تسرب التوتر بين باريس و الجزائر إلى تجارة الحبوب. فبعد أن كانت الجزائر لوقت طويل الزبون الأول للقمح الفرنسي، تكاد اليوم تطوي صفحة هذه التبعية : ففي سنة 2018، استوردت من فرنسا أكثر من 5,4 ملايين طن، أي ما يعادل تقريباً كامل مشترياتها، في حين تراجعت الكميات سنة 2023 إلى أقل من مليون طن فقط. و خلال الفترة الممتدة من جويلية إلى ديسمبر 2024، لم يتجه نحو الموانئ الجزائرية سوى سفينة واحدة محملة ب31,500 طن من القمح اللين، في مؤشر على قطيعة باتت هيكلية. علاقة تجارية تاريخية في أزمة على امتداد عقود، كان هناك «توازن غير معلن» بين البلدين: الغاز الجزائري مقابل القمح الفرنسي. غير أن هذه المعادلة تعطلت في وقت تضاعف فيه عدد سكان الجزائر أكثر من أربع مرات منذ سنة 1962 (حوالي 46,3 مليون نسمة في 2024)، ما زاد آلياً من حاجتها للغذاء. و تُقدَّر واردات الجزائر من القمح خلال 2024-2025 بحوالي 8,7 ملايين طن، بما يؤكد مستوى عالياً من التبعية للأسواق الخارجية. التحول نحو البحر الأسود يعود المنعطف إلى سنة 2020، حين خففت الجزائر مواصفاتها الصحية ورفعت نسبة الحبوب التالفة بسبب الحشرات من 0,2% إلى 0,5%. و النتيجة: أصبح وصول القمح القادم من منطقة البحر الأسود، خاصة من روسيا، أكثر سهولة. فمنذ 2021، فرضت روسيا نفسها مورداً رئيسياً: إذ تجاوزت شحناتها نحو الجزائر خلال موسم 2023/2024 حدود 2,1 مليون طن، منها 1,6 مليون طن بين جويلية 2023 وجانفي 2024. في الفترة نفسها، لم تتجاوز مشتريات الجزائر من الاتحاد الأوروبي 1,2 مليون طن، قادمة أساساً من رومانيا وبلغاريا، ولم تعد فرنسا مصدرها الأول. قطاع فرنسي في مأزق هذا التراجع الجزائري يثقل كاهل المنظومة الفرنسية. فقد جرى تخفيض توقعات التصدير لسنة 2024/2025 بسبب شبه اختفاء السوق الجزائرية. كما تراجعت صادرات الاتحاد الأوروبي من القمح اللين ب30% في 2024/2025، في حين هبطت الجزائر إلى المرتبة الخامسة ضمن الوجهات الأوروبية. و ستبقى حملة 2024/2025 من بين الأصعب على الصادرات الفرنسية، نتيجة تراجع الطلب الجزائري والصيني، والمنافسة الشرسة من منتجي البحر الأسود. أما بالنسبة إلى 2025/2026، فتتوقع التقديرات حوالي 8 ملايين طن من الصادرات الفرنسية خارج الاتحاد الأوروبي، وما يصل إلى 4 ملايين طن من المخزونات في نهاية الموسم، وهو ما يعكس صعوبة إعادة توجيه التدفقات بسرعة. توترات تتجاوز الاقتصاد هذا الطلاق في قطاع الحبوب يأتي في سياق تدهور أوسع للعلاقات الثنائية. فقد عجّلت الأزمات الدبلوماسية الأخيرة بفقدان فرنسا حصتها في السوق الجزائرية لصالح تحالفات تجارية جديدة عقدتها الجزائر. وعلى المدى القصير، يمتص المغرب جزءاً متزايداً من القمح الفرنسي، غير أن روسيا تكسب بدورها موقعاً هناك، مما يحد من قدرة باريس على تعويض خسارة السوق الجزائرية. و بالنسبة إلى المنتجين و المصدرين الفرنسيين، فإن الأمر يشكل انتكاسة استراتيجية. تعليقات