بكين تُحرّك بيادقها مجددًا في حرب التكنولوجيا ، فقد كشفت قناة "CCTV-7" العسكرية الصينية مؤخرًا عن فيديو يُظهر تطوير الصين لطائرة تجسس صغيرة جدًا بحجم بعوضة. و قد وُصفت هذه الطائرة، التي تندرج ضمن تقنيات الروبوتات البيونيكية العسكرية، بأنها اختراق جديد يُثير الدهشة و التساؤلات في آنٍ واحد. «أُمسك بين يديّ روبوتًا يشبه بعوضة»، بهذه الكلمات ظهر ليانغ خهشيانغ، طالب بجامعة الدفاع الوطني في تشانغشا، في مقطع بثّه التلفزيون المركزي الصيني. يبلغ طول هذه الطائرة الصغيرة 2 سنتيمتر و عرضها 3 سنتيمترات و يُقدّر وزنها ب0.2 غرام فقط. و قد تم تقديمها كآداة استطلاع فائقة الدقة ، قادرة على تنفيذ مهام خاصة بسرية تامة. و بحسب صحيفتي South China Morning Post و Chosun Ilbo، فإن الطائرة مزوّدة بأجنحة شفافة يمكنها الرفرفة حتى 500 مرة في الثانية و أرجل دقيقة لا يتعدى سمكها سمك الشعرة. إنجاز تقني بالغ التعقيد موقع Interesting Engineering أشار إلى مدى صعوبة تطوير هذا النوع من التكنولوجيا، مؤكدًا أن دمج أنظمة التغذية بالطاقة و الإلكترونيات الدقيقة و أجهزة الاستشعار في هذا الحجم المصغّر يُشكّل تحديًا هندسيًا من الطراز الرفيع. و رغم الضجة الإعلامية، لم تُنشر أي لقطات تُظهر الطائرة و هي تحلّق فعليًا، ما غذّى الشكوك حول مدى تقدم المشروع. و يُعلّق تيموثي هيث، الخبير في الشأن الصيني لدى مؤسسة Rand Corporation: «من الصعب جدًا جعل طائرة بهذا الحجم تحلّق ذاتيًا، ناهيك عن تمكينها من جمع بيانات قابلة للاستغلال». و يُضيف أن تشغيل مثل هذه الطائرات ميدانيًا يتطلّب موارد بشرية و لوجستية ضخمة، بما في ذلك مراقبة دائمة و شحن متكرر للطاقة و فرز دقيق للبيانات المُجمّعة. سياق تنافسي و تقني شديد السخونة لم تكن هذه المرة الأولى التي تُظهر فيها الصين طموحاتها في مجال الطائرات المُسيّرة المصغّرة. ففي الشهر الماضي، استعرضت بكين حاملة طائرات بدون طيار انتحارية ، ما يعكس استراتيجية هجومية قائمة على إنتاج نماذج مستقبلية متطورة. و تأتي هذه الخطوة في سياق جيوسياسي حسّاس ، حيث استعرضت الولاياتالمتحدة مؤخرًا تفوّقها العسكري عبر استخدام قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات ضد البرنامج النووي الإيراني. حرب الميكرو-طائرات بدأت بالفعل الصين ليست الوحيدة التي تخوض سباق تطوير الطائرات المُسيّرة المصغّرة. ففي عام 2019، كشفت جامعة هارفارد عن نموذج RoboBee، بطول 3 سنتيمترات تقريبًا، صُمّم ليعمل ضمن أسراب متناسقة و كان الهدف منه في البداية البحث العلمي و التلقيح الاصطناعي. RoboBee (جامعة هارفارد) * الطول : حوالي 2.5 إلى 3 سم * الوزن : حوالي 0.08 غرام * عرض الأجنحة : يقارب 3 سم * خفيف جدًا، مصمّم للطيران ضمن أسراب و يحتاج غالبًا إلى مصدر طاقة خارجي (سلك أو شعاع موجّه)، رغم اختبار نسخة ذاتية التشغيل في 2019 باستخدام بطارية صغيرة جدًا. و على الصعيد العسكري، نجحت النرويج في تسويق طائرتها Black Hornet لدى 19 دولة غربية، من بينها فرنسا. و تُستخدم هذه الطائرة المُسيّرة المصغّرة من قبل وحدات المشاة لجمع المعلومات و تُعتبر مثالًا ناجحًا على بساطة النشر و موثوقية الأداء، في سياق عالمي يتّجه نحو دمج أدوات الاستطلاع المصغّرة داخل القوات الميدانية. Black Hornet (PD-100) * الطول : حوالي 10 سم * الوزن : 18 غرامًا * عرض المراوح : حوالي 12 سم * مزوّدة بكاميرات و أجهزة استشعار و تستطيع الطيران حتى 25 دقيقة ضمن مدى يتراوح بين 1 و 2 كلم حسب الظروف. بين الدعاية و الابتكار : رسالة صينية مزدوجة بينما تحتدم الحرب على جميع الجبهات في مجال الطائرات بدون طيار، تُضيف الصين إعلانًا إعلاميًا جديدًا ضمن استراتيجيتها التقنية متعددة الأوجه. ورغم أن "الدرون البعوضة" يثير الإعجاب على الورق، إلا أن فعاليته الفعلية لا تزال محل تساؤل. فبين الابتكار الثوري والدعاية التكنولوجية، تكاد تختفي الحدود، تمامًا كما تختفي أجنحة الحشرات الصغيرة. وحدها الأشهر القادمة ستُبيّن ما إذا كان هذا الابتكار سيتحوّل إلى أداة عملياتية، أم سيبقى مجرّد واجهة لإبراز القوة.