لطالما عرفت إيرلندا الشمالية عقودًا من العنف المجتمعي بين القوميين (غالبًا من الكاثوليك المؤيدين للوحدة مع جمهورية إيرلندا) والاتحاديين (غالبًا من البروتستانت الموالين لبريطانيا). وقد تسببت هذه المواجهات، المعروفة باسم «الاضطرابات»، في مقتل نحو 3500 شخص بين ستينيات القرن الماضي وسنة 1998. ورغم أن اتفاق الجمعة العظيمة (1998) أنهى الصراع المسلح، إلا أن التوترات الهوياتية ما زالت قائمة بأشكال مختلفة. وقد أعادت قضية بريكست إحياء بعض هذه الانقسامات، خصوصًا ما يتعلق بحدود إيرلندا الشمالية مع جمهورية إيرلندا، ومكانة المقاطعة داخل الاتحاد. اندلاع أعمال الشغب في جوان 2025 تعود شرارة أحداث الشغب التي شهدها شهر جوان 2025 إلى واقعة محلية في مدينة باليمينا، حيث تم توقيف مراهقين اثنين بتهمة محاولة اغتصاب فتاة شابة. هذا الحادث أثار موجة من الغضب في صفوف المجتمع المحلي، وتحولت وقفة صامتة كانت مخصصة لتأبين الضحية بسرعة إلى أعمال شغب معادية للأجانب. وانتشرت شائعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحمل المهاجرين مسؤولية ما وصف ب«مناخ انعدام الأمن». وقد ساهم هذا التلاعب في اندلاع سلسلة من الهجمات التي استهدفت عائلات رومانية وفلبينية ومن طائفة الروما. الوضع الحالي: أعمال عنف موجّهة ومناخ من الخوف على مدى ثلاث ليالٍ متتالية، شنّ مثيرو الشغب المقنّعون هجمات على مراكز ترفيه ومساكن للمهاجرين، وأضرموا النار في سيارات، وواجهوا عناصر الشرطة (PSNI). وقد سُمعت شعارات معادية للأجانب، وأُصيب أكثر من 41 شرطيًا، من بينهم 32 في ليلة واحدة. و فرّت عائلات، خصوصًا من الروما، من منازلها. وقد علّق بعضهم أعلامًا أو لافتات تشير إلى جنسياتهم في محاولة لتفادي الهجمات. الشرطة أكدت رسميًا أن ما يجري يدخل في إطار «جرائم الكراهية»، وتم تنفيذ عدة اعتقالات، شملت خصوصًا مراهقين. وقد تمت الاستعانة بدعم من شرطة اسكتلندا، في حين دعا الأساقفة المحليون والجمعيات، إلى جانب حكومة ستورمونت (الائتلاف بين الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب شين فين)، إلى التهدئة. أسباب عميقة: انقسام اجتماعي وتوظيف للهُوية لا تعكس هذه الأعمال وجود حركة منظمة تقودها جماعات شبه عسكرية كما في الماضي، بل تعبّر عن حالة من التطرف المتناثر، تغذّيه عوامل عدة، من بينها: * شعور بالتهميش في بعض المدن الفقيرة * تداعيات بريكست الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة * انعدام الثقة في المؤسسات السياسية * والخطابات الهوياتية المنتشرة على شبكات التواصل وبات المهاجرون ضحايا سهلين في هذا السياق، حيث تتعرض الخدمات العامة وفرص العمل والسكن لضغوط متزايدة. الآفاق: تحديات سياسية وضرورة تعزيز التماسك الاجتماعي رغم أن الوضع يبدو تحت السيطرة حاليًا، فإنه يظل هشًّا للغاية. ويتوجب على حكومة ستورمونت التحرّك بسرعة على عدة مستويات: * فرض النظام من خلال تحرّك أمني موجّه ضد المتورطين في أعمال العنف * تعزيز الحماية للعائلات المستهدفة، وخصوصًا من الروما والفلبينيين * توجيه رسائل إعلامية واضحة لدحض الشائعات ومكافحة المعلومات المضلّلة * إعادة إطلاق الاستثمارات في المناطق المهمّشة وتفعيل برامج المصالحة المجتمعية و يبقى الرهان أوروبيًا أيضًا: فعدم الاستقرار في إيرلندا الشمالية قد يعيد التوتر إلى الحدود الإيرلندية، ويهدّد التوازن الهش لما بعد بريكست. وهنا، يصبح التماسك الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى شرطًا أساسياً للسلام الدائم.