يشهد النمو الاقتصادي العالمي صمودًا هشًا في ظل مناخ يسوده قدر كبير من عدم اليقين. ووفقًا لتحديث جويلية 2025 لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يبلغ نمو الاقتصاد العالمي 3,0% في 2025 و3,1% في 2026، وهي توقعات أعلى قليلًا من تلك التي صدرت في أفريل الماضي ب +0,2 و+0,1 نقطة مئوية على التوالي. بعد نمو يُقدّر ب 3,5% في 2023، سيتباطأ النشاط العالمي إلى 3,3% في 2024 قبل أن يتحسن بشكل طفيف في 2025. إلا أنّ هذا التحسن النسبي مضلل، إذ جاء مدفوعًا بعوامل ظرفية في مطلع 2025 – أبرزها عمليات شراء استباقية واسعة لتجنب زيادات الرسوم الجمركية – أكثر من كونه نتيجة لقوة اقتصادية كامنة. في المقابل، يواصل التضخم العالمي تراجعه التدريجي، إذ يتوقع أن يبلغ 4,2% في 2025 ثم 3,6% في 2026، وهي مستويات شبه مستقرة مقارنةً بالتوقعات السابقة. لكن هذه الصورة العامة تخفي تفاوتات كبيرة بين الدول: ففي الولاياتالمتحدة، من المتوقع أن يبقى التضخم أعلى من هدف 2% حتى 2026، بينما سيتراجع في منطقة اليورو بوتيرة أبطأ نحو الهدف، مستفيدًا من ارتفاع قيمة اليورو وإجراءات مؤقتة. عمومًا، يساهم ضعف الطلب العالمي وانخفاض أسعار الطاقة في دعم مسار انخفاض التضخم، رغم استمرار بعض الضغوط على أسعار بعض المواد الأساسية. النمو العالمي: توقعات مرفوعة قليلًا رغم حالة عدم اليقين، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو لعام 2025 إلى 3,0%، أي 0,2 نقطة أعلى من تقديرات أبريل، بفضل نشاط اقتصادي أكثر صلابة مما كان متوقعًا في مطلع 2025. ويُعزى هذا الأداء الأفضل جزئيًا إلى تيسير الأوضاع المالية وضعف الدولار الأمريكي، ما دعم الاستثمار والتجارة، إضافة إلى تأجيل بعض زيادات الرسوم الجمركية. لكن تركيبة النمو تكشف عوامل مؤقتة لا زخمًا مستدامًا: فالشركات رفعت وارداتها واستثماراتها بقوة في الربع الأول 2025 لاستباق رفع الرسوم المعلن، ما أنعش النشاط على المدى القصير. في الولاياتالمتحدة، انعكست هذه الطفرة في الشراء على قفزة في الواردات مطلع 2025، بينما تباطأ الاستهلاك المحلي، بل إن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي سجل انكماشًا طفيفًا في الربع الأول لأول مرة منذ ثلاث سنوات. أما في منطقة اليورو، فقد فاجأ النمو بالإيجاب مطلع 2025 مدفوعًا بارتفاع الصادرات والاستثمارات، إلا أن إيرلندا لعبت دورًا استثنائيًا مع قفزة تاريخية في صادراتها الدوائية إلى الولاياتالمتحدة بفضل الطلبات الاستباقية وافتتاح مواقع إنتاج جديدة، ما أدى إلى تضخيم النمو الأوروبي بشكل مصطنع. بدون إيرلندا – التي لا تمثل سوى 5% من الناتج المحلي للمنطقة – لما تجاوزت المراجعة الإيجابية للنمو الأوروبي +0,1 نقطة بدلًا من +0,2. بالمجمل، يُتوقع أن تحقق منطقة اليورو نموًا ب 1,0% في 2025 ثم 1,2% في 2026، ما يعكس انتعاشًا متواضعًا. وفي الولاياتالمتحدة، يتوقع تباطؤ النمو إلى 1,9% في 2025 (بعد ~2,8% في 2024) قبل أن يرتفع قليلًا إلى 2,0% في 2026، متأثرًا بتشديد السياسة النقدية جزئيًا، مع سياسة مالية توسعية على المدى القصير. في الاقتصادات المتقدمة ككل، سيظل النمو معتدلًا عند 1,5% في 2025 و1,6% في 2026. في اليابان، سيبقى النمو متواضعًا (0,7% في 2025 و0,5% في 2026)، بينما سيدور في المملكة المتحدة حول 1,2–1,4%. أما الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فمن المتوقع أن تسجل نموًا مركبًا ب 4,1% في 2025 و4,0% في 2026. شهدت الصين مراجعة صعودية كبيرة لتوقعات 2025 إلى 4,8% (+0,8 نقطة مقارنة بأفريل) بفضل نشاط أقوى من المتوقع في النصف الأول وخفض الرسوم الجمركية مع الولاياتالمتحدة. أما الهند فستحافظ على وتيرة عالية تبلغ 6,4% في 2025 و2026. إقليميًا، تتباين الآفاق: * الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: نمو ب 3,4% في 2025 و3,5% في 2026. * منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا): انتعاش إلى 3,2% في 2025 بعد 1,9% في 2024. * إفريقيا جنوب الصحراء: نمو ثابت عند 4,0% في 2025 ثم 4,3% في 2026. * أمريكا اللاتينية: تباطؤ إلى 2,2% في 2025 قبل عودة طفيفة إلى 2,4% في 2026. * أوروبا الناشئة: نمو ضعيف عند 1,8% في 2025 و2,2% في 2026. أما التجارة العالمية، فستسجل مسارًا متعرجًا: نمو ب +2,6% في 2025 بعد +3,5% في 2024، قبل أن يتراجع إلى +1,9% في 2026، نتيجة عمليات استيراد استباقية ستتبعها مرحلة تصحيح. التضخم في تراجع لكن مع تفاوتات يؤكد التقرير مسار الانحسار التدريجي للتضخم عالميًا، إذ يتوقع انخفاضه إلى 4,2% في 2025 ثم 3,6% في 2026، بدعم من تراجع الطلب العالمي وانخفاض أسعار الطاقة. لكن الفروق القطرية واضحة: * الولاياتالمتحدة: التضخم سيبقى فوق 2% حتى أواخر 2026 (2,8% في 2025 و2,5% في 2026). * منطقة اليورو: تضخم معتدل (2,0% في 2025 ثم 1,8% في 2026). * الصين: تضخم شبه معدوم عند 0,5% في 2025. * الأسواق الناشئة: انخفاض تدريجي من 7,7% في 2024 إلى 5,4% في 2025 ثم 4,5% في 2026. مخاطر مستمرة تهدد الآفاق رغم السيناريو الأساسي القائم على تباطؤ محدود وتراجع تدريجي للتضخم، فإن ميزان المخاطر يميل نحو الأسوأ، وأبرز التهديدات: 1. تصاعد الحرب التجارية: أي عودة إلى رسوم مرتفعة أو تدابير غير جمركية قد تخفض نمو 2025 ب 0,2 نقطة. 2. صدمات جيوسياسية: تفاقم التوترات في الشرق الأوسط أو أوكرانيا قد يرفع أسعار السلع ويعطل سلاسل الإمداد. 3. هشاشة مالية وبنيوية: ارتفاع الديون والعجز المالي في اقتصادات كبرى كأمريكا وفرنسا والبرازيل قد يهز ثقة المستثمرين ويرفع أسعار الفائدة الطويلة. 4. تصحيح بعد الشراء الاستباقي: فائض المخزونات قد يؤدي إلى انكماش إضافي في الطلب والاستيراد لاحقًا. سياسات لتعزيز الثقة والاستدامة يوصي صندوق النقد الدولي بمجموعة تدابير رئيسية: * خفض عدم اليقين التجاري عبر اتفاقات دولية وتجنب التجزئة الاقتصادية. * إصلاح المالية العامة تدريجيًا مع زيادة الإيرادات وتحسين كفاءة الإنفاق. * ملاءمة السياسات النقدية لطبيعة الصدمات، مع الحفاظ على استقلالية البنوك المركزية. * تعزيز الاستقرار المالي برفع متانة القطاع المصرفي ومراقبة المخاطر. * رفع النمو المحتمل عبر الإصلاحات الهيكلية، والتعليم، والرقمنة، وتشجيع الابتكار. خلاصة يظهر الاقتصاد العالمي في 2025 صلابة مفاجئة مع تضخم في طريق التراجع، لكن هذا الصمود يعتمد على عوامل مؤقتة ويخفي هشاشة عميقة وسط مناخ استثنائي من عدم اليقين. وتبرز دعوة صندوق النقد الدولي إلى الحذر والاستباق: دعم شبكات الأمان الاقتصادي، تخفيف النزاعات التجارية، والاستثمار في الإصلاحات الهيكلية لضمان نمو أكثر قوة واستدامة في السنوات المقبلة. تعليقات