في قلب سورة الأنبياء، تثير أحد الآيات اهتمام القرّاء المعاصرين، مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين. فهي تبدو وكأنها تُجسّد، في صورة موجزة، فكرة كونٍ كان موحّداً ثم "انفصل". هذه الصياغة تذكّر كثيرين بالتصوّر الكوسمولوجي لنظرية الانفجار العظيم، تلك اللحظة الأولى التي انتقل فيها الكون من حالة شديدة الكثافة والحرارة إلى توسّع مستمر.
يعتمد هذا النص القرآني على مفردتين أساسيتين: رتق وتشير إلى الالتحام والتماسك والاتحاد، وفتق التي تحيل إلى الانفصال والتمزّق والفتح. وعند نقل هذه المفردات إلى لغتنا المعاصرة، يوحي النص بكونٍ بدائي موحّد بين "السماوات والأرض"، أعقبه مسار من الانفصال والتمايز.
بعيداً عن تقديم نظرية فيزيائية، يرسم النص صورة رمزية كبرى: من الوحدة إلى الانفصال، ومن الالتحام إلى التوسّع.
وهو ما يلتقي مع ما توضحه الكوسمولوجيا الحديثة: كونٌ نشأ من حالة كثيفة وحارة، وواصل التمدّد على مدى مليارات السنين. هذه المقاربة لا تجعل من القرآن كتاب علوم، لكنها تثير التساؤل بدقّة صورتها وتماسكها. فهي تخاطب العقل بانسجامها، والوجدان بإيحاءاتها حول بداية جامعة تربطنا جميعاً. حين تضيء العلوم القراءة... دون أن تستنفدها
من المهم التذكير أن القرآن لا يقدّم معادلات أو صيغاً رياضية؛ بل يوجّه البصر نحو المعنى. والتاريخ الفكري يبرهن أن بعض الآيات القرآنية تصمد أمام الزمن وتتناغم مع معارف معاصرة.
فالانتقال من "الرتق → الفتق" يواكب سهم الزمن الكوني، فيما يكشف الشطر الثاني من الآية — «وجعلنا من الماء كل شيء حي» — حقيقة بيولوجية بديهية: الماء أساس الحياة كما نعرفها.
هذا التلاقي يمنح النص قراءتين: روحية تستحضر الأصل الواحد وتدعو للتواضع والأخوّة، وعقلانية تكشف انسجاماً داخلياً للنص يجعله قابلاً للفهم عبر القرون رغم تغيّر النماذج العلمية. العقل والقلب... بحث واحد عن المعنى
رؤية فكرة لم تتأكّد علمياً إلا في القرن العشرين وهي مذكورة في نص من القرن السابع، يثير تساؤلات العقل.
ما احتمال أن يعبّر رجل أُمّي، في سياق يخلو من أدوات العلم، بعبارات بسيطة عن لبّ سرٍّ لم يُكشف علمياً إلا بعد أربعة عشر قرناً؟
قراءة هذه الآية اليوم تعني السماح للعقل والعاطفة بالحوار: العقل يجد فيها صورة للواقع — من البسيط إلى المركّب، من الموحد إلى المتعدد، من المغلق إلى المنفتح — والعاطفة تراها رواية للبدء تطمئن: العالم ليس عبثاً، بل خرج من نظام يمكن للإنسان البحث في فهمه. خلاصة للنقاش المعاصر
يُلاحظ كثيراً أن منتقدي الإسلام يعتمدون على روايات سطحية، بينما من يقرأ القرآن ويدرسه غالباً ما يغيّر رؤيته.
تكمن قوة الإسلام في تأكيده على معجزة متاحة للجميع: القرآن نفسه. فمنذ أربعة عشر قرناً، صمد نصّه أمام الزمن، ومع كل تقدّم علمي تبرز تقاطعات جديدة، لا كدلائل رياضية قاطعة، بل كإشارات تدعو للتفكّر.
وهنا يكمن اللقاء بين الوحي والعقل، وهو ما ستخصص له سلسلة مقالات تُنشر كل يوم جمعة، هدفها مخاطبة الفكر دون إغفال الروح. هذا النص يمثّل بداية سلسلة مقالات تُنشر كل يوم جمعة، تُسلّط الضوء على مسارات شخصيات مشهورة اعتنقت الإسلام والأسباب التي دفعتها لذلك، كثيراً ما كانت اكتشافات من هذا القبيل. تعليقات