شكل لعقود طوال استعمال الشيك كوسيلة دفع مؤجلة سلوكاً متجذراً في المجتمع أنتجته الاوضاع الاقتصادية وعدم قدرة طيف واسع من المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين على النفاذ إلى أصناف من الخدمات المالية. غير ان بيانات مالية أظهرت أن استعمال الشيك يشهد في الاشهر الاخيرة تراجعا ملحوظا مقابل ارتفاع في تداول الكمبيالة، لكن ارتفاع تداول الكمبيالة كوسيلة دفع مؤجلة لا يعكس بالضرورة تغيرا على مستوى ديناميكية الاستهلاك، خصوصا أن التجار يحتاجون إلى ضمانات واسعة لاعتماد الكمبيالة في البيع بالتقسيط نظراً لاعتبارات تهم التشريعات المتعلقة بها. وفي هذا الاطار، كشفت معطيات نشرها البنك المركزي التونسي، اليوم الثلاثاء، في مجال المقاصة، زيادة هامة في عدد الكمبيالات المستخدمة، بنسبة 155 بالمائة (2،1 مليون كمبيالة)، بقيمة إجمالية ناهزت 25،6 مليار دينار، مقابل تراجع في عدد الشيكات، بنسبة 66،8 بالمائة (4 ملايين شيك)، بقيمة 27،6 مليار دينار، وفق ما ورد في نشرية "الدفوعات في أرقام" التي افادت بزيادة قيمة التحويلات، بنسبة 9،7 بالمائة (18،5 مليون عملية)، لتصل إلى 37،6 مليار دينار. وتؤكد عدة معطيات في اطار تحليل هذه البيانات ان السوق تشهد السوق عموما تراجعاً ملحوظا في أنشطة البيع بالتقسيط في مختلف المجالات، لا سيما الأجهزة المنزلية، بعد مدة من دخول قانون الشيك حيز النفاذ، والذي يجرّم إصدار الشيك من دون رصيد، بينما كانت معظم المعاملات تجرى في السابق بالشيكات. وتضمن القانون الجديد إرساء منصة إلكترونية للتعامل بالشيك، تتيح للمستفيد من الشيك التحقق من توفر الرصيد لدى البنك بشكل حيني، ويهدف القانون إلى الحد من الآثار السلبية لسوء استعمال الشيك، وتعزيز الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين، وتحسين مناخ الأعمال، لكن تطبيقه في ظل محدودية البدائل الشاملة التي تتيح لشرائح كبيرة من التونسيين شراء مختلف الاحتياجات بالتقسيط، أثر على أنماط الاستهلاك والقطاعات التجارية والاقتصاد على حد سواء. وأظهرت بيانات كشف عنها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن 88 بالمائة من المستهلكين من ذوي الدخل المتوسط (دخل شهري بين ألف وثلاثة آلاف دينار) تخلوا عن عملية شراء منذ دخول قانون الشيكات الجديد حيز النفاذ بداية فيفري 2025، في سياق تبرز فيه عدة مؤشرات ان التشريعات الجديدة المتعلقة بالشيكات تجاوزت حقيقة الوضع المعيشي لفئات من المواطنين وقدراتهم الإنفاقية، مما أثر على مستوى الطلب الداخلي وحجم الاستهلاك ككل. وتبين العديد من المعطيات المالية، أن السوق كانت تحتاج إلى توفير بدائل شاملة للدفع بالتقسيط قبل دخول قانون الشيك حيز النفاذ، وهو ما يستدعي اليوم ضرورة تحرك الأجهزة المتخصصة من أجل تكثيف الجهود لتقديم حلول في شكل قروض استهلاك لفائدة المزودين أو مزيد إصدار البطاقات الإلكترونية المناسبة للدفع بالتقسيط. ومن المرجّح أن تتم ملاحظة تداعيات واضحة على الطلب الداخلي خلال النصف الثاني من العام الحالي، في صورة عدم اتخاذ إجراءات ملائمة وعاجلة نتيجة عدم قدرة عدد من المواطنين على مواصلة استهلاك عدة منتجات كان اقتنائها يمول أساساً عبر الدفع بالتقسيط من خلال إصدار الشيكات مؤجلة الدفع. ووفق معطيات متقاطعة، فان حجم النشاط الاقتصادي الذي يعتمد على الشيك كوسيلة دفع مؤجلة يقدر بنحو 30 بالمائة من المعاملات التجارية. تعليقات