تعدّ حرية الصحافة من أبرز آليات قياس مدى احترام أيّة دولة ما للحريّات الفردية و الجماعية. ونظرا للمكانة المميّزة التي تحتلّها حريّة الصحافة في حياة الأفراد و الجماعات ،فقد أولتها المواثيق الدولية مكانة بارزة على غرار المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصّ على الحقّ في حريّة التعبير، والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية التي أقرّت أنّ لكل إنسان الحق في حرية التعبير و التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقّيها ونقلها للآخرين دون اعتبار الحدود على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فنّي أو بأيّة وسيلة أخرى يختارها. لكن ورغم وحود هذه النصوص القانونية فإنّ حريّة الصحافة تبقى متفاوتة من بلد إلى آخر وحتى من جهة إلى أخرى داخل البلد نفسه. في اليوم العالمي لحرية الصحافة رصدت مراسلة تونس الرقمية عفاف الودرني مواقف عدد من صحفيّي الجنوب الشرقي حول واقع حريّة الصحافة بتونس اليوم على المستويين الوطني والجهوي. صحفية إذاعة تطاوين مكتب مدنين تبرة الشيباني قالت إنّه وبعد الثورة اتّسع هامش حرية الصحافة بتونس لكنّها أصبحت محكومة بالوضع الهشّ للصحفيين بشكل يحدّ من حريّتهم ويدفعهم للانسياق وراء تيّارات سياسية تستغلّ وضعهم وتوجّه أفكارهم. وأضافت الشيباني أنّ التعدّد في المشهد الإعلامي بتونس اليوم وإن مثّل ظاهرة صحيّة إلاّ انه لعب دورا في التأثير على حريّة بعض الصحفيين خاصّة أمام وجود التعدّد وانعدام التعدّدية في المشهد الإعلامي ما قد يجعل الصحفي ينصاع لخط تحريري مفروض عليه من أجل الحصول على مورد رزقه. ودعت الشيباني الهياكل المعنيّة بالدور التعديلي على غرار الهيئة العليا المستقلة للاتّصال السمعي البصري والمجلس الأعلى للصحافة والهياكل النقابية إلى ضرورة التدخّل لحماية الصحفيين وحماية حريّة الصحافة. وأعربت الشيباني عن رفضها القاطع لمحاسبة الصحفيين وفق قوانين جزائية لما في ذلك من مسّ بالحرية في التعاطي الإعلامي مع بعض المواضيع الحسّاسة. تصريح تبرة الشيباني الصحفي أحمد اللّملومي مراسل جريدة الشروق وراديو IFM بمدنين تحدّث عن نقطة اعتبرها تمسّ بحرية الصحافة بشكل كبير وهي مسألة النّفاذ إلى المعلومة خاصّة من المصادر الرسمية والأمنية تحديدا. وبدوره عبّر اللّملومي عن رفضه لمساءلة الصحفيين قضائيا خاصّة في ما يتعلّق بمصادر معلوماتهم مشيرا إلى أنّ الصحفيين في تونس وليس فقط في الجهات كثيرا منهم تعرّضوا للمساءلة رغم وجود المرسوم 115 المنظّم للقطاع والذي يأمل أن يتحوّل إلى قانون يعرض باقي القوانين التي وصفها بالجزرية. وأشار اللملومي أيضا إلى أنّ الوضع الهشّ والكارثي للصحفيين وفق توصيفه يؤثّر بشكل كبير على هامش الحرية لديهم لكنّه أكّد في المقابل أنّ الصحفي مهما كان وضعه هشّا يجب أن لا يحتكم إلاّ لأخلاقيات مهنته في إشارة إلى أنّ الصحفي وحده من يختار إن كان حرّا أو لا في تمرير المضامين