بسم الله الرّحمن الرّحيم و الصّلاة و السّلام على النّبيّ الصّادق الأمين الّسّجن المدني بالمرناقيّة 13 ربيع الثّاني 1428 30 أفريل 2007 الى أبي الحبيب السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته الله أكبر، الله أكبر،الله اكبر، انّا لله و انّا اليه راجعون قال الله عزّ و جلّ:"وما كان لنفس أن تموت الا باذن الله كتابا مؤجّلا و من يرد ثواب الدّنيا نؤته منها و من ".يرد ثواب الآخرة نؤته منها و سنجزي الشّاكرين تعازيّ الصّادقة لأسرة الفقيد الواسعة و لعائلة المهندسين الأوسع لوفاة السّيّد مختار العتيري رحمه الله ورزق أهله صبرا جميلا و أحياهم حياة طيّبة و بارك في ذرّيّتهم ليسيروا على خطاه في طريق العلم و الايمان و الاجتهاد في خدمة البلاد أبي العزيز: يوم الأحد الثّاني و العشرين من شهر أفريل الجاري علمت عن طريق الصّحافة المكتوبة بنبئ أحزنني و أثار عقلي و قلبي و عاد بي الى ماضي جميل لا ينسى و لا يمحى، خبر وفاة السّيّد مختار العتيري رحمه الله المدير الأوّل للمدرسة الأولى للمهندسين في تونس، و الّذي ارتقى في ادارة المدرسة الى معاملة التّلاميذ المهندسين معاملة الأب لأبنائه بما ساعد على اشاعة جوّ عائلي بعيدا عن علاقات التّوتّر السّائد بين الطّلبة و الادارة الى جانب اجتهاده في تطوير المستوى العلمي و العملي للتّلميذ المهندس لتخريج نخبة من المهندسين أحوج ما تكون اليهم البلاد لاصلاح ما فسد أيّام الاحتلال الفرنسي و تدارك ما فات من بناء بعد ما يقارب العقدين على تسلّم تونسيّين لادارة شؤون البلاد. هذا الاجتهاد العلمي و العمل الوطني و التّعامل المتحضّر يؤهّل الفقيد طيلة حياته و اثر وفاته لبلوغ مكانة متميّزة في تاريخ قطاع المهندسين ماضيا و حاضرا و مستقبلا، فهو أب المهندسين في تونس" و قدوة حسنة للمديرين في الجامعة علمت بالخبر في نفس اليوم الّذي تمّت فيه الجنازة الّتي حرمت من المشاركة فيها بحكم السّجن ليضاف الى الحزن شعور عميق بالأسف و لأدرك مرّة أخرى أنّ من أبشع آثار سلب الحرّيّة على الانسان حرمانه من الحياة بين النّاس خلافا لطبعه و لسنّة الله في خلقه و أنّ الانسان الحرّ لا معنى لحرّيّته اذا عاش بعيدا عن النّاس و عندها لم يبق فرق كبير بين السّجين و الحرّ الا الفرق بين السّجن الاضطراري و السّجن الاختياري، فلا غرابة اذا أن يكون مطلب رسولنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم من قومه:"خلّوا بيني و بين النّاس". و رغم المرارة الّتي أشعر بها في سجني كلّما فقدت قريبا او عزيزا أو كلّ من هو أهل للتّقدير فانّ ذلك لا يمنعني و أهلي من الاجتهاد في اداء الواجب قدر المستطاع حتّى نبقى أحياء بين النّاس نفرح لفرحهم و نحزن لحزنهم رغم السّجن لذلك لم نضيّع فرصة الزّيارة من الغد لنتوقّف عند الحدث و نعطي الرّجل حقّه كما علّمنا نبيّنا عليه الصّلاة و السّلام"أنزلزا النّاس منازلهم" و قد رجوتك يا أبي العزيز أن تبلّغ تعازيّ الصّادقة الى عائلة الفقيد في مقرّسكناه بمدينة حلق الوادي غير بعيد عن بيتنا بالكرم، و أنا اليوم بنصّ الرّسالة أكمّل حديث الزّيارة لأجدّد التّعازي من ناحية و أقف عند بعض المعاني اكراما للرّجل حيّا و ميّتا رحمه الله أبي الحبيب: كما تعلم، فانّي التحقت بمدرسة المهندسين بتونس للحصول على أعلى الشّهائد في الهندسة"مهندس أوّل" و كنت التّلميذ الوحيد القادم من معهد قرطاج الرّئاسة و قد وافقت سنتي الأولى الاحتفال بالذّكرى العاشرة لبعث المدرسة الوطنيّة للمهندسين بتونس. فسمعت عن مديرها الأوّل دون أن ألقاه لأنّ السّيّد مختار العتيري انتقل الى ادارة" الشّركة التّونسيّة للكهرباء و الغاز". و اضافة الى حضوره المعنويّ وقفت على بعض آثاره و من أهمّها الطّريق الرّئيسيّة "×" المحاذية للمركّب الجامعي كثمرة لدراساته الاستشرافيّة لبناء طرق دائريّة حول العاصمة لتسيير حركة المرور بها و كذلك الجامع المحاذي لمدرسة المهندسين بشكله المعماري المتميّز و موقعه البارز و الرّمزي بجانب كلّيّة الحقوق و كلّيّة العلوم و مدرسة المهندسين و قد بني في اطار انجاز مشروع تخرّج أواخر السّبعينات و لم يحصل لي شرف الصّلاة فيه الى حدّ أواخر الثّمانينات و كما كان للسّيّد مختار العتيري رحمه الله دورا بارزا في بنائه فقد كان له دور متميّز أيضا في فتحه للمصلّين و اقامة صلاة الجمعة فيه فكان من روّاده و المعتنين بصيانته فزاد ذلك من مكانته بين النّاس عامّة و الطّلبة خاصّة لأنّه جمع في تكوينه و في عمله بين العلم و الايمان و هما في الاسلام متلازمان و عليهما قامت حضارة المسلمين:"اقرأ باسم ربّك الّذي خلق" و قد كانت الفرصة الوحيدة الّتي لقيته فيها سنة أربع و ثمانين حين استضافته هيئة التّلامذة المهندسين بحضور مدير المدرسة آنذاك السّيّد أحمد المرّاكشي في لقاء مع الطّلبة و قد غصّ بهم المدرج الكبير لأجد رجلا واثقا من نفسه متواضعا في شخصه المرح في طبعه و الحيويّة تغمر جسمه تحدّث عن الماضي و حاول الاجابة عن أسئلة الطّلبة من بينها ثلاثة أسئلة توجّهت بها اليه حول واقع المهندسين في البلاد و نظام الدّراسة بالمدرسة لقيت تجاوبا من الطّلبة و بعض الحرج لديه، فبقي ذلك اللّقاء من الذّكريات الجميلة في أيّامي بالجامعة. هذا بعض ما يسمح المقام بذكره ترحّما على الفقيد و تقديرا له و لما قدّمه خدمة للعلم و الدّين و الوطن بعيدا عن الخوف و الطّمع و في ذلك فليتنافس المتنافسون. "وقل ربّ اغفر وارحم و أنت خير الرّاحمين". و الله أكبر و انّا لله و انّا اليه راجعون مع سلامي للجميع. ابنكم الوفيّ:كريم ملاحظة : مازالت عائلة المهندس الهاروني تنتظر منذ أكثر من 4 أشهر و أسبوع من الزّمن وصول رسالة له بتاريخ 07 جانفي وكان قد أرسلها الى والده السّيّد عمر حفظه الله في ذكرى ميلاده ال75 .