سجّلت اليابان خلال سنة 2024 أكبر انخفاض ديموغرافي في تاريخها الحديث. ووفقًا للبيانات الرسمية الصادرة يوم الأربعاء 6 أوت عن وزارة الشؤون الداخلية اليابانية، تراجعت أعداد السكان ب908,574 نسمة، أي بنسبة 0.75٪ خلال عام واحد. وبات عدد سكان البلاد يبلغ الآن 120.65 مليون نسمة، مقابل ما يزيد قليلاً عن 121.5 مليون في السنة السابقة. وهذه السنة تمثّل السنة السادسة عشرة على التوالي من التراجع السكاني، كما أنها تسجّل أكبر انخفاض سنوي منذ بدء تسجيل الإحصائيات عام 1968. ورغم تحذيرات الحكومة والسياسات التحفيزية الموجهة للعائلات، فإن معدلات الولادة لا تزال تشهد انهيارًا. فقد تم تسجيل 686,061 ولادة خلال سنة 2024، أي أقل ب41,227 من عدد الولادات في 2023، بحسب وزارة الصحة. وهذه هي المرة الأولى منذ بدء جمع المعطيات عام 1899 التي ينخفض فيها عدد الولادات السنوي إلى ما دون حاجز 700 ألف. كما بلغ معدل الخصوبة، وهو مؤشر رئيسي لحيوية السكان، مستوى متدنّيًا تاريخيًا عند 1.15 طفل لكل امرأة، وهو رقم بعيد جدًا عن عتبة الإحلال السكاني المحددة ب2.1. وفي مواجهة هذه الأزمة المزمنة، وصف رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا مؤخرًا الوضع بأنه «حالة طوارئ صامتة»، معلنًا عن حزمة من الإجراءات لمحاولة عكس المنحى، من بينها: مرونة أكبر في ساعات العمل، مجانية رعاية الأطفال، ودعم إضافي للعائلات. إلا أنّ الآثار الفعلية لهذه السياسات لم تنعكس بعد في الأرقام والإحصائيات. شيخوخة سكانية… لكن أجانب أكثر في المقابل، لا تزال اليابان تحتفظ بأحد أكثر الهياكل السكانية شيخوخة في العالم، إذ يبلغ متوسط العمر في البلاد 49.9 سنة، ولا تتقدّم عليها سوى موناكو بمتوسط 56.9 سنة، وفقًا للبنك الدولي. ويمثل الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فأكثر نسبة 29.58٪ من مجموع السكان، في حين يشكّل الفئة العمرية بين 15 و64 عامًا نحو 59.04٪، وهي زيادات طفيفة ناتجة عن التقدم الطبيعي في أعمار الأجيال السابقة. النقطة الإيجابية الوحيدة في هذا المشهد الديموغرافي القاتم هي ارتفاع عدد المقيمين الأجانب، الذين بلغ عددهم 3.67 ملايين نسمة في 1 جانفي 2025، أي قرابة 3٪ من إجمالي سكان البلاد البالغ 124.33 مليون نسمة (بانخفاض إجمالي نسبته 0.44٪). ويُعد هذا الرقم أعلى مستوى منذ بدء تسجيل هذه البيانات في 2013، ما يعكس تصاعد دور الهجرة كعامل تعويضي في المعادلة السكانية. تحدٍّ بنيوي لمستقبل البلاد لا يقتصر التراجع الديموغرافي في اليابان على مجرد أرقام، بل يترك تأثيرًا مباشرًا على النمو الاقتصادي، وسوق العمل، والمالية العامة، واستدامة أنظمة التقاعد والرعاية الصحية. فالبلاد، التي لطالما اعتُبرت نموذجًا للتنمية، تواجه الآن تحوّلًا ديموغرافيًا حادًا وغير مسبوق في تاريخ القوى الاقتصادية الكبرى. ورغم تصاعد الوعي السياسي بخطورة الوضع، يتفق أغلب المراقبين على أن مواجهة الانكماش السكاني تتطلّب إصلاحات جذرية، وانفتاحًا أكبر على الهجرة، وتحولًا اجتماعيًا واسع النطاق. والوقت يداهم: فوفقًا لتوقعات الأممالمتحدة، قد تفقد اليابان ما يقارب ثلث سكانها بحلول عام 2070 إذا استمر هذا النسق. تعليقات