تتأثر الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بمتغيرات السياسة المالية وبتدخل السلطة النقدية ممثلة في البنك المركزي التونسي. وتعتبر مناهج الحوكمة، في هذا المجال، ذات أهمية كبرى نظرا لتأثيرها على النمو وتطور النشاط القطاعي والائتماني بالمعنى البنكي للمصطلح وما للأمر من آثار على الاستثمار ومراكمة رأس المال. وتبنى فعالية السياسة النقدية على مدى قدرة مؤسسات القرض على تعبئة الودائع للتخفيض في حجم النقد خارج الدورة المالية ضمانا للقدرة التنافسية الكلية ودعما لشفافية التعاملات. غير أن المسألة تكتنفها عديد التحديات من بينها حساسية الاقتصاد والسياسة النقدية للتغيرات التي تحدث على مستوى أسواق السلع والخدمات والعمل والمال والتغيرات المتصلة بصرف العملة ونسب الفائدة والمدخرات الإلزامية. مرونة الاقتصاد الكلي في اطار مسار يعكس توجها حذرا، قرّر البنك المركزي التونسي تثبيت أسعار الفائدة الرئيسية، مع التأكيد على استمرار مراقبة المؤشرات الاقتصادية الكلية التي اظهرت مرونة ملحوظة، خصوصاً ما يتعلق بالتضخم والنمو والاستقرار النقدي، علماً أن عددا من البنوك المركزية في العالم وعلى المستوى الاقليمي قد اتبعت نفس التمشي. وقرّر مجلس إدارة البنك المركزي التونسي، في اجتماعه المنعقد يوم الأربعاء الفارط، مواصلة تثبيت سعر الفائدة الرئيسي عند 7.5%، رغم استمرار الضغوط التضخمية وارتفاع العجز التجاري. وأشار البنك التونسي، في بيان اعلامي، إلى أن مؤشرات النمو تُظهر بوادر انتعاش تدريجي خلال الثلاثي الثاني من عام 2025، مدفوعة بتحسن النشاط التصديري وزيادة الطلب المحلي. وتوقّع البنك أن ينخفض معدل التضخم إلى 5.3% كمعدل سنوي بحلول نهاية العام، مقارنة ب6% عام 2024، مشيراً إلى أن انخفاض الأسعار ما زال هشًا في ظل تقلبات أسعار السلع عالمياً. كما لفت إلى مرونة احتياطات النقد الأجنبي التي بلغت 23.2 مليار دينار أي ما يُعادل 101 يوم من الواردات حتى 29 جويلية 2025. في المقابل، أشار إلى أن العجز التجاري تفاقم ليصل إلى 9.9 مليارات دينار خلال لسداسي الأول من 2025، مقارنة ب8 مليارات دينار في الفترة نفسها من العام الماضي. وتباينت توقعات المؤسسات الدولية والمحلية بشأن أداء الاقتصاد التونسي، إذ توقّع البنك الدولي نموًا بنسبة 2.2% في 2025، بينما رجّحت السلط المالية تحقيق 3.2% وفق ما ورد في ميزانية العام الجاري. ومنذ سنوات، يعتمد البنك المركزي على سياسة ترشيد أسعار الفائدة كأداة رئيسية للحد من الضغوط التضخمية، بعد أن بلغ التضخم مستويات قياسية عام 2023، قبل أن يبدأ مسارًا تنازليًا منذ عام 2024. وفي مارس الماضي، خفّض البنك سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، ليصل إلى 7.5%، وذلك بعد أكثر من عامين من تثبيته عند مستوى 8%. وأوضح حينها أن هذا التخفيض جاء استجابةً لحاجيات السوق وتشجيعًا للاستثمار، بعد تحقيق تقدّم ملحوظ في كبح التضخّم. وفي خصوص وضع النقد الأجنبي، أكّد البنك أن الموجودات الصافية من العملة الأجنبية تُظهر تماسكا، حيث بلغت 23.2 مليار دينار، أي ما يُغطي نحو 101 يوم من الواردات، وذلك حتى تاريخ 29 جويلية 2025، مقارنةً ب24.4 مليار دينار في العام السابق كما أشار إلى أن سعر صرف الدينار يواصل أداءه الجيد مقابل العملات الرئيسية، مما يُساهم في الحد من الضغوط التضخمية. جهود للتحكم في التوازنات الخارجية في المقابل، أظهر التقرير توسّعًا في العجز التجاري، حيث بلغ 9.9 مليارات دينار خلال السداسي الأول من عام 2025، مقارنةً ب8 مليارات دينار في الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما أدى إلى توسع عجز الحساب الجاري، ليصل إلى 3.4 مليارات دينار (أي ما يُعادل 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي) حتى نهاية جوان 2025، مقارنةً ب1.2% في العام السابق. ورغم ذلك، أشار البنك إلى أن التحويلات القوية من التونسيين المقيمين في الخارج، إضافة إلى عائدات السياحة، ساهمت في التخفيف النسبي من تفاقم هذا العجز. وفي سياق متصل، توقّع البنك الدولي أن يرتفع معدل نمو الاقتصاد الوطني إلى 2.2% مع نهاية العام الحالي، وأن يصل إلى 2.3% في عام 2026، مستفيدًا من تحسّن متوقع في التمويل الخارجي. وأظهر تقرير البنك، الصادر في جانفي الماضي تحت عنوان "النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، أن تونس ستُسجّل نموًا بنسبة 2.2% في عام 2025، مقارنةً ب1.2% خلال عام 2024. وأوضح البنك الدولي أن استمرار الجفاف وضعف الطلب المحلي ساهما في تباطؤ التعافي الاقتصادي خلال 2024، مقارنة بالتوقعات السابقة. لكن هذه التوقعات تختلف عن تقديرات السلط المالية، التي رجّحت أن يبلغ النمو الاقتصادي 3.2% خلال العام الحالي، وفق ما ورد في أهداف قانون المالية لعام 2025.