يسجّل التداول النقدي في البلاد زيادة متواصلة بعد ارتفاع حجم الأموال المتداولة إلى مستوى قياسي نهاية جوان الماضي وتجاوز حد 22.4 مليار دينار قبل أن يصل أمس الخميس 6 مارس 2025 إلى نحو 23,4 مليار دينار. وزاد تدفق السيولة في السوق منذ ان تم الشروع في تطبيق اجراءات قانون الشيك الجديد ومنع استخدام الصكوك البنكية كوسيلة دفع مؤجلة منذ بداية فيفري الماضي ما أدى إلى هبوط حاد في استخدام الشيك فاق 90% . ارتفاع كتلة النقد المتداول كشفت، في هذا الإطار، البيانات الرسمية المنشورة على موقع البنك المركزي التونسي، أن مؤسسة الاصدار ضخت بتاريخ يوم أمس، قرابة 13.6 مليار دينار لتوفير السيولة في السوق النقدية وسط تطور كتلة النقد المتداول وهو ما يرجع أساسا الى تراجع التعامل بالشيكات منذ عدة أشهر. ومن المنتظر أن تتواصل تحديات التداول النقدي في البلاد وأن يستمر ضخ السيولة خلال الفترة القادمة، بالتوازي مع ارتفاع الانفاق في شهر رمضان وموسم العيد ما يؤثر على مستوى ضغوط التضخم لا سيما في المحور الغذائي. هذا وتؤدي استجابة البنك المركزي لتلبية الحاجيات النقدية للقطاع المالي إلى ضخ مبالغ من الأوراق والمسكوكات المالية في القطاع البنكي في إطار محاولته عبر هذا الضخ المكثف لتفادي نقص السيولة من السوق. وتلبي المبالغ التي يتم ضخها حاجيات المتعاملين الاقتصاديين، من جهة وتستعمل لتمويل طروحات سندات الخزينة التي تصدرها وزارة المالية، من جهة اخرى. غير أن تطور الكتلة النقدية سيؤثر بالتأكيد على التعاملات الاقتصادية غير المهيكلة التي تسيطر على حوالي 40% من المعاملات في البلاد ويعد القطاع الأول المتسبب في سحب السيولة المالية من الجهاز المالي المنظم. منهجية حذرة لمجابهة التضخم تشكل الأوراق والمسكوكات النقدية 45% من إجمالي الكتلة النقدية المتداولة في تونس، ما يعكس حجم توسع المعاملات غير المنظمة التي تعتمد بشكل أساسي على "الكاش". في ظل هذه الأوضاع، لا يزال البنك المركزي التونسي يرى أن الوضع الاقتصادي محاط بمخاوف من ارتفاع جديد للتضخم رغم تراجع نسبته الى%5.7 في فيفري الماضي وهو ما يدفع من باب الحذر الى استمرار تثبيت سعر الفائدة الرئيسية عند مستوى 8% منذ ما يزيد عن السنتين علما ان نسبة التضخم تراجعت على مدار العام الماضي من 10,3% إلى 6% وفق احدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء. وخلال شهر أكتوبر الماضي راجعت السلطات اجراءات مسك النقد وأعلنت رفع القيود عن الاحتفاظ بالمبالغ النقدية أو "الكاش" التي تساوي أو تفوق الخمسة آلاف دينار، وذلك عقب نحو 10 سنوات من تطبيق القانون. وقالت السلطات حينها في بيان رسمي إنّ "تطبيق القانون الملغى أدّى إلى تضييق نشاط بعض الفئات من المتعاملين وخاصّة منهم صغار الفلاحين وصغار التجار والحرفيين". وينصّ الفصل 16 من قانون المالية التكميلي لسنة 2014، على أن يتمّ حجز المبالغ النقدية التي تساوي أو تفوق 5 آلاف دينار، والتي لم يقع إثبات مصدرها على أساس محضر يحرّره مأمورو الضابطة العدلية أو أعوان الديوانة أو أعوان الوزارة المكلفة بالمالية الذين لهم الصفة التي تؤهلهم لذلك، على أن تودع المبالغ المحجوزة لدى الخزينة العامة للبلاد التونسية، أو لدى أمانة المال الجهوية المؤهلة. وخلال السنوات الماضية شكا صغار التجار والفلاحون الذين يتداولون المبالغ النقدية في معاملاتهم من تعرضّهم إلى اشكالات أدت إلى حجز الأموال التي يستعملونها في نشاطاتهم التجارية أو الفلاحية. وأثار رفع القيود القانونية عن تداول المبالغ النقدية جدلاً حول تأثيراته على ارتفاع الكتلة النقدية المتداولة وسحب الأموال من البنوك. ويزداد التداول النقدي في البلاد في ظل ضعف الادماج المالي لطيف مهم من التونسيين، حيث أظهرت بيانات نشرها البنك الدولي، في تقرير له، أنّ 37% من المواطنين فقط يملكون حسابات في مؤسسات مالية في حين تناهز النسبة 29% للنساء و32% لدى الاشخاص محدودي الدخل. وكشفت المعطيات أنّ الفجوة العمرية على مستوى ملكية الحسابات ليست عالية في تونس وذلك على غرار الأردن والمغرب، لكنها لا تزال في خانة العشرات.