الإعلامية وهذا يرتبط بالمستوى الحرفي والعلمي للصحفي. تصريح أحمد اللملومي: الصحفية نعيمة خليصة والتي تعمل لفائدة عدّة إذاعات ومواقع إلكترونية بولايتي مدنينوتطاوين قالت إنّه يوجد نوع من الانتعاش على مستوى عمل الصحفيين جهويا لكن تبقى حريّة الصحفي مقيّدة سيّما على مستوى النّفاذ إلى المعلومة مشيرة إلى وحود تضييقات كبيرة تمنع من الوصول إلى المعلومة كتابية كانت أم شفاهية وهو ما يعطّل الصحفي في نقل خبره ويجعله يخسر الكثير من الوقت. وعرّجت خليصة إلى دور المال في الحدّ من حرية الصحفي فأغلب المؤسسات الإعلامية تعتمد آليات تشغيل هشّة حتّى أنّ بعض الصحفيين يتحمّلون مصاريف أعمالهم كاملة وقد تعوزهم إمكانياتهم أحيانا من الحصول على المعلومة كاملة وإذا ناقشوا أو اعترضوا سيجدون أنفسهم مطرودين من عملهم. وختمت خليصة حديثها بالإشارة إلى أهمية وحود إطار قانوني ينظّم القطاع الصحفي والاعلامي معتبرة أنّ القانون لا يشكّل خطرا على حريّة الصحفي ما دام ملتزما بأخلاقيات مهنته ولن يتعرّض إلى أيّة محاسبة. تصريح نعيمة خليصة جمال فريعة مراسل إذاعة كاب آف آم بولايتي مدنينوتطاوين اعتبر أنّ هامش حريّة الصحافة كبير إلى حدّ ما بعد الثورة وهو ما اعتبره مكسبا للقطاع رغم وجود بعض القيود التي تعترض الصحفيين والتي قال إنّها ستتراجع خاصّة مع بعث مجلس أعلى للصحافة ومع وجود مشروع قانون لحريّة الصحافة والطباعة والنشر. تصريح جمال فريعة أمّا الصحفي حبيب الشعباني مراسل موزاييك آف آم وقناة التاسعة بتطاوين اعتبر أنّ حريّة الصحافة مكرّسة قولا وفعلا في تطاوين مشيرا إلى أنّه وزملاؤه بالجهة يعملون بكل أريحية ولا يتعرّضون لأيّة ظغوطات لا من طرف مؤسّساتهم ولا من طرف مصادر المعلومة. واعتبر الشعباني أنّ مصداقية الصحفي في نقل الخبر تجعله يكسب احترام الجميع بما يزيد في تسهيل عمله. تصريح حبيب الشعباني مراسلنا بقفصة رياض الحيدوري بدوره رصد لتونس الرقمية مختلف انطباعات المراسلين الصحفيين بببعض ولايات الجنوب الغربي والوسط فكانت مداخلاتهم كالتالي: الهادي ردّاوي صحفي مستقل ومراسل لعدّة وكالات أنباء (قفصة) “المؤسّسات الإعلامية لا يُمكن أن تعيش دون مراسلين قارّين قادرين على تأمين أخبار موثوقة تساهم في انتشار أكثر لهذه المؤسسات والتي مع الأسف أغلبها لا تُعير اهتماما لهذا المراسل وتعتبره عنصرا ثانويا وهو ما يمكن أن نطبّق عليه بالمثل العامّي “كيف لحمة الكرومة متآكلة ومذمومة “. رمزي غابري مراسل صحفي( سيدي بوزيد ) الوضعية المالية لأغلب المراسلين بالجهات سيّئة فالمؤسسات الإعلامية الموجودة بالمركز تبحث فقط عن أي كان .. المهم أن يكون قادرا على إيصال المعلومة ولا تهتم كثيرا بتكوينه الأكاديمي أو بطريقة عمله. ويعاني أغلب المراسلين الصحفيين من إشكالية حق النفاذ للمعلومة حيث يصطدم هؤلاء بصعوبات كبيرة من أجل الحصول عليها وقد يستغرق الحصول عليها حيّزا زمنيا أحيانا يكون طويلا جدا. مشاكل أخرى تتعلّق بالأمور اللوجستية