بدأ الثقل الاقتصادي لحملات المقاطعة يظهر بوضوح على المستوى العالمي. فمنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، تشهد عدة شركات متعددة الجنسيات متهمة بدعم إسرائيل تراجعًا في أسواقها، وانخفاضًا في مبيعاتها، وهبوطًا في أسهمها بالبورصة. خسائر مالية غير مسبوقة وفقًا لتحليلات نقلتها وكالة "الأناضول" ومراكز بحث تركية، تراجعت أسهم بعض العلامات التجارية الكبرى بما يتراوح بين 10 و15% في البورصة بين أواخر 2023 و 2024. و قد كسرت حملات المقاطعة على وجه الخصوص ديناميكية النمو في تركيا، حيث هبطت المبيعات بشكل حاد. و لا يقتصر الأثر على فصل مالي واحد؛ إذ تُظهر البيانات تراجعًا متواصلاً خلال عدة فترات مالية متعاقبة، ما يؤكد أن المقاطعة ليست مجرد تأثير عابر، بل هي ضغط اقتصادي مستدام. في سابقة لافتة، ظهر مصطلح "المقاطعة" بشكل صريح في التقارير السنوية لمجموعات دولية. فقد أشار إليه تقرير "كوكاكولا" بشكل مباشر، بينما ورد في تقرير "ستاربكس" ست مرات. و تعكس هذه الإشارات اعترافًا ضمنيًا بحجم الظاهرة، في وقت تنفق فيه الشركات ملايين الدولارات على الحملات الإعلانية في محاولة لاستعادة صورتها. و يأتي هذا الحراك ضمن امتداد لحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي أطلقتها عام 2005 نحو 170 منظمة فلسطينية غير حكومية. و منذ ذلك الحين، وُجهت اتهامات لعمالقة مثل "مايكروسوفت" و"إنتل" و"كارفور" و"شيفرون" و"ماكدونالدز" بالمساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم الاقتصاد الإسرائيلي. ضغط شعبي و إغلاقات بالجملة لا تقتصر المقاطعة على الشركات الغربية الكبرى، بل طالت الاقتصاد الإسرائيلي نفسه. فبحسب تقديرات محلية، أُغلقت 60 ألف شركة إسرائيلية في عام 2024. كما انهار قطاع السياحة مع تراجع الوافدين بنسبة 70%، إذ لم يتجاوز عدد الزائرين 952 ألفًا في 2024 مقابل أكثر من 3 ملايين في السنة السابقة. و في المنطقة، اضطرت عدة علامات تجارية غربية إلى تقليص أنشطتها أو إغلاق بعض فروعها، مثل "KFC" و"بيتزا هت". و يرى الباحثون أن فعالية المقاطعة لا تعتمد كثيرًا على انضمام مقاطعين جدد بقدر ما تعتمد على التزام المستهلكين المشاركين فيها. فهذا الثبات في السلوك الاستهلاكي يضع الشركات تحت ضغط دائم ويقوّض استراتيجيات نموها على المدى الطويل. معركة اقتصادية و رمزية بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي هجومه على غزة — مع حصيلة بشرية مأساوية تجاوزت 64 ألف قتيل و161 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال — تتحول المقاطعة إلى أداة مقاومة اقتصادية ورسالة سياسية عالمية. إنها تعكس ديناميكية مزدوجة: إضعاف التدفقات المالية التي تدعم آلة الحرب الإسرائيلية، وإجبار الشركات متعددة الجنسيات على تحمل المسؤولية إزاء شراكاتها و استثماراتها. تعليقات