يعيش لبنان اليوم حالة حداد، بعد أن فقد أحد أبرز رموزه الثقافية. فقد توفي الفنان الشهير زياد الرحباني صباح السبت 26 جويلية 2025 عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، وفق ما نقلته عدة وسائل إعلام لبنانية، من بينها قناة الميادين. ابن الأسطورة فيروز والملحن الكبير عاصي الرحباني، يترك زياد وراءه إرثًا فنيًا غنيًا يتقاطع فيه الموسيقى والمسرح والسخرية السياسية والالتزام الاجتماعي. مسيرة فنية مبكرة وذات أثر عميق وُلد زياد الرحباني في 1 جانفي 1956، ونشأ منذ صغره في بيئة فنية استثنائية. برزت موهبته مبكرًا كمؤلف موسيقي، وعازف بيانو، وكاتب مسرحي، وصحفي، وكاتب مقالات وإذاعي. وقد شكّلت مسرحيته الأولى "سهرية" سنة 1973 انطلاقته الكبرى، لتتوالى بعدها الأعمال التي كشفت بجرأة الواقع السياسي والاجتماعي اللبناني بأسلوب ساخر ونافذ. من أبرز مسرحياته التي أحدثت أثرًا في الذاكرة الفنية اللبنانية والعربية: "بالنسبة لبكرا شو؟"، "فيلم أمريكي طويل"، "هلق لَوين؟"، "نزل السرور"، و**"حكيْنَا يا جوزي"**، وهي أعمال جمعت بين الكوميديا والموسيقى والواقعية السياسية والجرأة الفنية، وأسهمت في تجديد المسرح العربي المعاصر. صوت حر في بلد منقسم لم يكن زياد الرحباني مجرّد فنان، بل كان ضميرًا ناقدًا للبنان الحديث. انتمى إلى اليسار وأعلن مواقفه بلا مواربة، منتقدًا الطائفية والفساد السياسي والتفاوت الاجتماعي، كما عبّر مرارًا عن دعمه للقضية الفلسطينية وخيار المقاومة. على عكس الصورة الكلاسيكية الهادئة التي ارتبطت بعائلة الرحباني، اختار زياد السخرية والواقعية، وأحيانًا الاستفزاز، ليفكّك المسلّمات الاجتماعية. وقد جعل منه حسّه الفكاهي السوداوي وقلمه اللاذع صوتًا يخشاه البعض ويحترمه الجميع، لما اتّسم به من صدق ووضوح وبُعد عن المجاملة. إرث ثقافي لا يُقدّر بثمن بأسلوب موسيقي مزج بين الجاز والطرب الشرقي والأنماط الحديثة، أحدث زياد الرحباني ثورة في الأغنية اللبنانية والعربية. تعاون مع والدته فيروز في عدد من الأغاني الخالدة، وكتب أيضًا لعدد من الفنانين، وقدم عروضًا موسيقية ومسرحية فريدة من نوعها. تجاوز تأثيره حدود لبنان، فله جمهور واسع في تونس ومصر وسوريا، كما في الشتات العربي، حيث لا تزال أعماله تثير النقاش والإعجاب، وتعكس رؤية فنية تمزج بين الالتزام الشعبي والتمرّد على السلطة. برحيل زياد الرحباني، يفقد العالم العربي أحد أكثر فنانيه حرية وجرأة وصدقًا. ويبقى إرثه شاهدًا على لبنان المجروح، وعلى حلم بمجتمع أكثر عدلاً، وصوته وإن خفت الآن سيظل يتردّد في العقول والمسارح. لقد غاب صوتٌ نشاز، لكنه كان ضروريًا… وخلّف فراغًا يصعب ملؤه. تعليقات