: وزع تيار الاخوان المسلمين المصري مشروعا لبرنامج سياسي قيل أنه أمد بنسخه خمسين مثقفا مصريا ... واذ يقدر الخبر في حد ذاته شيئا ذي بال في مسيرة الجماعة التي تعد تنظيما سريا لايعرف الحجم الحقيقي لمنخرطيه وأعضائه أو حجم التيارات الفقهية التي تشقه , فانه بالمقابل ومن خلال التأمل العميق فيما تسرب من أخبار عن مشروع وثيقة هذا البرنامج لايمكننا الا التأشير على وجود أزمة عدم انسجام فقهي وفكري داخل كبرى الحركات الاسلامية العربية . ثلاثة اشكالات أثارها تسريب مشروع وثيقة كادت أن تحظى بتوافق واسع ورسمي داخل جماعة الاخوان المصريين , ولانتحدث طبعا عن كل ماورد في الوثيقة لأنها تبدو سرا لم يحط بعلمه حتى أعضاء الحزب الذي له عشرين بالمائة من مقاعد البرلمان ... رؤساء مكاتب الاخوان لم يطلعوا على حد مصادر اعلامية بارزة على نص هذه الوثيقة وكوادر فاعلون أيضا انطبق عليهم حال التعتيم حول مضمونها , وبعد ذلك جاء قرار اطلاع خمسين مثقفا مصريا على نص مادتها التي وصفت بالسرية وطلب من المثقفين الائتمان على مضمونها ! مفارقات لم يكن من السهل هضمها بالنسبة للعارف باليات سير الأحزاب الحديثة والعصرية , حيث لايمكن تدجين أعضاء الحزب أنفسهم ثم البحث عن مشورة فكرية أو فقهية أو سياسية من خارج أطر الحزب ! واذ غدى أمر الوثيقة المذكورة في عداد المنكشف اعلاميا وسياسيا فانه كان من اللزام علينا الوقوف على ثلاث موضوعات فيها أثارت جدلا واسعا في الأوساط النخبوية . أولى هذه الموضوعات هو رفض الاخوان في مشروع برنامجهم السياسي الذي تأخر مدة 80 سنة تولي المرأة وغير المسلم لمنصب الولاية العامة , أو بعبارات أخرى تولي منصب رئاسة الحكومة أو الدولة بحسب ماأشار اليه سعد الكتاتني رئيس كتلة الاخوان البرلمانية . أما المحظورة الثانية في طروحات صقور الاخوان وكبار محافظيهم والمهيمنين على التيار العريض فيه , فهي ضرورة اخضاع أعمال المجلس التشريعي أو البرلمان لسلطة الفقهاء الذين يشكلون هيئة أشبه ماتكون بسلطة الولي الفقيه على الهيئات السياسية المنتخبة . موضوعان أو موقفان أثبتا مرة أخرى أنه لاتطور حاصل في ثلاث من كبريات القضايا السجالية داخل الساحة الحركية الاسلامية : 1 - الموقف من مشاركة المرأة في المواقع المتقدمة للحياة السياسية : اذ لازال يغلب على المنضوين في التيار الاسلامي والمدرسة الاخوانية موقف خجول وحيي من تواجد المرأة في مواقع صناعة القرار, وهو مايفسر حجم مشاركتها الضعيف جدا في المجالس والمؤسسات التمثيلية للأحزاب المنبثقة عن التنظيم العالمي للاخوان المسلمين أو حتى في المجالس والبرلمانات العربية التي شركت التيار الاسلامي. 2 - النظرة للأقليات الدينية المغايرة لازالت قائمة على عقلية الدونية والاشتباه والتوجس بدل تأسيسها على عقد من المدنية والمواطنة والحقوق الدستورية ضمن استقراء تقليدي ومكرر للأحكام السلطانية التي لم تطور وفق الأقضية والحاجات ولم تخضع لواقع سياسي محلي واقليمي ودولي ضاغط لم يعرفه الامام الماوردي على عظم ماأورده من اجتهادات مر عليها ألف سنة . 