كشفت اكتشافات أثرية جديدة عن معطيات ثمينة تُغني فهم الموقع المقدّس في قرطاج، حيث أعلنت المعهد الوطني للتراث، مساء الخميس، عن العثور على عدد كبير من الجرار والتقادم النذرية في موقع معبد الإلهين تانيت وبعل حمّون، وذلك في إطار مشروع تهيئة وتثمين موقع "التوفات". جرار تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد قاد فريق علمي متخصص أعمال الحفر، وتمكّن من تأريخ بعض هذه الجرار إلى القرن الخامس قبل الميلاد، بل حتى نهاية القرن السادس قبل الميلاد، في حين يعود بعضها الآخر إلى القرن الثالث قبل الميلاد. و تؤكد هذه اللُقى أهمية الموقع من الناحية الدينية والطقوسية في الحقبة البونيقية. بقايا متفحمة داخل الجرار المقدسة و أوضح المعهد الوطني للتراث، في بلاغه، أن هذه الجرار تحتوي على بقايا عظام متفحمة لرضّع و خُدّج و حيوانات مختلفة، تم دفنها وفق الطقوس الدينية التي كانت تمارس داخل المعبد في تلك الفترة. و تُعيد هذه الاكتشافات فتح النقاش العلمي حول طبيعة الممارسات الجنائزية و الطقوس القربانية في قرطاج و هي مسألة سبق أن خضعت لدراسات معمقة، لكنها ما تزال تكتنفها العديد من التساؤلات. و يُعتبر موقع التوفات من أبرز الفضاءات المرتبطة بطقوس التعبّد لتانيت وبعل حمّون، وهما من أعظم الآلهة في الميثولوجيا القرطاجية، ويعكس تعقيدًا روحانيًا فريدًا يمزج بين التعبد والتضحية والتطهير و هي أبعاد رمزية يسعى علماء الآثار إلى سبر أغوارها. تحوّلات في العهد الروماني إلى جانب المعطيات المتعلقة بالفترة البونيقية، كشفت أعمال التنقيب عن وجود جدران تعود إلى القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، إضافة إلى بقايا أخرى تعود إلى أواخر الحقبة الرومانية. و تشير هذه المعطيات إلى أن الموقع الديني شهد تحوّلات كبيرة تحت التأثير الروماني، من المرجّح أنها تمت في سياق إعادة هيكلة عمرانية أو إعادة توظيف رمزي. و تُبرز هذه الجدران التغيّرات التدريجية التي طرأت على المشهد الديني والمعماري لقرطاج، التي انتقلت من مدينة بونيقية إلى حاضرة تابعة للإمبراطورية الرومانية. مشروع تثمين علمي وثقافي متواصل و أكد المعهد الوطني للتراث أن الأشغال العلمية متواصلة ضمن مشروع تثمين موقع التوفات، الذي يهدف إلى دراسة تطوّر المعبد القرطاجي عبر القرون، وتقديم معالمه بطريقة دقيقة وعصرية، لفائدة الباحثين والزائرين على حدّ سواء. و يأتي هذا المشروع في إطار استراتيجية شاملة لتثمين التراث الأثري التونسي، بهدف جعل قرطاج موقعًا مرجعيًا للباحثين في التاريخ القديم، وقطبًا ثقافيًا جذابًا للزائرين من مختلف أنحاء العالم. و هكذا، تسهم الاكتشافات الأخيرة في قرطاج في تسليط ضوء جديد على الطقوس الدينية في الحقبة البونيقية، وعلى ديناميات تطوّر الموقع خلال العهد الروماني. و بين الجرار الجنائزية للرضّع والأساسات الرومانية، يواصل معبد تانيت وبعل حمّون كشف أسراره، مؤكدًا المكانة المحورية التي كانت لقرطاج في قلب تاريخ البحر الأبيض المتوسط. تعليقات