في جلسة تصويت ليلية اتّسمت بالتوتر، نجح مجلس الشيوخ الأميركي ذو الأغلبية الجمهورية في تجاوز مرحلة حاسمة نحو المصادقة على مشروع القانون الرئيسي لدونالد ترامب بشأن خفض الضرائب والنفقات الفيدرالية، بعد أن حصد 51 صوتًا مقابل 49، رغم انشقاق اثنين من أعضاء الحزب الجمهوري. و يُعدّ هذا التصويت «إجرائيًا» ويمهد الطريق لفتح النقاشات الرسمية حول نص ضخم يتألف من 940 صفحة، يتمحور حول أولويات ترامب الاقتصادية و الأمنية. مشروع متعدد المحاور و وفقًا لما أعلنته البيت الأبيض، تابع ترامب مجريات التصويت من المكتب البيضاوي، مشيدًا ب«مشروع قانون عظيم و جميل» و ب«نجاح تاريخي في مجلس الشيوخ». و يتضمن مشروع القانون عددًا من الإجراءات أبرزها : * تمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017، والتي شكلت أحد أعمدة ولايته الأولى * تخفيضات ضريبية إضافية، خاصة لفائدة الشركات * زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع و تمويل أمن الحدود * إلغاء الدعم المخصص للطاقة الخضراء الذي تم إقراره في عهد جو بايدن. غير أن تكلفة هذه التدابير تُقدَّر ب4.5 تريليونات دولار، وقد حذر محللون من أنها قد تضيف آلاف المليارات إلى الدين العام الأميركي الذي بلغ أصلًا 36.2 تريليون دولار. الصحة العامة في مرمى الاستهداف من بين أكثر الإجراءات إثارة للجدل في النص، تلك المتعلقة بتمويل برنامج "ميديكيد"، وهو شبكة الأمان الصحي الأساسية للأميركيين ذوي الدخل المحدود. ويقترح المشروع عدة تخفيضات في ميزانية البرنامج، ما يهدد بحرمان نحو 8.6 ملايين مستفيد و يضع العشرات من المستشفيات الريفية في خطر. و قد أحدثت هذه المقترحات انقسامات حتى داخل المعسكر الجمهوري، حيث عبّر بعض النواب عن مخاوف من اندلاع أزمة صحية في مناطق تعاني أصلًا من هشاشة البنية الصحية. كما ترافقت هذه المقترحات مع إلغاء الحوافز الضريبية المخصصة لمصادر الطاقة المتجددة و التي تُعدّ من أبرز رموز سياسة بايدن المناخية. و قد صوّت جميع الديمقراطيين ضد المشروع. وذهب زعيمهم في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إلى حد المطالبة بقراءة النص كاملًا بصوت عالٍ أمام المجلس، تعبيرًا عن رفضه الشديد لمحتواه. و قال السيناتور عن نيويورك: «إذا كان الجمهوريون يخجلون مما كتبوه، فإن من حق الشعب الأميركي أن يعرفه سطرًا بسطر». و وصف شومر النص بأنه «مشروع قانون متطرف» يصب في مصلحة الأثرياء على حساب البرامج الاجتماعية. إيلون ماسك يدخل على الخط و في تعليق نشره على منصته "إكس" (تويتر سابقًا)، هاجم إيلون ماسك المشروع بشدة، قائلًا : «هذا المشروع مجنون و مدمر تمامًا. إنه يهدد ملايين الوظائف و يضرّ بشدة بقدرتنا التنافسية الإستراتيجية». و انتقد رئيس "تسلا" و "سبيس إكس" نصًا قال إنه يدعم صناعات متقادمة، بينما يضحي بالقطاعات المستقبلية، من دون أن يسميها مباشرة. و تأتي هذه التصريحات بعد أسابيع فقط من محاولة للتهدئة بين ترامب و ماسك، اللذين كانا قد عبّرا علنًا عن خلافات حادة بشأن السياسات الضريبية و الصناعية. تحليل تكشف المصادقة الأولية على مشروع قانون بهذا الحجم وبهذه الدرجة من الجدل عن عدة توجهات أساسية في المشهد السياسي الأميركي الراهن: * عودة دونالد ترامب بقوة إلى واجهة الأجندة التشريعية، مدعومًا بمجلس شيوخ جمهوري بات أكثر انسجامًا مع أولوياته، رغم الخلافات الداخلية * إعادة تموقع اقتصادي يقوم على النزعة القومية، من خلال الحمائية الضريبية، التراجع البيئي، وتعزيز الوجود العسكري على الحدود * استقطاب سياسي شديد بين الديمقراطيين والجمهوريين، تتخلله معارك مباشرة حول العدالة الاجتماعية، العدالة الضريبية، و دور الدولة * تراجع تدريجي عن سياسات الانتقال الطاقي، ما قد يؤدي إلى عزلة الولاياتالمتحدة عن عدد من شركائها الدوليين، خاصة الأوروبيين المنخرطين في التكنولوجيا الخضراء * رفض علني من فاعلين اقتصاديين بارزين مثل إيلون ماسك، الذي يحذر من تداعيات هذا التوجه المالي على الابتكار، التشغيل، والتنافسية. و إذا ما تم اعتماد النص نهائيًا، فإنه سيمثل تحولًا كبيرًا في المسار الاقتصادي للولايات المتحدة، نحو نهج ليبرالي-محافظ متشدد، يُضعف شبكات الحماية الاجتماعية ويُنعش الإنفاق العسكري بشكل واسع. الرهان السياسي واضح : تحفيز النمو من خلال خفض الضرائب، مع تقليص البرامج الموروثة عن عهد بايدن. لكن خطر تفاقم التفاوتات الاجتماعية وتضخم الدين العام بشكل غير قابل للاستدامة، قد يؤدي في المدى المتوسط إلى زعزعة الإجماع الاقتصادي، حتى داخل صفوف المحافظين أنفسهم.