مثل وسائل العمل ووسائل النقل فأغلبهم لا تتوفّر لديهم آلات تصوير أو تسجيل بينما تطالبهم المؤسسات التي يعملون لفائدتهات بتأمين المعلومة ويكون ذلك غالبا بصفة يومية. أنيس بن سالم مصور صحفي (صفاقس ) يقول أنيس بن سالم إنّه عمل لفائدة إحدى الفضائيات منذ سنة 2011 قرابة الأربع سنوات وتعرّض لجميع المخاطر والتضييقات في الأحداث التي وثّقها بما فيها مواكبة العمليات الإرهابية والتحرّكات الاحتجاجية وكان يقوم بعدّة أعمال أخرى غير التصوير منها المونتاج والميكساج وأحيانا العمل الصحفي في وقت كان فيه أجره المادي زهيدا جدّا باعتبار أنّ المصاريف أحيانا تتعدّى هذا الأجر وهي وضعية يتشارك فيها مع غيره من بقية الزملاء الذين يعرفهم . ويقول أنيس إنّه مع تغيّر مالك القناة وتجميدهم عن العمل قرابة السنة مع سحب معدات التصوير من طرف الإدارة الجديدة التي طلبت منهم في مرحلة لاحقة تغيير طبيعة صبغة العقد إلى عقد بمدّة زمنية محدودة وهو ما يعني ضياع كافة الحقوق المكتسبة طيلة السنوات التي مضت من تغطية اجتماعية وغيرها ما حدا به وبعض زملائه إلى قبول تعويض عن سنوات العمل والمغادرة والبحث عن عمل بديل لتلبية حاجياته المادية وختم قوله بأنّ القطاع يسيّره” مقاولون” على حدّ تعبيره. فاتن خليفة مراسلة صحفية (قفصة) “الصُحفي المراسل قدره أن يكون مجرّد ناقل للخبر من مصدره ولا يتحصّل على امتيازات ولا على تكوين ولا على وسائل عمل محترمة وهو قليل الظهور في وسائل الإعلام إلا في زمن الأحداث الساخنة وخصوصا إذا كان يعمل ضمن ما يُسمّى بمناطق الاضطرابات دون تثمين لمجهوده وحتى نظرة زملاء العمل له في المركز تكشف حقيقة الوضع فهو عندهم أحيانا “مجرد مراسل”مطالب بتوفير المادة الإعلامية دون السؤال كيف ومتى وبأيّ إمكانيات”. وتقول خليفة إنه مادامت الأمور تُدار من المركز دون وعي بقيمة هذا الشخص فلن يتحسّن الأداء وستظلّ دار لقمان على حالها وحسب قولها فإنّ الحل يكمن في إنجاز دراسة واضحة لهذه المهنة من كل الجوانب حتّى نتحدّث عن عمل إعلامي هادف يستجيب لانتظارات متابعيه وقادر على التغيير والتأثير. وحيد عبّاس مراسل صحفي (توزر) “أبرز الإشكاليات تبقى المرسوم عدد 04 والذي رغم إعلان سحبه إلا أنّه يبقى مفعّلا بشكل دائم في أذهان وعقليات أغلب المسؤولين بالمؤسسات والإدارات العمومية”. ويعوّل عبّاس كثيرا على تضامن الزملاء مع بعضهم البعض ووعيهم بحقوقهم وهو السلاح الوحيد حسب قوله لتجاوز كل الصعوبات حتى ينجح المراسلون الصحفيّون في خدمة قضايا جهاتهم ووطنهم بشكل عام. الأكيد وممّا لا شكّ فيه أنّ حريّة الصحافة في تونس تعدّ المكسب الوحيد بعد الثورة وهو مكسب يبقى أمانة في رقاب كلّ أبناء صاحبة الجلالة، يجب أن لا يفرّطوا فيه لأيّ كان وتحت أيّة ذريعة كانت .. رغم ما يتمّ تسجيله حاليا من محاولات للسلطة لتركيع الصحفيين وتدجينهم وإعادتهم لمربع الخضوع والخوف.. عاشت تونس .. عاشت السلطة الرابعة.. وكل عام وصحفيّو تونس والعالم بخير.