3 - المرجعية الاسلامية التي نريد احترامها ضمن رؤية تجديدية وحضارية للحياة الفكرية والسياسية المعاصرة , يبدو أنها لازالت لدى بعض أقطاب الاخوان ومشائخهم المتمسكين بتلابيب الرسائل العشر للامام البنا أكثر من تمسكهم برؤية عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حين دعى الاباء الى الاحاطة بالأبناء ومعرفة مايستجد لهم من حاجات وتطلعات متجددة ..., هذه المرجعية يبدو أنها لازالت لدى هؤلاء المشائخ سلطة شمولية تتدخل حتى في عالم المتغيرات-عالم السياسة- الذي أشار اليه العالم الشهير السيد سابق رحمه الله في مقدمة كتابه فقه السنة بكثير من المرونة والتحرير من وصاية التأويل والاخضاع النصي . مجموع هذه القضايا تبقى في مشروع الاخوان المسلمين ومعظم الحركات الاسلامية المنبثقة عنها وحتى في الفقه الاسلامي وأغلب مدارسه الفكرية موضوعات في حاجة الى اعادة النظر والفهم والتعمق من منطلق فهم أسباب النزول ومراعاة ظروف التنزيل ومواكبة ماحصل لمجتمعاتنا من تطور اجتماعي وثقافي على مدار حقب دولة الاستقلال "النسبي" . جدلية الدعوي والسياسي والاستمرار على هيئة الأحزاب الشمولية ؟
قضية أخرى تطل برأسها من بين تعرجات وتموجات المشروع السياسي الاخواني غير المكتمل , وهي بلا شك قضية لاتقل أهمية عن نظيراتها المشار اليها سابقا , حيث يتصدر اليوم موضوع العلاقة بين الدعوي والسياسي واجهة نقاشات داخلية حزبية لدى بعض الحركات الاسلامية المغاربية ... فالاشكال الأخير يثير قضية حساسة مضمونها مدى استيعاب الاسلاميين لمفهوم الحزب السياسي والياته وأهدافه وطرائق عمله , اذ لايزال الكثير منهم -وأغلبهم من جيل المشائخ- لايزال متعلقا بأهداب نفس البنية التنظيمية الشمولية القديمة التي عرفها الاخوان المسلمون كتيار وحزب يرى في نفسه اعادة احياء شامل وكامل للاسلام , وهو مايجعل منهم - أي الاخوان- أكبر من جميع مكونات الفضاء الحزبي والجمعياتي المغاير ... فالاخوان بمختلف فروعهم العربية- الا ماشذ وندر- يرون في أنفسهم الأئمة والدعاة والمصلحين والمربين وصندوق التغطية الاجتماعية ونظام الاغاثة عند الكوارث والنظام المصرفي الموازي والقادة السياسيين وطلائع الطلاب ونظاما سياسيا داخليا خاصا أشبه مايكون بحكومة ظل غير معلنة ! , انهم بعبارة أخرى دولة داخل دولة وقد لاتنطبق عليهم أصلا وفصلا عند التأمل في هذه الهيكلة الشمولية حتى قوانين الأحزاب ...! ان العلاقة بين الدعوي والسياسي موضوعة ناسفة في الفكر الاخواني وأحزابه المتفرقة في الأمصار, واذا لم تقع معالجتها ضمن توزيع الفكرة الاسلامية الحضارية المعتدلة على سائر هيئات المجتمع الأهلي وعلى سائر طاقات المجتمع وفاعليه بعيدا عن خنقها في اطار الأحزاب الشمولية , فانها ستكون حتما الكارثة التي تخنق الاسلام ضمن قمقم حزبي قد يفاجئنا بافراز مردة وأشباح سريين بدل افراز نموذج حضاري ورجال مصلحين . 1 نوفمبر 2007/ تاريخ التحرير حرره *كاتب واعلامي تونسي/رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية :