غدا يتنحى (التاسع عشر من نيسان بريل) العقيد أعلي ولد محمد فال عن منصبه ويغادر القصر الرئاسي ب بعد تسليم السلطة للرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. ولا أحد حتى الآن يعرف على وجه التحديد إلى أية وجهة سينطلق العقيد عندما ينتهي حفل التنصيب الرسمي الذي يدوم عدة ساعات بحضور بعض رؤساء الدول والحكومات وممثلي الهيئات القارية والدولية. ومن الواضح – بحسب المراقبين للشأن الموريتاني – أن رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي أطاح قبل 19 شهرا بنظام معاوية ولد الطايع لم يسأم التربع على هرم السلطة حتى وإن اضطرته متطلبات الوفاء بالتنازل عنها بشكل طوعي، مشكلا بذلك إحدى النوادر القليلة التي يتخلى فيها رئيس إفريقي عن الكرسي لصالح اختيار الشعب. وتوحي تصرفات العقيد وطريقة تعاطيه مع الساحتين الوطنية والدولية، خاصة العدد الهائل من الزيارات التي أداها لبلاد كثيرة خلال هذه الفترة الوجيزة والعلاقات المختلفة التي نسجها مع بعض من قادة العالم، بميله إلى سكنى القصر الرمادي وسط العاصمة . ومع ذلك فإن تعدد الاحتمالات وكثرة الخيارات المتاحة تجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بشكل ناجح بما يجول في مخيلة المدير العام للأمن الوطني في عهد ولد الطايع، المتشرب حتى النخاع بثقافة السرية والكتمان. فهل سيركن الرجل إلى الراحة والاستجمام أم أنه سيواصل مشوار العطاء والعمل في آفاق أخرى أكثر رحابة وأقل معاناة. لقد استقبل اعل ولد محمد فال ظهر اليوم الاثنين بالقصر الرئاسي في رسالة من زوجة أمير دولة قطر الشيخة موزة بنت ناصر المسند تدعوه من خلالها إلى الانضمام للمنظمة العربية للديموقراطية، وذلك "تقديرا لجهود موريتانيا في المجال الديموقراطي". وتقول الرسالة التي تعتبر الرئيس "فال" رمزا على هذا الصعيد "نريد أن تعم التجربة التي عرفتها موريتانيا". لكن رد هذا الأخير على الدعوة الأميرية لم يكشف عنه النقاب حتى الآن. أما العقيد نفسه، فدأب على توخي الحذر في التصريحات التي يدلى بها من وقت لآخر لوسائل الإعلام والتي قد يؤولها البعض للوصول إلى ما يدور في خلده بعد انتهاء الفترة الانتقالية. آخر هذه التصريحات كانت ليومية "ماغرب" الموريتانية الناطقة بالفرنسية ردا على سؤال حول ما ينوي الرئيس فعله بعد خروجه من القصر الرئاسي، حيث قال "سأنطلق إلى المناطق الداخلية للبلد لأخذ قسط من الراحة، وسأقوم بزيارة هذه الأماكن التي أفضلها على قصور العالم بأكملها". لكن ولد محمد فال، كعادته، لم يفصح عن ما بعد الراحة، هل هو تقاعد نهائي أم أنه تسخين للأعصاب واستعداد للعودة إلى القصر عن طريق صناديق الاقتراع بعد خمس سنوات على الأكثر. ذلك أن عددا من المحللين السياسيين المشاكسين لا يستبعدون أن يتم إيجاد وسيلة لإنهاء فترة ولد الشيخ عبد الله الرئاسية بشكل مبكر وفتح باب انتخابات جديدة يشارك فيها العقيد، على الطريقة المالية، حيث نفذ الضابط "آمادو توماني تورى" انقلابا على الرئيس الأسبق "موسى اتراورى" وسلم السلطة لرئيس منتخب هو "آلفا عمر كونارى" قبل أن يعود إلى الرئاسة بواسطة انتخابات حرة. نفس الغموض اتبعه الرئيس فال كذلك في تصريح أمام عدسات الكاميرات وميكروفونات الصحفيين وهو يخرج من مكتب التصويت عندما سؤل هل سيعتزل السياسة بعد تسليم السلطة فأجاب "ليس بالضرورة". ويذهب بعض المراقبين الكاريكاتوريين إلى وصف الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بأنه بمثابة "محلل شرعي" بالنسبة لرئيس المجلس العسكري، في إشارة إلى الرجل الذي يتزوج امرأة ثم يطلقها لكي تحل لزوجها السابق بعدما حرمت عليه.