ذهب إلى أنها تصلح حتى في مصر ، البلد الأم الذي شهد ميلاد الجماعة تاريخيا ويحمل مرشد الجماعة جنسيتها منذ النشأة وحتى اليوم ، وكنت على ثقة من أن مقال النفيسي سيثير جدلا واسعا ، وهو ما حدث بالفعل عقب صدور المجلة وتناولت القضية بالنقاش الكثير من الصحف العربية والأجنبية كما تناولتها أقلام عدة ، وكنت أتمنى أن تقابل قيادات الإخوان ما طرحه النفيسي بتأمل عميق ودراسة متأنية بدلا من الردود العصبية والمتوترة التي ووجهت بها ، وخاصة الردود التي قالها الدكتور محمد السيد حبيب نائب المرشد ، وأخيرا ما قاله المرشد نفسه في حواره أمس مع الزميل فراج إسماعيل في موقع قناة العربية ، حيث بدت انعكاسات الملاحقات الأمنية والاضطراب الذي أصاب الجماعة من جرائها واضحا على رد الفعل وتقييم ما طرحه النفيسي ، لقد كانت إجابة فضيلة المرشد على سؤال الزميل بخصوص ما طرحه النفيسي ما نصه : (يا حبيبي نحن تنظيم وموجودون، والتنظيم معلن ومعروف. وأي جماعة ليس عندها تنظيم، عليك أن تتيقن بأنها ستنتهي، لأن التنظيم وباعتراف كل المفكرين والكتاب، هو من الأسباب الرئيسية لتواجد الإخوان وصمودهم على مدار 80 سنة مع كل هذه الضربات غير المبررة وغير المعقولة، فمن خلال التنظيم عرفنا كيف نربي الناس ونفهمهم الإسلام الصحيح، في ظل افتقارنا إلى الإعلام والوسائل الأخرى) انتهى النقل ، وواضح أن التوتر هو الحاكم للحديث ، كما أن روح التحدي والمخاطرة حاضرة أيضا ، بالحديث علانية عن "التنظيم" ووجوده والتمسك به إلى آخر مدى ، وهو كلام يحمل قيمة أدبية ومعنوية في عرف الحركة الإسلامية ، ولكنه غير مسؤول في الحساب الإجمالي للموقف ولكيان سياسي بحجم الإخوان ، والمشكلة أن هذه العصبية والتوتر ليس وقفا على أوقات المحنة أو الإرهاق الأمني ، بل هو موقف دائم من قبل ذلك وأظن من بعده أيضا ، ودائما نسمع العبارة التقليدية "هذا ليس وقته" للهرب من استحقاقات المراجعات الجادة ، و"وقته" هذا لا يجيئ أبدا ، لا يمكنني أن أبرر الحملة القاسية و"المتكلفة" التي توجه للإخوان الآن بل لا أتردد في إدانتها ، ولكني أيضا لا يمكنني فهم الجمود والمكابرة التي تصبغ سلوكيات الحركة في السنوات الأخيرة بشكل واضح .