شهدت فرنسا خلال سنة 2024 أزمات سياسية حادة لم يسبق لها مثيل منذ عقود، مما أثار تساؤلات عميقة حول مستقبل الجمهورية الخامسة ونظامها السياسي. من حل البرلمان إلى سقوط الحكومات المتتالي، أصبحت فرنسا أمام مفترق طرق تاريخي. اضطراب سياسي متسارع بدأت الأزمة عندما قرر الرئيس إيمانويل ماكرون حل البرلمان في محاولة لمعالجة انقسام سياسي متزايد. لكن الانتخابات المبكرة زادت الوضع سوءًا، إذ أفرزت برلمانًا يضم ثلاث قوى رئيسية متناحرة: الجبهة الشعبية اليسارية، اليمين المتطرف وتحالف ماكرون الوسطي. ومع غياب الأغلبية البرلمانية، أصبحت الحكومات عرضة للسقوط السريع، حيث شهدت فرنسا أربع حكومات خلال عام واحد فقط. الأسباب الكامنة وراء الأزمة وصف الخبراء النظام السياسي الفرنسي بأنه يعاني من ترهل وانعدام القدرة على التأقلم مع المتغيرات السياسية والاجتماعية. إذ يرى الباحثون أن: – غياب الأغلبية البرلمانية أدى إلى حالة من الجمود السياسي. – الإصلاحات الاقتصادية المثيرة للجدل، مثل إلغاء ارتباط المعاشات التقاعدية بالتضخم، زادت من الغضب الشعبي. – تزايد الفجوة بين الرئيس والأحزاب المعارضة دفع البلاد نحو انقسامات أعمق. حكومة بايرو: هل تصمد؟ في أواخر ديسمبر 2024، تم تعيين فرانسوا بايرو رئيسًا جديدًا للوزراء، خلفًا لحكومة ميشال بارنييه التي حُجبت الثقة عنها بعد شهرين فقط من تشكيلها. حكومة بايرو الجديدة، التي تتألف من 35 وزيرًا فقط، تواجه تحديات كبيرة، أبرزها: 1. تمرير ميزانية عام 2025 وسط معارضة قوية في البرلمان. 2. استعادة الثقة الشعبية والسياسية التي انهارت مع الحكومات السابقة. 3. مواجهة تهديد مستمر من الجبهة الشعبية واليمين المتطرف بإسقاطها. الجمهورية الخامسة: نموذج بونابرتي متجاوز؟ يشير العديد من الخبراء إلى أن نظام الجمهورية الخامسة، الذي أسسه شارل ديغول عام 1958، قد أصبح غير مناسب للواقع الفرنسي الحالي. – صلاحيات الرئيس الواسعة أصبحت محل انتقاد، خاصة في ظل الأزمات السياسية. – ضعف الأحزاب السياسية أدى إلى تشرذم المشهد السياسي وغياب الاستقرار. مطالب بتغيير النظام بدأت أصوات في فرنسا تطالب بتبني نظام سياسي جديد، مثل الانتقال إلى الجمهورية السادسة أو التحول إلى نظام برلماني. يرى الباحثون أن أي تغيير يتطلب: – توافقًا سياسيًا بين الأحزاب. – إصلاحًا ثقافيًا يعيد بناء الثقة بين الناخبين والسياسيين. تداعيات اقتصادية مقلقة الأزمة السياسية لم تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل امتدت لتشمل الاقتصاد أيضًا. مع ارتفاع العجز إلى 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، تواجه فرنسا خطر تدهور اقتصادي كبير قد ينعكس على منطقة اليورو بأكملها. فرنسا إلى أين؟ يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن فرنسا من تجاوز هذه المرحلة الحرجة؟ أم أن الجمهورية الخامسة ستنتهي لتفسح المجال لجمهورية سادسة أكثر توافقًا مع متطلبات العصر؟ المراقبون يتفقون على أن الأزمة الراهنة تمثل اختبارًا حقيقيًا للديمقراطية الفرنسية ومستقبلها.